بقلم خليفة حداد

بدخول العملية العسكرية التي تشنها القوات التابعة لخليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس شهرها الثاني، يتضح أن حسابات المهاجمين وحلفائهم الإقليميين، لم تكن دقيقة، وأن الآمال التي كانت معقودة على حسم عسكري سريع يلحق طرابلس ببنغازي ودرنة والجنوب، بددتها معطيات الميدان.

الجزء الأول

على المستوى السياسي، تذهب جل المؤشرات إلى أن الهجوم طوى مرحلة دامت ثلاث سنوات من المهادنة ومسك العصا من الوسط من طرف المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج، وأن المرحلة الجديدة سيكون عنوانها الأبرز تعميق التشظي الاجتماعي والمؤسساتي والسياسي، مهما تكن مآلات العملية العسكرية التي تتشابك فيها المعطيات المحلية والإرادات الإقليمية.

مقدمة

بعد مرور أكثر من شهر من إعلان قائد عملية الكرامةخليفة حفتر إطلاق عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، لم تتمكن الأرتال المدججة بمختلف أصناف الأسلحة، والمساندة بغطاء جوي من الطائرات النفاثة والمسيرة، من تحقيق اختراق نوعي من شأنه قلب الموازين السياسية والعسكرية في العاصمة وعموم المنطقة الغربية.

وبعد مرور أكثر من شهر، تتراكم المؤشرات على أن الخطة التي أعلنت، عند انطلاق الحملة العسكرية، تواجه مصاعب ميدانية ولوجستية متراكمة، وأن الأهداف التي حددت، حينها، تتضاءل، كلما طال أمد المعركة، ما يمنح الشرعية للتساؤل عن الخطط البديلة الممكنة لدى قيادة عملية الكرامةوحلفائها الإقليميين لحلحلة الموقف العسكري والسياسي الحالي.

1 / انكفاء على تخوم العاصمة:

تشير تصريحات خليفة حفتر، في التسجيل الصوتي الذي بثته وسائل الإعلام عند انطلاق الهجوم على طرابلس، إلى أن قيادة عملية الكرامةوحلفاءها الإقليميون كانوا يعولون على دخول سريع إلى العاصمة.

كما تشير تفاصيل الحملة الإعلامية والاتصالية التي دشنتها قنوات فضائية مساندة، يبث أغلبها من الإمارات ومصر والأردن وتونس والسعودية، وعدد كبير من صفحات التواصل الاجتماعي المموّلة إلى أن الخطة الأولى تعتمد، أساسا، على:

ـ تنفيذ هجوم سريع بأرتال ضخمة من الآليات العسكرية،

ـ بمساندة غطاء جوي، يخترق الحزام الجنوبي للعاصمة،

ـ مع تحرك سريع لمجموعات مسلحة من صبراتة وصرمان والعزيزية لقطع الطريق الساحلي غرب طرابلس على مستوى كوبري 27،

ـ الفصل بين طرابلس وبين مدن الزاوية وزوارة،

ـ تحريك عناصر أخرى لمحاصرة العاصمة من جهة الشرق،

ـ وتنفيذ إنزال بحري شرق الزاوية.

ورغم أن بعضا من الخطة نفذ، فعلا، في الساعات الأولى، إلا أن المجموعات المهاجمة لم تتمكن من المحافظة على مواقعها أكثر من ساعات معدودة.

ففي كوبري 27 غرب العاصمة، تمكنت كتائب من الزاوية؛ موالية لحكومة الوفاق الوطني، من طرد المهاجمين وأسّرت عددا كبيرا (128) منهم .

وفي جنوب غرب العاصمة شنت قوات الوفاق هجوما استرجعت، خلاله، منطقة العزيزية والحزام الممتد إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى غريان.

وفي محور قصر بن غشير ومحيط مطار طرابلس الدولي واجهت المجموعات المهاجمة مقاومة شرسة، وتراجعت عن الكثير من المواقع التي سيطرت عند بداية العملية.

وحتى الآن لم يبق من المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الكرامةسوى مدينتي غريان وترهونة؛ اللتين دخلتهما دون قتال وبعد عملية تسليم من طرف بعض الكتائب المحلية،

إضافة إلى عدد من المحاور المتحركة في قصر بن غشير والمطار والسبيعة ووادي الربيع والهيرة، والتي تشهد قتالا ضاريا وعمليات كر وفر بين الطرفين، تتضاعف معه مصاعب القوات المهاجمة جراء طول خطوط الإمداد وتعرضها للهجمات والقصف الذي تنفذه طائرات الكلية الجوية بمصراتة.

أما على مستوى الجبهة الداخلية، فلم تشهد العاصمة أي تحرك علني لأنصار حفتر، كما لم تسلّم أي من الكتائب مواقعها للمهاجمين على غرار ما جرى في غريان، كما كان يتوقّع.

وبالتوازي مع ذلك، أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق ضبط عدد من الخلايا التي كانت تخطط للتحرك بهدف إحداث ثغرات داخل العاصمة، كما أعلنت التحفظ على عناصر قيادية بعدد من الكتائب؛ أغلبها من ذوي التوجه السلفي المدخلي، والتي يعتقد أن لديها اتصالات مع معسكر الكرامة“.

وفي السياق ذاته، وفر الهجوم على العاصمة أرضية لقاء بين قوات المنطقتين الوسطى والغربية والعاصمة التي وسمت علاقتها، طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة، بالتنافر والتقاتل.

ومنذ الساعات الأولى للمعركة توجهت أعداد كبيرة من المقاتلين والآليات من الزاوية وزوارة ومصراتة وزليتن وجبل نفوسة والزنتان وغريان ومدن أخرى إلى العاصمة وانضمت إلى قوة حماية طرابلس، وهو معطى يبدو أن قيادة عملية الكرامةلم تكن تتوقعه.

فقد كانت تعوّل على نأي عدد من المدن، وخاصة مصراتة، بنفسها عما يجري في العاصمة، بناء على الحوادث السابقة التي أحدثت شرخا بين مكونات المنطقتين الغربية والوسطى.

وبالمحصلة، يبدو المشهد العسكري، بعد أكثر من شهر من إطلاق حفتر عملية طوفان الكرامةالهادفة إلى تحرير العاصمة من الميليشيات الإرهابية، على خلاف ما كان يأمل اللواء وداعموه الإقليميون.

فالمكاسب الميدانية الجزئية التي تحققت في الساعات الأولى لم تصمد طويلا، وتحولت التخوم الجنوبية للعاصمة إلى ميدان استنزاف ترتفع، بفعله، كلفة العملية عسكريا وسياسيا وإنسانيا، يوما بعد يوم.

التكملة في الجزء التالي

***

خليفة حداد ـ باحث في الحضارة

_________

المركز المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة