بقلم أحمد قاسم حسين

هذه الورقة تهدف إلى الوقوف على الواقع العسكري والسياسي في ليبيا، قبل حرب حفتر على العاصمة، وترصد مواقف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في ليبيا من المعارك الدائرة في طرابلس ومحيطها، وتستشرف مسارات تلك الحرب التي دخلت شهرها الثاني، من دون أن تحقق الهدف المرجو منها، وتداعياتها المحلية والإقليمية.

الجزء الثاني

ثانيًا: مواقف معسكر داعمي حفتر إقليميًا ودوليًا

في الوقت الذي تعترف فيه كل من القاهرة والرياض وأبوظبي بحكومة الوفاق الوطني، بوصفها الحكومة الشرعية، فإنها تقدّم كل الدعم السياسي والعسكري لحفتر؛

فالقاهرة تنشد زيادة نفوذها، وضمان أمن حدودها البرية الرخوة مع ليبيا التي تصل إلى 1115 كيلومترًا، والتي تشهد حركة تهريب للأفراد والسلع، وللجماعات المسلحة.

وقد شهدت هذه الحدود سلسلة من الاشتباكات بين شبكات التهريب وحرس الحدود المصري، كان آخرها في تموز/ يوليو 2014، عندما قُتل نحو 28 عسكريًا مصريًا قرب واحة الفرافرة.

تدعم القاهرة حفتر عسكريًا وسياسيًا، وتعتبره ضامنًا لأمنها ومصالحها في المنطقة الشرقية الغنية بالموارد النفطية، وهي المنطقة التي تُعدّ سوقًا واعدة للعمالة المصرية، وترى حفتر جزءًا من التحالف الذي يجمعها بالرياض وأبوظبي، وأداة أساسية لتنفيذ توجهات تلك الدول ومصالحها، ولا سيما أن حفتر يجهد للظهور بأنه يمر بأحوال مشابهة لحليفه وجاره الجنرال عبد الفتاح السيسي، من حيث محاربة حركات الإسلام السياسي التي يصفها بـ “الإرهابية”، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين، في انسجام تام مع تصورات أبوظبي والرياض.

وفي هذا السياق تحتضن الإمارات حفتر سياسيًا وعسكريًا، وتدعم هجومه على طرابلس، إذ وصلت طائرتا شحن إماراتيتان إلى قاعدة بنينا في بنغازي، تنقلان معدّات عسكرية لحفتر، وقد اعترفت إدارة مطار بنينا بوصولهما، لكنها زعمت أن الطائرتين الآتيتين من مطار دبي الدولي مصدرهما مؤسسة “زايد الخير”؛ لدعم مؤسسات خيرية في الجنوب، بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة، ولا تحملان شحنات سلاح.

إضافة إلى ذلك، توجد طائرات بلا طيار، وخبراء عسكريون إماراتيون، في قواعد عسكرية في المنطقة الشرقية (قاعدة الخادم، وقاعدة بنينا).

وفي حال فشل حفتر في اقتحام طرابلس، فمن المتوقع أن تخرجه الإمارات من مأزقه العسكري، فتقدّم له إسنادًا جويًا، على غرار ما نفّذه سلاح الجو الإماراتي من ضربات جوية في بنغازي ودرنة بطائرات بلا طيار “وينغ لونغ 2” صينية الصنع.

وتسعى الإمارات لزيادة مكاسبها الاقتصادية في ليبيا، من خلال مجموعة من الشركات العاملة في مجال إعادة الإعمار، وشركات صيانة الموانئ النفطية والتجارية، مثل الشركة الليبية الإماراتية لتكرير النفط (ليركو)، ثاني أكبر شركة طاقة في شمال أفريقيا، ويصل إنتاجها إلى نحو 220 ألف برميل من النفط يوميًا، وتعمل في منطقة الهلال النفطي، وشركة “تراسا” الإماراتية التي امتلكت حق صيانة عدة موانئ وتشغيلها في منطقة الهلال النفطي التي تخضع لسيطرة حفتر.

التقى حفتر قبل هجومه على طرابلس الملك السعودي وولي عهده ووزير الداخلية ورئيس الاستخبارات العامة في الرياض، وهو ما يفسر أنه يحتاج إلى دعم الرياض لما لها من تأثير قوي في التيار السلفي المدخلي في ليبيا المناصر له، وذلك بعد أن وفّر الغطاء العسكري والمالي إماراتيًا ومصريًا.

ولا يخفى أن للرياض علاقات قوية بالبيت الأبيض والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهي تُسوّق حفتر في أميركا على أنه محارب للإرهاب، بالتعاون مع أبوظبي والقاهرة. ولعل اتصال ترامب الهاتفي بحفتر يأتي في سياق توفير الضوء الأخضر لهجومه على العاصمة.

وأوروبيًا، تنضم باريس إلى معسكر داعمي حفتر في هجومه على طرابلس، باعتباره الضامن لمصالحها النفطية، والضابط لحركة الهجرة غير القانونية.

وقد قدمت باريس دعمها العسكري لحفتر في عملياته العسكرية في الشرق الليبي؛ حيث قتل جنود فرنسيون سابقًا في بنغازي، وباركت العمليات العسكرية التي شنتها قوات حفتر في الجنوب الليبي بلسان الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، آنييس فن دور مول.

وفي حربه الأخيرة ظهر جليًا التعاون الفرنسي مع قوات حفتر من خلال تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي؛ إذ دارت شكوك كثيرة حول دور الفرنسين الثلاثة عشر الذين سلموا السلطات التونسية ما بحوزتهم من معدات قبل دخولهم الأراضي التونسية، قادمين من المنطقة الغربية الليبية، فضلًا عن أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طالب بوقف غير مشروط لإطلاق النار، وهو ما يصبّ في مصلحة حفتر عسكريًا، على أن تُحدَّد خطوطه بإشراف دولي، لتحديد إطاره بدقة.

أما موسكو، فقد عطّلت عقد جلسة مجلس الأمن لبحث هجوم حفتر على طرابلس، في انحياز تام إليه، وهي تستدرك في سلوكها الخارجي تجاه ليبيا خطأ التقدير في عدم استخدامها “الفيتو” في عام 2011 على التدخل الغربي الذي قاد إلى خسارتها منطقة نفوذ، وسوقًا اقتصادية في شمال أفريقيا.

لذلك تحاول استعادة موقعها من خلال دعمها لحفتر، فضلًا عن استثمار غياب إستراتيجية أميركية في ليبيا.

إضافة إلى أن مصر والإمارات سوّقتا حفتر في موسكو على أنه الرجل الأقوى، والقادر على ضمان مصالح موسكو مستقبلًا في ليبيا.

ولتعزيز ذلك عمد حفتر إلى زيارة موسكو مرات عدة بهدف تطوير التعاون العسكري مع الجانب الروسي، ودفع موسكو إلى دعمه عسكريًا في حربه للسيطرة على البلاد بكاملها، حتى لو تطلّب الأمر إقامة قواعد عسكرية روسية شرق البلاد.

ثالثًا: مواقف دول الجوار بين الحذر والمعارضة

تسود حالة من التناقض في مقاربات دول الجوار الجغرافي لحل الأزمة الليبية، وتوجد مؤشرات عديدة على حالة عدم التوافق بينها على التحرك العسكري الأخير الذي قام به حفتر.

كان التطور اللافت في الموقف الجزائري الذي كان واضحًا ومغايرًا للخطاب الدبلوماسي قبل هجوم حفتر، حين قال وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم: “لا نقبل قصف عاصمة في دولة من المغرب العربي، ونحن صامتون”.

فالأمن الوطني للجزائر يرتبط بمسارات المعارك جنوب ليبيا وغربها؛ ذلك أنها تشترك مع ليبيا بحدود برية تصل إلى 700 كيلومتر، وقد حافظت الجزائر على قدر من توازن القوة في المنطقة الغربية، في مواجهة الدور والنفوذ المصريين.

هدد حفتر سابقًا بنقل الحرب إلى حدود الجزائر، على خلفية دخول قوة عسكرية جزائرية الأراضي الليبية، متهمًا الجزائر باستغلال الأوضاع الأمنية في المنطقة الغربية، وها هو حفتر يستثمر في التحولات التي تشهدها الجزائر، في إثر تصاعد الحركة الاحتجاجية؛ لخرق حالة التوازن التي أسستها، والعمل على تغيير توازنات القوى في المنطقة الغربية بما يخدم مصالحه.

أما تونس، فقد حافظت على الحياد في المرحلة السابقة، لكنها خرجت عن صمتها ودانت الهجوم العسكري، وتضامنت مع حكومة الوفاق الوطني.

وتخشى تونس انتقال العمليات العسكرية إلى حدودها، حيث لديها معابر برية مع ليبيا (رأس جدير، معبر ذهيبة – وزان)، فضلًا عن عدد كبير من المواطنين الليبيين المقيمين على أراضيها، وقد شهدت حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا؛ بهدف وضع حد للحرب في طرابلس ومحيطها.

كما شهدت العلاقات السودانية – التشادية نوعًا من التنسيق في ضبط الحدود بين البلدين، وضبط التهديدات القادمة من ليبيا (الجماعات المسلحة المعارضة لنظامي السودان وتشاد، وحركة الهجرة غير القانونية، وعصابات تهريب البشر والسلع).

وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد حفتر في حربه في المنطقتين الشرقية والجنوبية على ميليشيات سودانية، بحسب ما جاء في تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في ليبيا، يؤكد وجود ارتباط بين جيش تحرير السودان المعارض، والقوات التابعة لحفتر.

ويقدّم حفتر أيضًا خدمة للعاصمة التشادية، إنجامينا، التي زارها مرات عدة؛ بهدف محاربة الميليشيات التشادية المعارضة للنظام في الجنوب الليبي، مقابل دعم تشاد حربه على طرابلس.

***

أحمد قاسم حسين ـ يعمل باحثًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. حاصل على إجازة في العلوم السياسية من جامعة دمشق، عمل مساعد مدرس في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق قسم العلاقات الدولية. حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة فلورنسا الإيطالية، تتركز اهتماماته البحثية حول العلاقات الدولية.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مواد ذات علاقة