مر ما يقارب الشهرين منذ زحف المشير خليفة حفتر بقوات الجيش الوطني الليبي إلى طرابلس، تحت قيادته، محاولًا الاستيلاء على العاصمة، من قاعدته في شرق ليبيا.

الجزء الأول

في هذا الصدد، نشرت منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» تحليلًا للوضع في مدونة «لوب لوج»، تستعرض فيه المعركة الحالية، والوسائل المقترحة لتهدئة التصعيد بين الطرفين.

أشارت المنظمة إلى أنَّ قوات حفتر توقعت انتصارًا سريعًا، مراهنةً على إيمانها بأنَّ الوحدات الرئيسية في طرابلس إما ستظل محايدة، وإما ستنضم إليها. لكنَّهم أخطأوا في حساباتهم: فبدلًا من الانقضاض على العاصمة، بقوا عالقين على أطرافها، وانتهوا إلى حرب استنزافٍ مع قواتٍ من طرابلس ومصراتة موالية في الظاهر لحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، ومجلسها الرئاسي بقيادة فايز السراج.

إلا أنَّ حفتر يزعم بأنَّه حقق نجاحًا، ويبدو على اعتقادٍ بأنَّ النصر صار في متناوله، رافضًا دعاوى وقف الأعمال الحربية. ومن جانبها، توسلت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني لاستئناف المحادثات كي ينسحب الجيش الوطني الليبي بالكامل من ليبيا الغربية، وإلا سيدفعون به خارجًا باستخدام القوة على حد قولهم.

ويرى كل جانب أنَّه يملك قضيةً عادلة، ولاقتناعهما بإمكانية تحقيق أهدافهما العسكرية ببعض المساعدة الخارجية، فقد أبديا علاماتٍ على اتجاههما إلى الاستمرار في الصراع.

حسبما ترى المنظمة، فإنَّ هذا الصراع العسكري تسبب في فراغٍ دبلوماسي. إذ انهارت العملية السياسية التي بدأها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وانكشفت الانقسامات الموجودة بين أصحاب المصالح الخارجيين في ليبيا، تاركةً مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بلا حيلة. وفي ظل عدم وجود أي حلٍّ عسكري يلوح في الأفق، لن يكون أمام الجانبين إلا العودة إلى طاولة المفاوضات عاجلًا أم آجلًا.

وربما تضررت سمعة الأمم المتحدة، لكنَّها لا تزال هي الجهة الوحيدة القادرة على إدارة محادثات السلام. ويُشدد تقرير منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» على وجوب إدراك الأطراف الخارجية تلك الحقائق، وتقديم دعمها لعملية وقف إطلاق نارٍ تخضع للرقابة الدولية، وهو ما سيتطلب انسحاب قوات حفتر من الخطوط الأمامية في طرابلس جزئيًّا على الأقل.

وقد لا تكون هذه مهمةً سهلة، نظرًا إلى «المنطق الصفري» الذي ينبني عليه هجوم الجيش الوطني الليبي، ويشاركه فيه داعمو حفتر الإقليميون، ومطلب الحكومة الطرابلسية بأن تغادر قوات حفتر غرب ليبيا كليًّا.

وتحذر المنظمة بأنَّ استمرار الحرب وزيادة حدتها لا يجب أن يكون هو الخيار الوحيد. بل يجب أن تصل الأطراف الدولية المعنية بما فيها الولايات المتحدةإلى توافقٍ جديد في الآراء، وتُمكِّن المبعوث الخاص للأمم المتحدة فعليًّا، وتدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار، وتضغط على الطرفين المتناحرين للعودة إلى طاولة المفاوضات.

أما من جانبهما، فعلى الطرفين أن يعيدا تقدير افتراضاتهما، ويدركا أنَّ أيًّا منهما لا يملك القدرة على الانتصار عسكريًّا. وإعادة التقدير هذه في رأي المنظمة تعني بالنسبة لكلٍّ من قوات حفتر، وقادة الجيش الوطني الليبي الآخرين، بالإضافة إلى حكومة شرق ليبيا أن يخففوا وطأة خطابهم العدائي، وأن يتفقوا علنًا على اعتبار حكومة طرابلس شريكًا شرعيًّا في المفاوضات.

وفي المقابل ينبغي أن يستعد السراج والقوات العسكرية الموالية لحكومة الوفاق الوطني للالتزام بمفاوضاتٍ يمكن أن تلغي الإطار المؤسسي الذي وضعته الأمم المتحدة، والذي كانوا هم أول المستفيدين منه. وحالما يبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار، يجب أن تتحول الأولوية إلى استئناف المحادثات من أجل حل الأزمة المصرفية في ليبيا، التي قد تؤدي إن لم تُحل إلى إفقار الغالبية العظمى من السكان، وإشعال الحرب في العاصمة من جديد، وجلب الخراب على ليبيا.

قوات حفتر في مأزق عسكري

كشف تقرير المنظمة الوضع الآن في ليبيا وسط ذلك الصراع. إذ أوضح أنَّه وقد دخلت الحرب أسبوعها الثامن، فقد وصلت إلى طريقٍ مسدود داخل طرابلس وحولها. وأسفر القتال عن مقتل 510 أشخاص منهم 29 مدنيًّا، وشرَّد 75 ألف مواطن من العاصمة.

باغتت قوات حفتر خصومها، منطلقةً من قواعدها في شرق ليبيا وجنوبها في 4 أبريل (نيسان) الماضي، بدعمٍ من حلفائها في الغرب، ودخلت بعض الأحياء المحيطة بطرابلس، بدايةً من حي زهرة في الغرب إلى حي عين زارة ووادي الربيع في الجنوب الشرقي، واضعةً يدها على مطار طرابلس الدولي المتوقف حاليًا عن العمل.

غير أنَّ القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني احتشدت في غضون أسبوعٍ واحد، وتمكنت من طرد الجيش الوطني الليبي وحلفائه خارج الضواحي الغربية للعاصمة، ومن معظم مناطق حي عين زارة.

منذ ذلك الحين، حاول كلا الجانبين التقدم، قبل أن يعودا مرةً أخرى إلى الخطوط الأمامية في الضواحي الجنوبية للعاصمة التي تمتد لمسافة 10 إلى 20 كيلومترًا، دون أن يتمكن أيٌّ منهما من فرض سيطرته على أراضٍ جديدة، أو إحراز انتصارٍ حاسم.

وبقي الجيش الوطني الليبي عالقًا في مواقعه حول حي وادي الربيع والمطار الدولي تواجهه مقاومةٌ شرسة، وفشلت القوات الموالية للحكومة الطرابلسية في تحقيق هدفها بطرد قوات حفتر من طرابلس الكبرى، والمدن الواقعة على خطوط إمداد الجيش الوطني الليبي الضعيفة، مثل مدينتي ترهونة وغريان.

وأوضحت المنظمة أنَّه حتى استخدام السلاح الجوي والطائرات دون طيار لم يُحدث تغييرًا كبيرًا في موازين القوى على الأرض. ففي الفترة ما بين منتصف أبريل الماضي، ومنتصف مايو (أيار)، نفذ الجيش الوطني الليبي مرارًا هجماتٍ جوية بالطائرات، وباستخدام الطائرات دون طيار على قواعد المجموعات المُسلحة داخل طرابلس، وفي المدن المجاورة لها، مثل مدينة الزاوية ومدينة تاجوراء، وكذلك شنت هجماتها على المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الوطني المتمركزين على الخطوط الأمامية.

وفي المقابل، ضربت قوات حكومة الوفاق الوطني المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي مثل قصر بن غشير، مستخدمةً قواتها الجوية الأصغر حجمًا.

وأفاد تقرير المنظمة بأنَّ الجيش الوطني الليبي يبدو في الوقت الراهن أكثر تفوقًا من الناحية الجوية، وذلك لامتلاكه عددًا أكبر من الطائرات المقاتلة الجاهزة، ولكونه الطرف الوحيد الذي يملك طائراتٍ مسلحة بدون طيار. وألحقت هجماته بالطائرات دون طيار دمارًا شديدًا بمعدات قوات حكومة الوفاق الوطني، أكثر مما أثبتت فعاليتها في قتل المقاتلين في صفوفها.

وفقدت قوات حكومة الوفاق الوطني أيضًا اثنتين من أفضل طائراتها المقاتلة (كلتاهما من نوع ميراج، وتنطلقان من مصراتة)، إلى جانب القبض على واحدٍ من الطيارين في السابع من مايو الجاري. وقد منحت اللقطات المُسجلة للواقعة دليلًا دامغًا للجيش الوطني الليبي على مزاعمه بأنَّ حكومة الوفاق الوطني تستعين بطيارين مرتزقة؛ إذ كان الأسير رجلًا أبيض عرَّف نفسه بكونه مواطنًا برتغاليًّا.

أما حكومة الوفاق الوطني فبدورها تتهم الجيش الوطني الليبي بالاعتماد على الدعم الخارجي لتجهيز طائراته، وتشغيل الطائرات دون طيار.

ويشير تقرير المنظمة إلى أنَّه على الرغم من الانتكاسات الأولية، وتضاؤل القدرات الجوية، تبدو قوات حكومة الوفاق الوطني على اقتناعٍ بقدرتها على تحقيق النصر، معتمدةً على المعدات الجديدة التي يُقال إنَّها تصل من تركيا.

وعلى ما يبدو فقد بدأت قوات حكومة الوفاق الوطني في تنفيذ هجماتٍ ليلية منذ مطلع مايو الجاري، بالإضافة إلى حصولها على طائرات استطلاع بدون طيار.

وبحسب ما جاء في التقرير، يبدو أنَّ حقيقة عدم تنفيذ الجيش الوطني الليبي أي ضرباتٍ جوية دقيقة منذ 14 مايو، هي دليلٌ على الفارق الذي أحدثه حصول حكومة الوفاق الوطني على أسلحةٍ ذات تقنياتٍ حديثة. إذ تباهت مصادر في طرابلس، في منتصف مايو، بوجود «مفاجآتٍ طيبة»، مُلمحةً إلى وصول معدات عسكرية جديدة. وفي 19 مايو، أُفرغت شحنة مكونة من عشرات المركبات المدرعة في ميناء طرابلس، لكن من غير المعلوم ما إذا كانت تلك الشحنة، أو شحناتٍ غيرها وصلت دون الكشف عنها، تحتوي على معداتٍ متعلقة بالحرب الجوية.

ويحذر بعض الخبراء العسكريين الغربيين من اعتبار فشل الجيش الوطني الليبي في التقدم انتكاسةً، قائلين إنَّ حفتر يسعى إلى تنفيذ «استراتيجية استنزاف» متعمدة تهدف إلى استدراج العدو، وهو ما يزعمه عددٌ من المتعاطفين مع الجيش الوطني الليبي أيضًا.

لكن في الوقت الراهن، يبدو الطرفان متكافئين تقريبًا من ناحية القوة القتالية والترسانة العسكرية.

تبع

____________

مواد ذات علاقة