بقلم د. ياسر عبد التواب

عملية التأثير في الرأي العام؛ هي عملية تبادلية تحتاج إلى استيعاب مناسب لعناصر أساسية.

الجزء الأول

تشكل البنية الأساسية لعملية التأثير بين من يرغب في التأثير وظروفه النفسية والفكرية وتوقعاته واختياراته باعتباره عنصرا من عناصر التأثير ويتبع ذلك قدرته على صياغة رسائل مقبولة ومستوعبة وواضحة للمجتمع وبين المجتمع نفسه؛ بما فيه من تموجات واختلاف تنشئة وقيم، سواء بالنسبة لعرقياته وتجمعاته الداخلية وكذلك الثقافات المتداولة المتنوعة أصيلة أو واردة.

ورغم أن عملية التأثير تتمثل في عناصر متعددة بعضها أولي وبعضها ثانوي؛ وكذلك بعضها راسخ ثابت وبعضها متغير وارد؛ فإن نتاج عملية التأثير إن استوفت عناصرها سيكون لها أثرا ما. وبنسب ما. يمكن توقعها وحسابها إن تمت عملية التأثير بشكل صحيح.

ونشير هنا إلى أن هناك العديد من العوامل التي تتداخل في تكوين رأي الأفراد ومن ثم تنمو في أفراد المجتمع لتتداول ويتم دعمها لتصل في النهاية لتكون الرأي العام في قضية ما إما بشكل تلقائي أو بشكل متعمد مبني على الحقائق والتوعية أو مؤسسا على الإشاعات أو الخداع وفقا لما هو معروف في طرق تشكيل الرأي العام.

فالعملية إذن تبدأ من الفرد لتنتشر بعد ذلك لتكون رأيا عاما بين فئات المجتمع المستهدف، فالفرد عندما يبني رأيا فإن جزءا قليلا منه يعود إلى انطباعه الخاص، وأما الجزء الأكبر من آرائه فهو من ثمرة الامتزاج والتأثير ورد الفعل المتبادلين مع عوامل أخرى كثيرة. وليس عنصر الاقتناع الشخصي المجرد المبني على التفكير الفردي منها إلا عنصرا واحدا، فهناك عوامل دائمة، وعوامل مؤقتة تؤثر في تكوين الفرد لآرائه.

ويدخل ضمن العوامل الدائمة الأفكار التي تميز التراث الثقافي الشعبي، وهناك أيضا العرف والديانة، والموقع الجغرافي، والمكانة الاقتصادية، والمستوى التعليمي.

وهنا نقول؛ إن من يتعمد التأثير في الرأي العام فعليه أن يستفيد من تلك العوامل المختلفة ليوظفها في قضيته التي يعمل عليها مثل الموروث الثقافي المتعلق بتقدير كبار السن أو مساعدة الضعيف أو تقدير المرأة واحترام خصوصيتها أو العداء لأعداء الوطن أو أية قيم اقتصادية مستقرة… الخ؛ مع كافة الاستدلالات عليه من الثقافة المستقرة أو النصوص الدينية فيوظف ذلك الاستدعاء ويؤيده ليخدم قضيته الحالية.

أما العوامل المؤقتة التي تؤثر في مواقف الأفراد فمن بينها:

  • تأثير الأحداث، والآراء الجارية.

  • وآراء الأشخاص ذوي النفوذ والسلطة.

  • ووسائل الإعلام، ومدى تداولها ونشرها لهذا الموضوع.

وبناء على هذا فيمكننا أن نقسم العناصر المؤثرة في تشكيل الرأي العام إلى نوعين:

أولا العناصر الخارجة عن الجمهور:

1ـ تأثير قادة الرأي:

أسفرت نتائج البحوث والدراسات ذات الصلة عن أهمية من يسمون عادة قادة الرأي، أي أولئك الأشخاص الذين يكون لهم تأثير شخصي على من حولهم من الناس، وقد يكون لهم تأثير في موضوع واحد كالطبيب المشهور عندما يناقش موضوعا صحيا؛ وقد يكون تأثيرهم في مواضيع عدة كالدعاة والسياسيين والكتاب والمفكرين المرموقين، وفي بعض الأماكن الصغيرة من حيث الحجم يعد مدرس القرية وساعي البريد أو حتى من يملك وسيلة اتصال لا يملكها غيره من قادة الرأي لأنه يساهم في تشكيل الرأي العام باعتداد الجمهور في المكان برأيه.

وقل مثل ذلك الآن على المشاهير من أصحاب صفحات التفاعل الاجتماعي وما يمثلونه من قدرة على التوجيه من خلال تواصلهم مع جمهورهم الخاص، وفي حال تبني التوعية لقضية ما فإنه يجب أن يسعى الدعاة لها إلى التأثير على قادة الرأي الحاليين.

بل ويمكن في هذا الصدد وبحسب حجم القضية صناعة قادة الرأي أيضا؛ بأن يكون لديهم أفكار وتعليقات عاقلة ورصينة وصادرة عن تشاور وبحث على كل المستجدات الواردة على الساحة، والتي تعد بيئة مناسبة لصناعة هؤلاء القادة وخاصة مع تكرار الاستعانة بهم في مواضيع متشابهة.

وهنا يبدأ تشكلهم كقادة رأي لدى الناس ينتظرون مواقفهم ويتتبعون آراءهم ويسترشدون برؤاهم.

وقادة الرأي: قد يكونون رسمين أي يمارسون التأثير من خلال وظائفهم، وتأثيرهم هنا باعتبار ما لديهم من سطوة المناصب وإمكانية انفرادهم بالقرارات أو تجمع المعلومات لديهم، وهؤلاء كثيرا ما يفقدون تأثيرهم عندما يتركون وظائفهم، وقد يكونون غير رسميين وهؤلاء يكتسبون قوتهم من قناعة الناس بهم وبآرائهم.

ويتميز قادة الرأي عن غيرهم بأنهم أكثر حرصا على الأنشطة العامة مثل الإدلاء بالأصوات في الانتخابات – متابعة وسائل الإعلام – الأكثر اتصالا بغيرهم – الأكثر نشاطا في نشر أفكارهم عبر النقاشات.

وبعد التطور التقني والقدرة على التواصل عبر شبكة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ يمكننا النظر بتوسع إلى موضوع قادة الرأي، فقد يكون بعضهم غير معروف بشخصه وباسمه لكنه يكون مؤثرا نظرا لإمكانية اتساع التأثير في الناس وتداول الرأي عبر الشبكة صار كبيرا، ولا ننس أن أحداثا جساما تم تداول الآراء والأخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نقل تصورات قادة الرأي الجدد الذين كسروا احتكار قادة الرأي التقليديين على الحياة الفكرية والعملية.

خذ مثلا على ذلك؛ الشخصيات التي برز دورها في ثورات الربيع العربي؛ مثل من كان يوجه أو يعلق على الأحداث كأساتذة متخصصين وعلماء في مجالات متنوعة وإعلاميين وأفراد برزوا على القنوات الداعمة للحراك، أو من أطلق الشرارة أو ساهم فيها من أصحاب الصفحات ممن لم يعرفوا إلا من خلال تلك القضايا وبروزها.

2ـ الموضوع المتدفق:

ونقصد أن ثمت موضوعا يهم طائفة أو طوائف، وأنه يتم تدفقه في المجتمع بانسيابية عبر الطرق التقليدية كالتجمعات ووسائل الإعلام وغير التقليدية مثل الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة والتطبيقات الهاتفية، ويتدفق الموضوع عبر السبل المختلفة حتى يشتهر.

وهنا يتبنى الدعاة للقضية من المواضيع ويبرزون ما يرونه مثيرا للرأي العام وموافقا لدعوتهم مما هو مطروح على الساحة، فيساهمون في نشره وتداوله واستعراضه بشتى السبل، والعمل على توجيه الرأي باتجاه ما يرونه صوابا مع رد الشبهات عنه وهنا يصنعون رأيا عاما في هذا الموضوع.

3-وجود تحديات:

وهذا يساعد على سرعة انتشار الموضوع، وقد تكون التحديات ممثلة في تنافس بين مرشحين فيا ترى لأيهم سيميل الجمهور، وقد يكون تحديا قيميا سلبيا؛ كأن يتم اكتشاف تداول المخدرات بين طلبة المدارس،  أو إيجابيا؛ كتحدي نشر قيم العمل والإنتاج، أو تحديا اجتماعيا؛ كمشاكل العنوسة والبطالة، وهذه النقطة قد تجعل الرأي العام تجاهها غير متسارع نظرا لأنها قد تمثل مشكلات معروفة ولكنها تحتاج وقتا لمعالجتها، أو قد يكون الموضوع دعما لأفكار أخرى غير السائدة، وكلما بدت الأفكار الجديدة  الممكنة التنفيذ ومهمة في موضوعها  كلما تم تداول الموضوع بشكل أكبر.

4-وجود حلول:

وهذه الحلول المتداولة والتي قد تكون مختلفة تجعل الموضوع يتم تداوله، وتمهد لانتصار حل يجمع عليه الجمهور أو أكثرهم، وبعد التداول يكون لقادة الرأي فيه دور كبير.

5-الارتباط بالزمن:

وقد يساهم الارتباط بالزمن في سرعة تشكل الحلول المتوقعة للمشكلات؛ لأن الشعور بتأزم المشكلات بمرور الزمن يسهم في سرعة تداول الحلول، وقد يكون هذا العامل سلبيا لأنه يحول دون التروي في ردود الأفعال.

6-النظام السياسي:

يلعب النظام السياسي وطرق تداول المعلومات فيه وفلسفة النظام السياسي دورا بالغ الأهمية في التأثير على الرأي العام، فالمواطن في العصر الحديث يقع تحت الهيمنة الكاملة للأيديولوجية السائدة في النظام السياسي، فإذا كان النظام قائما على الديكتاتورية وحكم الفرد، ترتب على ذلك حرمان طبقات كاملة من التغيير السياسي مما يؤدى إلى سلبية الرأي العام تجاه القضايا الكثيرة التي غالبا يعجز أو يشعر بالعجز تجاه تغييرها، أمّا في الأنظمة القائمة على الشورى وشيوع العدل وقيمة الفرد؛ فإن الرأي العام يكون أكثر فعالية وإيجابية.

وتلجأ الحكومات الناجحة لعدة وسائل للتأثير في الرأي العام، طمعا في الحصول على تأييد الغالبية الشعبية، من تلك الوسائل نشر الثقافة السياسية وزيادة الوعي السياسي لدى الجماهير، فمن المعروف أنه حتى يستطيع الرأي العام المشاركة الإيجابية في العمل السياسي، أن يتكون لدى الجماهير درجة عالية من الثقافة السياسية خاصة في العصر الحديث الذي تعقدت فيه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

7-وسائل الاتصال الجماهيري:

من خلال وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة ما اصطلح تجاوزا على تسميته بالإعلام يمكن التأثير في الرأي العام فهي السبيل الأكبر للوصول إلى الجماهير أينما كانوا وإلى نقل الأفكار وتداولها.

ولا شك أن تعقد الأحداث وتغيرها، وبالتالي تعقد الأحوال السياسية وصعوبة متابعتها يستلزم إمداد المواطن بمعلومات عن السياسة والأحداث، لذلك كان لابد من الاعتماد على قناة اتصال تتسم بالمرونة والسرعة والقدرة على التغلغل في أنحاء الدولة

وتمنح وسائل الإعلام النخب السياسية والفكرية في المجتمع إمكانيات هائلة للتأثير في اتجاهات المواطنين، كما أن الانتشار الحر للمعلومات من خلال وسائل الاتصال تخلق إمكانية كبيرة للتحرك الشعبي على أساس معرفة واسعة ودقيقة بالأحداث السياسية.

فالدور الرئيسي لوسائل الاتصال هو أن تنمي اتفاقا جماعيا في الرأي العام بالمجتمع، فمن خلال التعرض لنفس المعلومة ولنفس التأويلات للأحداث، فإنّ الناس يتعلمون أن يفكروا في نفس الاتجاه. وليس بالضرورة أن يصلوا إلى نفس النتائج على الرغم من أن ذلك وارد.

أيضا من أهم تأثيرات وسائل الإعلام، والتي تنعكس على النظام السياسي ككل، هي التأثير على تصور المواطن للسياسة وشرعية النظام السياسي، والتأثير في اتجاهات الأفراد والذي يمكن أن يغير من التوازن بين القوى أو الشخصيات السياسة في المجتمعات الحرة، وهذا ما يظهر أكثر في فترة الحملات الانتخابية.

ومن هنا وجب على الجهات الراغبة في التأثير والهيئات التي ترعى الأفكار السعي لامتلاك أجهزة إعلامية؛ أو على الأقل للمشاركة فيما هو متاح منها ليضمنوا التواصل والتأثير في الرأي العام.

***

د. ياسر عبد التواب ـ خبير إعلامي مصري، حصل على درجة الدكتوراه في الإعلام حول: “إعداد وتقديم البرامج الحوارية

_____________

المعهد المصري للدراسات

مواد ذات علاقة