بقلم صفوت حسين

بعد مرور شهرين ونصف الشهر على عدوان اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومليشياته على العاصمة الليبية طرابلس، ما زال الوضع يراوح مكانه، بعد فشل محاولات حفتر احتلال المدينة، وحسم الأمر عسكريا، وهو الأمر الذي كان يراهن عليه، مع حلفائه وداعميه من قوى عربية ودولية.

إلا أن صمود القوات التابعة لحكومة الوفاق، وتصديها لكل محاولات حفتر، والتحول من الدفاع إلى الهجوم أفشل مخططاته، وهو الذي اعتمد على عنصر المفاجأة وشراء الولاءات والاتفاقات مع العناصر القبلية والجهوية، الأمر الذي مكّنه من النجاح في بداية العدوان من التقدم واحتلال مناطق قريبة من العاصمة، إلا أن تصدّي الثوار، خصوصا في الزاوية، في بداية العدوان له، قضى على طموحاته في دخول طرابلس خلال 48 ساعة، كما ادعى.

وعلى الرغم من فشل الخيار العسكري، ومن أن ما حققه حفتر من قبل في بنغازي ودرنة والجنوب من الصعب تحقيقه في طرابلس، إلا أن استمرار الوضع على ما هو عليه من كرّ وفر بين مليشياته وقوات حكومة الوفاق، وإن لم تتحقق طموحات حفتر، يصب في مصلحته، ويقوّي مركزه، بعدما اكتسب أرضا جديدة، وبعدما أصبح القتال يدور حول طوق العاصمة.

ولهذا، فإن الدعوات الصادرة من المنظمات والدول الداعمة لحفتر، أو حتى غير الداعمة له المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي من دون المطالبة بانسحابه من حيث أتى، تصب، في النهاية، في مصلحة حفتر، لأن وقف إطلاق النار يعني بقاء الأرض التي اكتسبها تحت سيطرته، والاستعداد لجولة عسكرية جديدة، ويقوي مركزه التفاوضي في أي مفاوضات مقبلة.

وهذا خيار لن تقبل به حكومة الوفاق، أو القوات التابعة لها التي لا يوجد أمامها خيار سوى محاولة تغيير المعادلة على الأرض، ومحاولة إلحاق الهزيمة بحفتر، وإجباره على التراجع عن المناطق التي اكتسبها في بداية العدوان.

وأيا كان الخيار العسكري مع استبعاد احتلال طرابلس، استمر الوضع على ما هو عليه، أو تم وقف إطلاق النار، أو نجحت قوات الوفاق في استعادة الأراضي التي خسرتها في بداية العدوان، فإن الحل الأساسي للأزمة الليبية يتمثل في الحل السياسي.

ولكن هذا الخيار بعيد المنال، بعد مغامرة حفتر وقصف أحياء سكنية في العاصمة، نتيجة طموحات حفتر الطامح إلى ديكتاتورية عسكرية جديدة في ليبيا، والذي يدرك جيدا أن طريقه إلى حكمها لن يمرّ عبر صناديق الانتخابات، في عملية سلمية تقوم على دستور وانتخابات.

وعلى الجانب الآخر، فرص تقبُّل الطرف الآخر لحفتر شريكا في التفاوض أصبحت صعبة بعد عدوانه على طرابلس، وهو ما صرحت به حكومة الوفاق.

ولعل ما أعلنه رئيس هذه الحكومة، فايز السراج، أنه أخطأ بثقته بحفتر واضح الدلالة على هذا الأمر، خصوصا في ظل المفاوضات واللقاءات المتعدّدة بين السراج وحفتر في القاهرة وباريس وأبوظبي، والتي لم تحقق أي نتائج، بل إن سياسة السراج المتخاذلة، على الرغم من طموحات حفتر الواضحة، هي التي مكّنت حفتر من فرض نفوذه على مناطق واسعة من ليبيا.

وعلى الصعيد العربي، يتلقى حفتر دعما غير محدود من حكومات الإمارات ومصر والسعودية الذين يدعمونه بقوة النظم المستبدة، ويقفون ضد ثورات الربيع العربي، وإن كان الدعم الأقوى والأبرز ماليا وعسكريا من الإمارات ومصر.

ويتلقى حفتر دعما دوليا، خصوصا من فرنسا التي تساعده عسكريا، حفاظا على مصالحها، وطمعا في النفط الليبي، وكذلك روسيا.

كما أن الولايات المتحدة دخلت على خط منافسة النفوذ والمصالح الفرنسية في ليبيا، فضلا عن خشيتها من نفوذ الإسلاميين.

وتشتعل المنافسة بين إيطاليا وفرنسا على النفوذ والمصالح في ليبيا. ولهذا، لا تدعم إيطاليا حفتر بشكل علني، وتأتي مواقفها العلنية في اتجاه دعم حكومة الوفاق، المعترف بشرعيتها من الجميع، بمن فيهم من يمولون حفتر.

ويبقى الدعم الأبرز والعملي لحكومة الوفاق من تركيا التي أعلن رئيسها أردوغان وقوفها بقوة إلى جانب هذه الحكومة، وأرفقت ذلك بمساعدات عسكرية، جرى الإعلان عنها في ليبيا.

وتقف دول الجوار في شمال أفريقيا مع حكومة الوفاق دبلوماسيا، لأن العمل العسكري يهدد أمنها القومي.

وعلى الرغم من إدراك الجميع أن الخيار العسكري لن يحسم الأمر في ليبيا، حتى لو تمكّن حفتر من دخول طرابلس، وهذا مستبعد، وأن لا مجال لحل الأزمة الليبية إلا بالتفاوض، وعبر تسوية تجمع الفرقاء في ليبيا، إلا أن الصراع على المصالح والنفوذ بين الدول الكبرى يعيق أي عملية سياسية.

وقد عجز مجلس الأمن نتيجة لذلك عن إصدار قرارٍ يسمي الطرف الذي بادر بالعدوان قبل عشرة أيام من انعقاد الملتقى الوطني الجامع برعاية الأمم المتحدة. ولهذا يبدو الحل السياسي بعيدا، وفي الغالب، ستظل الأزمة تراوح مكانها.

***

صفوت حسين ـ أكاديمي مصري

__________

مواد ذات علاقة