بقلم علي أبوزيد

برغم أن جُلّ تصريحات المجتمع الدولي والدول المعنية بليبيا منذ الهجوم على العاصمة طرابلس أكّدت على حتمية الحل السياسي للأزمة، فإنها لم تُتْبع ذلك بأية خطوات جدّية في اتجاه الحل السياسي.

بل كان الانقسام هو سيد الموقف الدولي، الذي أدّى إلى عجز مجلس الأمن عن إصدار حتى بيان أو إيجاز صحفي يدين فيه صراحة هجوم حفتر وميليشياته على العاصمة طرابلس.

هذا الانقسام نفسُه هو الذي جعل المبعوث الأممي يرى مجهوداته في العملية السياسية تُنسف دون أن يستطيع حتى إدانة صراحة من دمرها وقضى عليها، بل يكتفي بالحِياد الذي جعل الثقة فيه تهتز من قبل الأطراف التي دعمته على طول الخط وقدم الكثير من التنازلات التي بات جلياً وواضحاً أنها لا تعني شيئاً عند قائد ميليشيات الكرامة خليفة حفتر الذي لا يقبل أن يشاركه أحد في السلطة ولو كلفه ذلك دمار كل ليبيا.

وبعد مضي أكثر من شهرين ونصف يطرح رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج مبادرة للحل السياسي، تقوم على:

ـ عقد ملتقى ليبي قبل نهاية 2019 تنبثق عنه ترتيبات لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية متزامنة،

ـ وهيئة مصالحة تُفعّل قانونيْ العدالة الانتقالية والعفو العام وتستثني من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (في إشارة إلى استبعاد حفتر)،

مؤكداً على الحق الأصيل لقوات الوفاق في دحر عدوان حفتر صدّه وأنه سيستمر بصفته القائد الأعلى لقوات الجيش الليبي في قيادة هذه المعركة،

داعياً في الوقت نفسه عقلاء المنطقة الشرقية إلى الخروج من حالة الصمت والانضمام إلى ركب الوطن.

يتساءل كثيرون عن جدوى هذه المبادرة وإمكانية نجاحها في ظلّ استمرار القتال ومدى تأثيرها على صمود الجبهة ووحدة الصف الداخلي.

ويمكن القول إن هذه المبادرة جاءت في توقيت مهم كثُر فيه الحديث على الصعيد الدولي عن ضرورة العودة للعملية السياسية في ظلّ رسوخ قناعة دولية بفشل ميليشيات حفتر في الحسم العسكري.

إلا أن المجتمع الدولي المنقسم يصرّ على ربط تفعيل العملية السياسية بوقف إطلاق نار غير مشروط من منطلق التسوية المجحِفة بين المعتدِي والمُعتدَى عليه.

فجاءت هذه المبادرة لتفتح المجال أمام العملية السياسية مع التأكيد على حق جيش الوفاق في الدفاع عن العاصمة وصدّ عدوان مليشيات حفتر، وهذا كفيل بإفشال محاولات وقف إطلاق النار التي تسعى الدول الداعمة لحفتر وعلى رأسها فرنسا ومن ورائها مصر والسعودية والإمارات إلى إبقاء حفتر من خلالها في المشهد وحفاظه على مواقعه في غرب ليبيا بعد فشله في اقتحام طرابلس.

على الصعيد الداخلي تمثل هذه المبادرة أرضية مشتركة لعمل القوى السياسية (بخاصة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب المنعقد في طرابلس)، وذلك من خلال تطويرها وتفعيلها، وأعتقد أن السراج ومجلسَه مطالب بفتح أبواب الحوار والانفتاح على مختلف القوى السياسية والمدنية لإعطاء هذه المبادرة أكبر قدر ممكن من الزخم والمساندة، خاصة أنها احتوت على كثير من العموميات تحتاج إلى مناقشة تفاصيلها مما يزيد فرص التوافق حولها، وهذا الأمر من شأنه أن يزيد من تماسك الجبهة الداخلية والتفافها حول المجلس الرئاسي.

هذه المبادرة التي بدأ الترحيب الدولي بها يتتابع ستزيد من حالة العزلة السياسية التي أصبحت تخنق معسكر الكرامة، وستحرج داعميه الإقليميين الذين صارت حجج دعم مكافحة الإرهاب لا تسعفهم في ظل الانكشاف الواضح لسوآت ميليشيات الكرامة وتزايد جرائمه التي ترصدها المنظمات الدولية.

ولعل تصريحات عقيلة صالح الأخيرة تعكس حالة الإفلاس السياسي التي يعانيها بعد انتقال كثير من النواب إلى طرابلس وعقد جلساتهم هناك، حيث لا زال الرجل يدندن حول عدم مشروعية اتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي، وهو ما يجعل من خطابه غير صالح حتى للنقاش.

لا يمكن القول إن مبادرة السراج مثالية وسهلة التطبيق ولها فرص نجاح كبيرة.

ولكن هي بلا شك مبادرة أُحسِن اختيار توقيتها، وأثبتت اتزان الخطاب السياسي للمجلس الرئاسي وقدرته على التعاطي مع الأزمة بمرونة مع الحفاظ على الثوابت التي أكد عليها منذ أول يوم للعدوان وهي عدم القبول بحفتر على طاولة المفاوضات والتسوية والتمسك بحق دحر عدوانه، مع توفيرها فرصة للعمل الوطني المشترك الذي سيساهم في تماسك الجبهة الداخلية.

***

علي إبوزيد ـ كاتب ليبي

__________

مواد ذات علاقة