بقلم علي عبد اللطيف

هذا التقرير كُتب قبيل هزيمة قوات حفتر في غريان ونُشر في اليوم التالي بعد سيطرة قوات الوفاق على كامل غريان، ولذلك ينبغي قراءة هذا التقرير أخذا في الإعتبار التطور السلبي الكبير على مشروع حفتر الذي فرضته معركة غريان وهروب قادة ميليشيات حفتر من أرض المعركة تاركين وراءهم الجنود وأبناء القبائل والمرتزقة التشادية والسودانية والمصرية.

الجزء الأول

لو كُتب يوما أن يقع كشف كل ملابسات وتاريخ اللواء المتقاعد والأسير السابق “خليفة بلقاسم حفتر” سواء التاريخ السياسي والعسكري أو حتى الشخصي، بل  لو سُمح عمليا لكل من عرفُوه بأن يتكلمُوا ويفصحُوا عما علموا عنه (سلبا وإيجابا)،

فإن الباحثين والدارسين للتاريخ بل والمتابعين سيكتشفون هولا من المفاجآت وأسرارا من المتناقضات لا في مسيرة الرجل العسكرية والسياسية فحسب بل كوما من المعطيات في السياسات العربية والدولية والتي وجد حفتر نفسه ضمنها دافعا ومُسيرا ورقما من الأرقام في خضمها منذ كان عسكريا شابا في نهاية الستينات.

وبعد فشل هجومه على طرابلس منذ بداية أفريل الماضي وترنح قواته في القدرة على التقدم والفشل في أنجاز أي مكتسبات عسكرية، وفي ظل وضعه الحالي صحيا وسياسيا وعسكريا وقبليا وإقليميا ودوليا (أجندات الاستخبارات الدولية المختلفة وتغيرها في هذا الاتجاه أو ذلك)،

فان السؤال حول مستقبل حفتر أصبح مطروحا بل وحاضرا في الأجندات الراهنة ومحددا ضمن مسارات الأحداث من حيث التخطيط وان بدت معالمه واضحة ومؤكدة للبعض (تصريحات السراج وفتحي بشاغا منذ نهاية ابريل الماضي بأنه لم يعد طرفا في الحل)، وحتى داخل أروقة حلفائه الإقليميين والدوليين وخاصة بعد إلغاء زيارته لواشنطن التي كانت مبرمجة ليوم 18 يونيو وأيضا وجود بدلاء له ضمن أجندات الفرنسيين والمصريين والسعوديين.

ومن الموضوعية أن نؤكد على ثابتين رئيسيين يتعلقان بمستقبله :

أولا: أن حفتر مشروع وليس شخص، ولكن غيابه سيربك المشروع وسيضعفه ويحوله إلى ثانوي ضمن ما يخطط للمنطقة وقد يربك مسارات بسط أنظمة عسكرية في منطقة شمال افريقية ( خطة متبناة سعوديا مصريا وإماراتيا وفرنسيا وإسرائيليا)

ثانيا: رغم أن نسبة خروج حفتر من مسرح الأحداث بغض النظر عن الشكل والآلية، هي راهنا أكثر من بقائه رقما أوليا ومهما، فان كل السيناريوهات لا زالت قائمة بغض النظر عن النسب من سيناريو إلى آخر.

فما هو مستقبل الرجل السياسي والعسكري وما هي مختلف السيناريوهات في أفق نهاية شهر يوليو القادم؟

1- مردّ طرح السؤال الخاص بالمرض مجددا

نشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كما هو معلوم صورة لرئيس بعثتها غسان سلامة واللواء المتقاعد خليفة حفتر، خلال لقاء لهما يوم السبت يونيو2019 في منطقة الرجمة (غربي مدنية بنغازي)، حيث يتخذ منها حفتر مقرا لقيادة عملياته العسكرية في شتى ربوع البلاد منذ نهاية 2014.

وتظهر الصورة التي التقطتها كاميرا المكتب الإعلامي للبعثة الأممية، وجه اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقد توزعت عليه آثار المرض، وهو موضوع نال نصيبا من مساحة اهتمامات الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناولها النشطاء بتعليقات مختلفة ( ومعلوم أن أولئك النشطاء تناولوا سابقا صورة لحفتر في منتصف أبريل الماضي وهو يكاد يبكي أو متحسر بعد لقائه مع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونقل يومها أن هذا الأخير أنّب حفتر كثيرا في عدد من مواضيع النقاش بينهما في تلك الفترة…)

وكان حفتر قد أصيب في إبريل من العام 2018، بجلطة دماغية نُقل على إثرها إلى مستشفى في باريس بفرنسا لمعالجته بشكل سري، وترددت شائعات كثيرة حول نبأ وفاته، قبل أن يُصرّح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بأنه أجرى اتصالا مع حفتر استغرق عشرة دقائق، وناقش معه الأوضاع السياسية بالبلاد.

2- وضع حفتر الصحي، مُعطيات أساسية

أ بداية خليفة بلقاسم حفتر هو من مواليد سنة 1942 أي أن سنه هو 77 سنة تحديدا وهو أسير سابق في “تشاد”، وهو عسكري متقاعد وقد عاش في الولايات المتحدة الأمريكية وفي ولاية فرجينيا تحديدا بل أن البعض يؤكد أنه أقام على بعد مئات الأمتار من مقر المخابرات الأمريكية ، بل نُقل عن مقربين منه وعرفوه أنه لم يترك أي “مرقص/ملهى” ليلي في “فرجينيا”، إلا وارتاده وأنه ما ترك ليلة من لياليه إلا واحتسى فيها الكحوليات بشكل يحيله كل مساء الى شخص مثمول، وأنه خالط أقذر السكيرين والبغايا وهو ما يعني أن عمره الحقيقي وكأنه يفوق منتصف الثمانيات وليس أقل منها بثلاث سنوات وهو عمره الرسمي والحقيقي.

بيؤكد أحد الثقاة الذين التقوا حفتر منذ ثلاث أشهر تحديدا، أن الرجل لم يعد قادرا على التركيز وخاصة لمدة طويلة أو عندما يتشعب الموضوع فيرتبك ويطالب بإعادة الحديث أو يطالب بتغيير الموضوع.

3- مسيرة حفتر الشخصية ومستقبله السياسي ونقاط الاستفهام

كان حفتر شابا قوميا عربيا ليصبح بعثيُ الانتماء في بداية الثمانينات (وهو الذي أعجب بصدام حسين حتى أنه سمى ابنه باسمه)، وهو نفسه من قاد أحد الكتائب الليبية في حرب أكتوبر 1973 (بقي في القاهرة يومها ولم يحارب كما يروج لذلك هو والإعلام المصري)، بعد أن شارك في حركة الضباط الوحدوين الأحرار التي أطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي.

وهو أيضا أحد قادة حرب تشاد في منتصف الثمانينات ليأسر لاحقا (ثم ينقل إلى واشنطن بعد سقوط نظام حسين حبري) ويعيش عقدين كاملين في ولاية فرجينيا الأمريكية رغم أن البعض يتهمه بأنه عاشها في حضن الإدارة الأمريكية وأجهزتها المخابراتية على اعتبار أنه سكن على بعد مئات الأمتار قريبا من المقر المركزي لـ”سي أي أي”.

وبغض النظر عن مُلابسات وحقبات تاريخه الشخصي والسياسي، فقد بيَن غيابه الظرفي في ابريل 2018 ثم شحوبه وقلة مناسبات ظهوره رغم أهمية المرحلة الراهنة بالنسبة إليه في علاقة بوضعه الصحي يومها وبخطة تمويهية لإضفاء “رتوشات” في تكتيكات إقليمية لمسار الأحداث في ليبيا، أنه مثار جدل كبير لا في ليبيا وحدها بل في عدد من الدول الإقليمية.

وعندما كانت التطورات تجري في طرابلس خلال الأسابيع الماضية كانت ظلاله موجودة فيها رغم أنه كان يتنقل بين القاهرة ومقره الحالي في الشرق الليبي مشتغلا كل الوقت على إجراء تعديلات في خطته البديلة أي ما سماه مُساعديه بـــ”خطة الالتفاف على العاصمة طرابلس” منذ نهاية 2018 رغم أن التحرك بدأ ميدانيا في بداية أبريل 2019،

والتي طالما أكدت بعض وسائل إعلام عربية طوال السنوات الماضية وضمن مسار خدمته وخدمة حلفائه، “بأنه سيدخلها”، بينما هو على يقين أنه لن يدخلها ويسيطر عليها عسكريا مادام في تونس ديمقراطية ومادام النظام الجزائري قائما (وهو ما جعله يتحرك مع بداية الحراك الشعبي الجزائري)، ورغم أن البعض نصح العسكري المتقاعد أنه لن يدخلها لأسباب تاريخية وإرث ثقافي واجتماعي ليبي معروف.

وهو ما يبرر حسب رأينا طرح أسئلة من قبل، أي مستقبل للواء المتقاعد خليفة حفتر؟، وما هي ترتبات التطورات الأخيرة على موقعه السياسي خاصة في ظل ميل للمجتمع الدولي أن يكون مجرد شريك بشروط الآخرين لا بشروطه؟ وما هي مختلف سيناريوهات ذلك المستقبل في بعديه السياسي والعسكري؟

***

علي عبد اللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية

_____________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة