دبلوماسيون تحدثوا عن احياء اتفاق الصخيرات وتعديله

بقلم علي عبداللطيف 

منذ أشهر قال مقربون من ضباط للأمن الخارجي الليبي مقيمين في مصر وتونس أن أطرافا دبلوماسية وأصدقاء لهم أن المغرب ستستلم من جديد إدارة الملف الليبي بهدف إحياء اتفاق الصخيرات وتعديله وتحيين بعض تفاصيله.

وخلال الأسبوع الماضي تبين في الكواليس أن المغرب قد دخل على خط الأزمة الليبية لضخ دماء في العملية السياسية المتجمدة، وتجنب التصعيد العسكري الذي لم يفض إلى الآن إلى تغيير التوازنات على الأرض، فضلا عن فتح أبواب البلاد للتدخلات الخارجية، فما هي تفاصيل عودة الملف الليبي للرباط؟

المغرب وإدارة الملف الليبي: معطيات وحقائق ومسلمات

عمليا ربطت مصادر مصرية مطّلعة زيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة إلى القاهرة، الاثنين 01-07-2019، بمساع الرباط لتحريك العملية السياسية في ليبيا، خاصة أن المغرب سبق أن احتضن اتفاق الصخيرات التاريخي، والذي يحتاج واقعيا إلى تطوير ليستجيب إلى تطورات الملف الليبي.

وكان بوريطة قد سلم عبدالفتاح السيسي رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال مباحثات أجراها مع سامح شكري وزير خارجية مصر، وأشار بيان للخارجية المصرية صدر في ختام الزيارة، إلى أن اللقاء تناول الدفع بالحلول السياسية التي من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة وسيادة الدول العربية، واستمرار التشاور خلال الفترة المقبلة.

تراهن الرباط في مبادرتها لإحياء العملية السياسية على إشراك مصر بوصفها طرفا فاعلا وعارفا بتفاصيل الملف الليبي، ولديه قنوات اتصال مع مختلف الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، وتحظى بثقة واسعة بينهم.

وأرجعت مصادر مغربية عدم التوقف عند الملف الليبي في البيان الرسمي، إلى ما يمكن وصفه “بالحاجة لتهيئة كبيرة للأجواء السياسية، في ظل فشل المبادرات التي أطلقت من دول كبرى، وتنصل بعض الأطراف من التجاوب معها، وأكدت المصادر أن هناك تفكيرا مبدئيا في جرعة سياسية لتحاشي العيوب التي لحقت باتفاق الصخيرات منذ توقيعه في ديسمبر 2015، وحالت دون تنفيذه تماما على الأرض، واجتزاء حكومة الوفاق لبنود فيه دون استكمال بنود أخرى حيوية، تتعلق بالترتيبات الأمنية والعملية الدستورية، ناهيك عن انتهاء مفعوله السياسي دون تمديده بصورة قانونية”.

يتفق كل المتابعين أن الانسداد الحاصل في الأزمة ستكون له نتائج اقتصادية وأمنية خطيرة على دول المنطقة، ومن الضروري تحريكه بصورة إيجابية من خلال طرف يحظى بتوافق إقليمي ودولي، وتعدّ المملكة المغربية من أكثر الدول التي تحظى بدعم في هذه القضية ولها علاقات خارجية متوازنة.

وعمليا يحتاج أي مسار سياسي إلى غطاء من قبل البعثة الأممية في ليبيا، التي تحتاج إلى إعادة تقويم لأدائها، خاصة ما انطبع في الأذهان من انحياز سلامة لهذا الطرف أو ذاك فهو في ذهن المقربين من حفتر منحاز لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج، بينما ما هو مترسخ في الجهة الغربية أن سلامة هو ليوني رقم 2 وأنه يدور في فلك الإماراتيين ويرفضون تعمده على إيجاد موقع متقدم لحفتر في الحل السياسي.

لم يعد الخلاف بين فرقاء الأزمة الليبية في حدود خلاف بشأن الانتقال السياسي وتقاسم السلطة، فقد بات صراعا بامتدادات خارجية، وأصبحت هناك قناعات كبرى أن الحرب الدائرة في ليبيا هي تفعيل ميداني على الأرض للصراع الخليجي المحتدم في نسخته الثانية منذ يونيو 2017.

ويمكن التأكيد أو تلخيص بشأن الصراع الدائر اليوم في بلد عمر المختار أنه “صراع بالوكالة بين وكلاء محليين ضيقي الأفق الاستراتيجي ويشتغلون صالح أذرع إقليمية خادمة لصالح قوى دولية تريد نهب ثروات ليبيا الهائلة والنادرة والمرور بيسر للعمق الإفريقي”.

عمليا اصطف حلفاء دوليون وإقليميون مع قوات حفتر لأنه يخدم إستراتيجيتها بما في ذلك أطراف في الإدارة الأمريكية إلى جانب روسيا وفرنسا وتم ذلك بحجة أنها تواجه ميليشيات مسلحة لديها ارتباطات وأجندات خارجية، فضلا عن ضلوع قيادات بارزة فيها في عمليات إرهابية.

هذه حجج واهية ولافتات منمقة من أجل مغالطة الرأي العام الغربي، وعمليا تدفع أنصار حفتر الإقليميون والدوليون إلى أن بقاء المليشيات في العاصمة طرابلس ستكون له تداعيات أمنية خطيرة على دول الجوار، وكذلك على أوروبا والتي تبدي دوما قلقا من تسلل إرهابيين ضمن جحافل اللاجئين.

ولا يخفي رؤساء دول وحكومات أوروبية انتقاداتهم لحكومة الوفاق خاصة بعد فشلها في التعاطي مع موجات الهجرة والفضاعات التي مارستها ميليشيات منضوية داخل حكومة السراج.

أجرت القاهرة حوارات مع دول من الاتحاد الأوروبي، محاولة بذلك التأكيد على وجود مخططات لتركيا في ليبيا، وعبر التلويح أن ذلك يهدد أمن دول جنوب البحر المتوسط، وكل ما سبق دفع بالإدارة الأمريكية لفتح نافذة للتسوية السياسية بالتنسيق مع المغرب ودول أخرى، بسبب أن بقية المبادرات مترنحة بما فيها المشاورات التي أجراها رجل الأعمال المقرب من الإماراتيين المدعو محمد معين منصور الكيخيا. (وهو وجه على المشهد الليبي، والمعروف بعلاقاته المشبوهة)

مصادر أوروبية مطلعة أكدت الأيام الماضية أن المملكة المغربية مواقفها ثابتة وواضحة وأن عودة المغرب لإدارة الملف الليبي مشترطة بضمانات من الأمريكيين والأوربيين والمصريين بعدم خلط الأوراق من جديد بعد أن تسود لغة المفاهمات، وعدم تشويش الأطراف الإقليمية عليهم لا في التواصل مع أطراف الأزمة الليبية ولا التشويش في اتخاذ الصخيرات منطلقا رئيسيا للمشاورات والتفاهمات.

أهم الفاعلين الرئيسيين في صورة الذهاب يعدا في امتلاك المغرب لإدارة الملف الليبي على غرار الناشطة في المجتمع المدني نهاد معيتيق (شقيقة النائب في الرئاسي الحالي أحمد معيتيق) حيث كانت حاضرة في كواليس مشاورات وامضاء اتفقا الصخيرات.

كما أن عودة المغرب لإدارة الملف يعني بشكل آلي عودة عائلة سيف النصر بقوة للفعل السياسي وأيضا دور محوري وأساسي للسيد أسامة محمد عثمان الصيد الذي كان والده رئيس الوزراء في العهد الملكي “محمد عثمان الصيد” لاجئا للمغرب بل وكان صديقا للملك الحسن الثاني ولابد من التأكيد أنه مرشح بارز لحكومة وحدة وطنية مرتقبة.

ملاحظة أخيرة وجب الانتباه اليها وهي أن الرجوع لمرجعية الصخيرات يعني أن السراج وعلى عكس بعض التحاليل التي تؤكد أنه راحل ومنته مثله مثل حفتر فانه سيصبح خيار استراتيجي وليس مجرد رجل مرحلة.
خلاصات رئيسية
المغرب هي من أَدارت الملف الليبي نهاية2014 وبداية 2015، وتمكنت من إبرام اتفاق الصخيرات رغم بعدها الجغرافي عن الأراضي الليبية مقارنة بتونس ومصر والجزائر.

امتلاك المغرب من جديد للملف الليبي جاء مباشرة بعد الخلاف المغربي الإماراتي حول إدارة الشأن الديني للجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، وفشل دول الجوار في التوافق على إداراته والقدرة على السير به نحو عملية سياسية توافقية تنهي الصراع المحتدم منذ صائفة 2014 .

تجسدت بداية تسلم المغرب للملف الليبي مجددا خلال مشاورات وزير الخارجية المغربي للقاهرة بداية الأسبوع الحالي (01-07-2019)، وعمليا من المنتظر اشتراط المغرب أن يتم تقديم ضمانات بعدم التشويش وان يتم تحييد المتدخلين الإقليميين.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية

__________

المصدر: صحيفة 24/24

مواد ذات علاقة