هل «اتسع الخرق على الراتق»؟

بقلم ميرفت عوف

برغم الصورة الذهنية التي يحاول الجنرال الليبي خليفة حفتر رسمها لنفسه، باعتباره رجل ليبيا القوي الذي لا يُشقّ له غبار، إلا أن المتابع الجيد للشأن الليبي يلحظ العديد من الأخطاء التي ارتكبتها قواته في الفترة الأخيرة، والتي كلفته الكثير على الصعيدين المحلي والعالمي. وهو ما تحاول السطور التالية استعراض بعض منها.

حفتر ينتقم من «الوفاق» بقتل المهاجرين

كانت الساعات تمر مثقلة بالخوف والقلق والترقب بالنسبة لنحو 610 مهاجرين غير شرعيين يقطنون بمركز للهجرة في ضاحية تاجوراء بالعاصمة الليبية طرابلس، فمنذ وصول هؤلاء إلى ليبيا التي تعد نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين نحو إيطاليا، وهم في انتظار مصير مجهول.

بيد أن غارتين جويتين استهدفتا هذا المركز في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، الثالث من يوليو (تموز) 2019 تركتاه محترقًا بكل ما فيه، كما تظهر الصور الأولية للضحايا، فالدماء والأشلاء الممزوجة بالأنقاض وممتلكات المهاجرين الفقيرة متناثرة في كل مكان، سقط أكثر من 46 قتيلًا ، وأكثر من 83 جريحًا، ليمثل عدد القتلى من النساء والأطفال واحدة من أكبر الخسائر في أرواح المدنيين منذ اندلاع الصراع في لبيبا عقب ثورة عام 2011.

نفذت تلك الغارات قوات حفتر الذي تعهد إثر خسارته مدينة غريان الاستراتيجية (100 كيلومتر عن طرابلس) بتنفيذ «غارات جوية قوية وحاسمة ضد أهداف محددة»، وبعد وقوع الحادثة أصرت قوات حفتر أن المكان المستهدف هو مقر لكتيبة عسكرية ومخزن للذخائر تابعة لجيش حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وهي تنكر تمامًا أنه مركز لإيواء المهاجرين.

ليضاف هذا الحادث في سجل الأفعال غير المسؤولة لحفتر، فكما قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة: «من الواضح أن هذا الهجوم من الممكن أن يشكل جريمة حرب، لأنه قتل دون سابق إنذار بحق أناس أبرياء أجبرتهم ظروفهم القاسية على أن يكونوا في هذا المأوى، إن سخافة هذه الحرب المستمرة اليوم أدت إلى هذه المذبحة الدموية البغيضة».

التنديد طال كذلك حلفاء حفتر، وعلى رأسهم الإمارات التي أصبحت بعد حادثة مركز الاحتجاز تواجه تهديدًا بحظر الكونجرس مبيعات الأسلحة لها، برغم نفيها أن تكون الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة نقلت إلى حفتر لاستخدامها في هجومه على طرابلس.

حفتر يصعد عداءه ضد المصالح التركية في ليبيا

عقب فقدانه السيطرة على مدينة غريان، مما تسبب في إعاقة جهوده للاستيلاء على طرابلس، صب خليفة حفتر جام غضبه على أنقرة، وتوعدها بالكثير من الإجراءات، ردًا على ما أسماه بـ«غزوًا تركيًا غاشمًا» تتعرض له ليبيا.

وذكر المتحدث باسم قوات حفتر اللواء أحمد المسماري أن «الأوامر صدرت للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب داخل المياه الإقليمية، وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية، سنحظر أي رحلات جوية تجارية من ليبيا إلى تركيا، فضلًا عن أننا سنتعامل مع أي طائرات وافدة من تركيا تحاول الهبوط في طرابلس باعتبارها معادية».

وسرعان ما انتقل تهديد حفتر إلى دائرة الفعل ضد الوجود التركي، إذ دمرت قواته طائرة تركية بدون طيار كانت متوقفة في مطار طرابلس في 30 حزيران (يونيو) 2019، حيث قُصفت الطائرة في غارة جوية على مطار معيتيقة الذي تم إغلاقه ثم أعيد فتحه لاحقًا.

كذلك أقدمت الأجهزة الأمنية الموالية لحفتر بشرقي ليبيا على اعتقال ستة أتراك، وأغلقت المطاعم والمحال التجارية التي تحمل أسماء تركية في مدينة أجدابيا شرق البلاد.

لكن سرعان ما أفرج عن البحارة الأتراك بعد يوم واحد فقط من احتجازهم، أو بالأحرى بعد ساعات قليلة من تهديد تركيا لقواته بأنها ستصبح «هدفًا مشروعًا ما لم يتم إطلاق سراح الرجال على الفور».

طرابلس بلا مياه للشرب بأمر حفتر

في 4 أبريل (نيسان) 2019 بدأ حفتر هجومًا عسكريًا على مقر حكومة الوفاق الوطني التي تحظى باعتراف دولي في طرابلس، وسرعان ما تجرع سكان العاصمة الأمرين جراء هذه المعركة، إذ تعرض عشرات الآلاف للقتل والتهجير وقصف المنازل عشوائيًَا.

كما أن الرجل توجه نحو استخدم وسائل أخرى كسلاح حرب لعقاب سكان العاصمة الليبية، وهي قطع المياه وتعريض 3 ملايين نسمة للعطش، إذ أقدمت قواته على إيقاف خط الأنابيب الرئيسي إلى العاصمة المحاصرة.

في 20 مايو (أيار) 2019 اقتحمت مجموعة مسلحة من قوات حفتر محطة توزيع المياه الرئيسية في طرابلس وهي عبارة عن شبكة أنابيب توفر المياه الجوفية من الصحراء تعرف بمياه النهر الصناعي، ثم أجبر المسلحون موظفي المحطة على إغلاق الأنابيب في المحطة الواقعة على بعد 400 كيلومتر جنوبي طرابلس، وكذلك إغلاق الصمامات التي تزود طرابلس وغيرها من المدن في شمال غرب ليبيا بالمياه، بما في ذلك غريان والزاوية.

وهذه هي المرة الثانية التي تقطع فيها المياه بشكل عمدي عن العاصمة الليبية، إذ سبق أن قطعت إمدادات المياه في عام 2017 من قبل خليفة إحنيش المحسوب على قوات حفتر، وتنقل وكالة «رويترز» عن الباحث في «معهد الشرق الأوسط»، عماد بادي، قوله: «نظرًا لأن إغلاق الصنابير تم في منطقة تخضع لسيطرة مليشيات حفتر، فإن احتمال تواطؤ إحنيش مع ما يسمى «الجيش الوطني الليبي» في تدبير ذلك أمر لا يمكن إغفاله».

وربما تنعكس هذه الحادثة بشكل سيء على حفتر الذي يسعى إلى كسب الرأي العام الدولي والمحلي في صفه.

حفتر يقذف «داعش» نحو تونس والجزائر

في حوار مصور مع قناة «فرانس 24» في يوليو (تموز) 2017، اعترف حفتر أن قواته ألقت القبض على عناصر تونسيين من «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش، ولكن لم يتم اعتقالهم أو تسليمهم إلى الحكومة التونسية، أمر حفتر كما قال قواته بتسريب تلك العناصر إلى تونس عبر الحدود الليبية التونسية.

ويؤكد الباحث في الشأن الأفريقي عباس محمد صالح عباس في حوار سابق مع «ساسة بوست» أن «حفتر ظل يرسل الجهاديين سرًا إلى تونس، ليتم لاحقًا دعوة تونس للتعاون معه والاعتراف به شريكًا، فهو يريد أن يلعب دور المكافح للإرهاب ليس في ليبيا فقط، بل في المنطقة بأسرها».

مضيفًا: «حفتر أراد دفع دول الجوار للانخراط في الشأن الليبي ودعم فريقه ضد فريق رئيس حكومة الوفاق الشرعية فايز السراج، وبالتالي هو يقوم بعمله المعتاد؛ ولا يرى في ذلك تهديدًا لدولة جارة أو سلوكًا غير مقبول دبلوماسيًا أو سياسيًا».

لم يترك حفتر أيضًا جارته الجزائر دون تدخل، فقد كشفت قناة «النهار» المقربة من السلطات في الجزائر أن قوات حفتر قامت بتحرير عناصر من «داعش» من مراكزها القريبة من الحدود الجزائرية الليبية، ثم أجبرتهم على الفرار نحو الأراضي الجزائرية.

وعرضت القناة من خلال شاشتها وموقعها الإلكتروني في الخامس من أبريل (نيسان) 2019 صورًا لحشود عسكرية تابعة لقوات حفتر، وهي تقترب من الحدود الجزائرية لدفع عناصر التنظيم نحو الفرار إلى الجزائر.

***

ميرفت عوف ـ صحفية فلسطينية، حاصلة على ماجستير إعلام

_________

مواد ذات علاقة