بقلم إبراهيم نوار

الأطراف المتحاربة في ليبيا ترفع شعارات كبيرة، مثل إحلال الأمن والسلام، وتحقيق الاستقرار والتنمية والرخاء. لكن ما يراه المواطن الليبي هو غارات الطائرات وقذائف المدافع والدمار ورائحة البارود وأشلاء الضحايا الأبرياء.

الأطراف المحلية المتحاربة، تتصارع من أجل اقتسام ثروات ليبيا وأهمها النفط. والأطراف الخارجية لها أغراض شتى.

تركيا التي فقدت نفوذها في مصر، ثم اضطرت لأن تقتسمه مع روسيا وإيران في سوريا، تقاتل باستماتة، باعتبار ان ليبيا قد تكون الموقع الأخير لنفوذ قوي لها في المنطقة، وقد وجدت في قطر، التي تعرضت لحصار من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، حليفا لها.

مصر تدافع عن أمن حدودها وتعمل على إقامة نظام حليف لها.

السعودية تسعى يائسة إلى استرداد راية القيادة التي فقدتها.

الإمارات وان ظهر دورها كأنه يتطابق مع الدور السعودي، لها في الحقيقة مشروعها الخاص، وما ليبيا إلا حلقة من حلقات هذا المشروع.

المسافة بين أبو ظبي وطرابلس تزيد عن 5000 كم، لكنها جزء من الطريق الواصل بين الإمارات، وبين البوابة الشمالية للقرن الأفريقي الكبير، الممتد من مدخل البحر الأحمر جنوبا إلى شواطئ أفريقيا على البحر المتوسط شمالا.

وقد أدركت الدبلوماسية الإماراتية أهمية هذه المنطقة، منذ اتسع نطاق عمليات القرصنة، قبالة مضيق باب المندب، ومنذ ازدهرت تجارة الأسلحة غير المشروعة، مع وجود الجماعات المتطرفة والميليشيات، والقلاقل السياسية في مناطق الصراع في الصومال واثيوبيا واريتريا وجنوب السودان وكردفان ودارفور وتشاد والنيجر وليبيا، ومع ما ترافق مع ذلك من الفوضى وانتشار عصابات تهريب وتجارة البشر، واتساع نطاق عمليات التنقيب عن الذهب وتهريبه بعيدا عن أعين الحكومات الضعيفة.

المشروع الإماراتي

المشروع الرسمي للإمارات ينطلق من شعار كاذب هو: مكافحة الإرهاب. وقد اجتهدت الإمارات كي تقدم نفسها في ذلك، فشاركت الولايات المتحدة في تحالف الحرب على داعش في سوريا، وقبل ذلك في العراق وأفغانستان والبوسنة، كما تشارك السعودية في الحرب على اليمن.

منطق الإمارات الحقيقي هنا هو أن الحروب تجيء معها بالفرص. ففي الحرب تقل الرقابة أو تنعدم، وتزيد فرص التربح، ويتعاظم تأثير شبكات العلاقات غير الشرعية.

علاقة الإمارات بالتوتر في ليبيا والحرب هناك تعود إلى ما قبل حفتر، فهي من خلال علاقاتها بالجماعات المتطرفة والميليشيات في الصومال والقرن الأفريقي، استطاعت مد نفوذها عبر السودان إلى جنوب ليبيا، وأقامت علاقات مع القبائل والشخصيات التي تدير عصابات التهريب وتجارة السلاح، واستخراج الذهب وبيعه.

وهي تعمل في المنطقة الممتدة من جيبوتي والصومال إلى صحراء جنوب ليبيا مع حلفاء أقوياء، منهم الشخص الذي يتولى الآن منصب نائب رئيس المجلس العسكري في السودان المعروف باسم حميدتي، وهي علاقات قديمة منذ كان ذلك الشخص يقود ميليشيات الجنجويد في دارفور، وكانت تجارة وتهريب البشر والسلاح جزءا من أنشطته هناك.

كما أنها تحتفظ أيضا بعلاقات قوية مع حكام وقيادات في دويلات الصومال، وفي بعض حكومات دول المنطقة، فإغراء المال يغير الضمائر ويعمي العيون.

المشروع الإماراتي في ليبيا ليس مكافحة الإرهاب، وليس تحقيق الاستقرار أو إقامة دولة قوية، فوجود دولة من شأنه أن يعطل المشروع الإماراتي، الذي هو استمرار الحرب، فالحرب تعني تعطيل القانون، وغياب القانون يعني الفوضى، والفوضى تعني انتشار اللاشرعية واتساع نطاق فرص التربح.

وعندما تضع الحرب أوزارها، فإن الظروف ستكون مهيأة لان تسقط الثمرة ناضجة في سلة حكام الإمارات، فيحصلون من ليبيا على ما شاءوا من الامتيازات في عمليات إعادة البناء وإصلاح الخراب الذي شاركوا هم في صنعه.

النفط مقابل السلاح

تلعب الإمارات دورا محوريا في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي. وقد عقدت شركات إماراتية اتفاقات مع سلطة النفط الموازية للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية للحصول على النفط الليبي بأسعار بخسة، تقل في المتوسط بأكثر من 10 دولارات في البرميل الواحد عن الأسعار العالمية، حسب تقدير المؤسسة الوطنية.

هذه الاتفاقات ترافقت مع سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر على بعض حقول وموانئ تصدير النفط في ليبيا منذ عام 2016.

ولأن هذه الاتفاقات انكشف أمرها، فقد صدرت التحذيرات من خطورة ما تقوم به الإمارات.

وتمت اتصالات بين رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وبين رئيس شركة ادنوك الإماراتية للمطالبة بوقف هذه الصفقات.

الحكومة الليبية من ناحيتها أعدت قائمة رسمية بأسماء الشركات والأشخاص المتورطين في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي. القائمة تضم 48 اسما لشركات وشخصيات من الإمارات وغيرها، جميعهم متورطين في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي وهو ما يعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن، التي تنص على أن المؤسسة الوطنية للنفط هي صاحبة الحقوق الحصرية في كل المعاملات المتعلقة بالنفط. ومع ذلك فإن عمليات سرقة النفط الليبي ما تزال مستمرة.

تهريب السلاح

درة التاج التي تزين مكاسب الإمارات من حرب ليبيا تتمثل في تجارة السلاح. ليس فقط مع الميليشيات الليبية، وإنما أيضا مع معظم الأطراف والجماعات والميليشيات المتحاربة في المنطقة الممتدة من القرن الأفريقي إلى غرب أفريقيا وسواحل نيجيريا على المحيط الأطلنطي.

الإمارات لا تقدم السلاح للجنرال حفتر مجانا، ولا لغرض مساعدته على التخلص من خصومه، وإنما هي تحصل على ثمنه أضعافا مضاعفة، عبر تهريب النفط والذهب، وتأمين عمل عصابات تهريب البشر والسلاح.

وتعرف الإمارات عندما تورد السلاح إلى حفتر انها بذلك تنتهك قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا.

كما تعرف أيضا أنها تنتهك العقود التي اشترت بمقتضاها هذه الأسلحة، والتي تنص على حظر توريدها إلى طرف ثالث بدون موافقة المنتج أو البائع الأصلي.

وقد زودت حفتر بأسلحة مصنوعة في الولايات المتحدة، وروسيا والصين وغيرها، تتضمن طائرات مسيرة عن بعد بدون طيار، وصواريخ جو – أرض، وأنظمة دفاع جوي، ومدفعية، وعربات مدرعة، ومدافع ورشاشات سريعة الطلقات، وغيرها، كلها كانت قد اشترتها عن طريق شركات تابعة لها، أو من خلال عقود حكومية مباشرة.

الآن ارتفعت الأصوات داخل الكونغرس الأمريكي، تطالب بتعليق صادرات السلاح إلى الإمارات، والتحقيق في إمداد قوات حفتر بصواريخ (جافلين) الأمريكية المضادة للدبابات التي عثر عليها مقاتلو حكومة الوفاق في مقر قيادة قوات حفتر في مدينة غريان بعد سقوطها.

وكانت الإمارات قد اشترت هذه الصواريخ من الولايات المتحدة في عام 2008.

المدهش أيضا أن الإمارات حصلت من الولايات المتحدة على موافقات استثنائية باستيراد أسلحة من دول معادية لأمريكا مثل كوريا الشمالية، وهو ما يترك بصمات لا تخطئها العين، حول ارتباط الإمارات بالسوق السوداء للسلاح في العالم، وليس في ليبيا فقط.

تهريب الذهب

للإمارات تاريخ لا يخفى في التجارة غير المشروعة بالذهب. ففي أوائل العام الحالي، وجدت فنزويلا التي تخضع لحصار اقتصادي أمريكي شديد، وتعاني من نقص السيولة، أن الحل الوحيد هو تصريف جزء من احتياطيها من الذهب من خلال السوق غير الشرعية. وكان الطريق المفتوح أمامها هو طريق الإمارات.

وتم الاتفاق بين الطرفين على أن تشتري الإمارات نقدا بالعملة الأوروبية (اليورو) 29 طنا من الذهب من فنزويلا. تم تحميل الطائرات بالذهب في فنزويلا، واتجهت إلى الإمارات، ثم عادت بصناديق الأوراق النقدية، لم يعترضها أحد، ولم تخضع الإمارات لأي عقوبات بسبب انتهاكها الحصار الاقتصادي المفروض على فنزويلا.

وتشير تقارير الأمم المتحدة عن التجارة غير المشروعة بالذهب حول العالم، إلى ضلوع الإمارات في سرقة الذهب من أفريقيا. وتدير الإمارات لعبة تهريب الذهب من أفريقيا بطريقة ذكية، تختلط فيها المعاملات الشرعية، بعمليات غير شرعية.

التقارير تؤكد ان الإمارات هي أكبر مستورد للذهب من أفريقيا، وتأتي بعدها الصين.

وقد رصدت الأمم المتحدة فجوات في كميات الذهب المتداولة. على سبيل المثال سجل تقرير عام 2016 وجود فجوة تقدر بنحو 67 طنا من الذهب دخلت إلى الإمارات من بوابات أفريقيا المختلفة بدون سجلات توضح مصدرها الحقيقي وطريقة تسوية مدفوعاتها.

في ليبيا انتشرت أنشطة التنقيب عن الذهب وانتعشت كثيرا في السنوات الأخيرة. هذه الأنشطة تتركز في الشريط الحدودي، الممتد من جبال تبيستي في تشاد إلى جبال العوينات في السودان.

ويتم التنقيب عن الذهب واستخراجه وتنقيته بطرق بدائية بعيدا عن أي سلطة رسمية. لكن السلطات الرسمية، كما نعرف، بارعة في أن تختار الوقت المناسب كي تغمض عينيها، طالما أنها تحصل على نصيبها من الرزق.

ويتولى رجال قبائل وتجار ذهب يتركزون في سبها، جمع كميات الذهب في السوق غير الشرعية، وتوريدها إلى وسطاء يعملون مع الإمارات، ويتم نقل الذهب بالطائرات من قاعدة الجفرة الجوية إلى خارج البلاد.

وتقدر الحكومة الليبية ان كمية تتراوح بين 50 إلى 55 طنا من الذهب الليبي، وجدت طريقها إلى الإمارات في عمليات غير مشروعة.

تجارة البشر

تمثل الإمارات إحدى المحطات الرئيسية لتجارة وتهريب البشر في العالم. وقد زادت مكانتها في سوق تجارة البشر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وانتشار الفوضى في أفريقيا.

وقد رصدت ذلك التقارير الدولية، بما فيها تقارير الأمم المتحدة، وتقارير الحكومة الأمريكية. ولا تخفي الحكومة في أبو ظبي وجود هذا النشاط، لكنها تزعم اتخاذ الإجراءات الضرورية لمكافحته.

ويعترف تقرير وزارة الخارجية الإماراتية لعام 2018 بارتفاع عدد المقبوض عليهم في شبكات الإتجار بالبشر إلى 77 شخصا مقارنة بعدد بلغ 48 شخصا في العام السابق، أي بنسبة زيادة تبلغ 60 في المئة خلال عام واحد فقط. وجاء في التقرير ان من بين الحالات المقبوض عليها 22 حالة للاستغلال الجنسي (الدعارة) و6 حالات لبيع البشر. نعم هكذا في القرن الـ 21 ما يزال البشر سلعة تباع وتشترى.

وتذكر دراسة للكونغرس الأمريكي صدرت هذا العام، أنه على الرغم من أن القانون الإماراتي يحرم الاتجار في البشر، إلا أن الواقع يخالف ذلك. وتعتبر ليبيا واحدا من طرق تجارة البشر باعتبارها البوابة الشمالية للقرن الأفريقي الكبير.

وتدير الإمارات مشروعها التخريبي في ليبيا، مستعينة بكل صنوف الفساد، إلى حد شراء ولاء مبعوث الأمم المتحدة الأسبق إلى ليبيا برناندينو ليون، لإعداد تقارير متحيزة للمشروع الإماراتي وعرضها بقوة على مجلس الأمن، وذلك مقابل وظيفة وبدلات سكن وغيرها براتب يبلغ 50 ألف دولار شهريا.

وتقدم الإمارات للولايات المتحدة خدمات كثيرة، بما في ذلك الإشراف على معتقل حصين أقامته في جزيرة سقطرى اليمنية، يتم فيه احتجاز عدد من معتقلي غوانتانامو السابقين.

ويتردد أن 18 معتقلا انتقلوا إليه خلال نهاية حكم أوباما في الفترة من أغسطس عام 2016 إلى يناير عام 2017. الإمارات شاركت أيضا في تمويل الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وفي تسهيل لقاءات تمت بين وسطاء للرئيس المرشح وبين رجال أعمال ومصرفيين روس.

وقد وردت تفاصيل وقائع هذا الدور بالأسماء في تقرير المحقق روبرت موللر بشأن الدور الروسي في حملة ترامب الانتخابية.

الإمارات في نهاية الأمر لا تعمل في منطقة القرن الأفريقي الكبير بدون تنسيق ضمني أو صريح مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة الأمريكية.

أتجرؤ دولة في المنطقة على التحرك في القرن الأفريقي بدون موافقة إسرائيل ومباركتها؟

_____________

مواد ذات علاقة