تطور خطير في المعارك الجارية بالعاصمة الليبية طرابلس ومحيطها، من شأنه أن يوسع دائرة القتال شرقا، بعد أن أمرت قوات حكومة الوفاق، بوقف حركة الطيران في مطار بني وليد، في إيحاء لإمكانية استهدافه، بعد توارد أخبار عن استعمال قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لمطار المدينة لأغراض عسكرية.

وبني وليد، مدينة استراتيجية في غرب ليبيا، حيث لا تبعد عن العاصمة سوى 180 كلم (جنوب شرق)، أما عن مدينة ترهونة التي تقع في المنتصف بين المدينتين، فتبعد عنها بنحو 90 كلم (جنوب شرق).

والأهمية الاستراتيجية لبني وليد، لا تكمن فقط في موقعها، بل لأنها معقل إحدى أكبر قبائل الغرب الليبي (الورفلة)، الموالية لنظام القذافي السابق، لكنها بعد حصارها ثم اقتحامها من كتائب مدينة مصراتة (140 كلم شمال شرق بني وليد)، في 2012، فضلت البقاء على الحياد.

ومنذ 2012، لم تخض المدينة أي قتال ضد أي طرف، بل طالما لعب أعيانها دورا في المصالحات بين مدن غربي البلاد.

وإداريا تتبع بني وليد، لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، لكن الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق) التابعة لحفتر، شكلت مجلسا تسييريا جديدا، بديلا عن المجلس البلدي المنتخب الموالي لحكومة الوفاق، الأمر الذي رفضه الأخير واعتبره محاولة لـ”زرع الفتنة وتمزيق النسيج الاجتماعي” للمدينة.

عسكريا، قامت “كتيبة العبور”، ببني وليد، بإعلان انشقاقها عن قوات الوفاق والانضمام لقوات حفتر، وتتولى هذه الكتيبة حاليا، تأمين الطريق الرابط بين ترهونة (مركز الإمداد الرئيسي لقوات حفتر في طرابلس بعد سقوط غريان) وبلدة الشويرف، التي تقع وسط خط الإمداد القادم من قاعدة الجفرة الجوية، والتي تتعرض لهجمات قوات المحور الجنوبي لحكومة الوفاق، لقطع طريق الإمداد الرئيسي عن قوات حفتر.

كما انضمت الكتيبة 52، وقوة حماية المطار، وقوة الردع ببني وليد، إلى قوات حفتر، رغم أنها في الأصل تابعة له، وتبعتها لحكومة الوفاق شكلي.

 بعد سقوط غريان.. من يختار حفتر ترهونة أو بني وليد؟

ورغم أن أعيان بني وليد وشيوخها، متمسكون بحيادهم وتبعيتهم الإدارية لحكومة الوفاق، إلا أن المدينة ومنذ هجوم قوات حفتر على طرابلس، في 4 أبريل/ نيسان الماضي، كانوا بمثابة قاعدة إمداد خلفية لترهونة، سواء بالمؤن أو السيولة المالية والوقود وأهم من ذلك استقبال جرحى قوات حفتر.

وبعد سقوط مركز القيادة الرئيسي لقوات حفتر في غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، أصبحت ترهونة، مرشحة لاحتضان مركز القيادة الجديد، خاصة وأنها تمثل البوابة الثانية التي دخلت منها قوات حفتر إلى جنوبي طرابلس.

غير أن حفتر لا يثق كثيرا بقادة اللواء التاسع ترهونة، الذين سبق وأن اتهمهم أنصاره بولائهم لتنظيم القاعدة، ناهيك عن اتهام اللواء التاسع باغتيال العميد مسعود الضاوي، أحد ضباط حفتر من منطقة ورشفانة (غرب) الموالي لنظام القذافي السابق، في مايو/ أيار الماضي.

كما نقلت عدة وسائل إعلام محلية، رفض اللواء التاسع وأعيان ترهونة، لتواجد قوات من شرقي البلاد في مدينتهم، وانسحاب مسلحين من مدينة أجدابيا (شرق) من ترهونة، يعكس رغبة اللواء التاسع في الحصول على استقلالية أكثر عن قوات حفتر، والتعامل معهم على مبدأ الحليف وليس التابع.

وبعد أن تحدثت قيادات في قوات حفتر عن تعرضهم لخيانة في غريان، بعد انتفاضة أهالي المدينة ضدهم، يخشى حفتر، لأن يتعرض لخيانة جديدة من مسلحين في ترهونة، الذين سبقوا وأن قاتلوه ما بين 2014 و2016، خاصة في ظل أخبار تتدوالها مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن مفاوضات بين أعيان ترهونة وقوات الوفاق للتخلي عن حفتر مقابل امتيازات مادية، وعدم تعرض مدينتهم للهجوم بعد انسحاب قوات حفتر.

لذلك قد تعتبر بني الوليد، الخيار الأنسب لحفتر، لجعلها مركز قيادة رئيسي للعمليات العسكرية في طرابلس، خاصة وأنه استطاع استمالة عدد كبير من أنصار القذافي، الذين تعتبر المدينة معقلهم الرئيسي.

لكني بني وليد، التي يقطنها 90 ألف نسمة، لا تنظر بعين الارتياح لحفتر الذي اقتحمها على رأس الثوار في 17 أكتوبر 2011، وكانت آخر المدن الموالية للقذافي سقوطا، كما أنها بعد 2012، وقعت اتفاق مصالحة مع مصراتة، وانضمامها لحفتر يعني خيانة لتعهداتها، لذلك تشهد المدينة انقساما حادا بين أبنائها، بين الانحياز لحفتر أو التشبث بالحياد.

 مطار بني وليد.. عقدة ترهونة

أحد الميزات الرئيسية لبني وليد، امتلاكها مطارا مدنيا، يمكن استخدامه لأغراض عسكرية، خاصة تسيير طائرات دون طيار لقصف العاصمة، ونقل العساكر والإمدادات جوا، وتجنب الطريق البري، القادم من قاعدة الجفرة الجوية (600 كلم جنوب شرق طرابلس) مرورا بالشويرف.

وتمكنت قوات المحور الجنوبي لحكومة الوفاق، من قطع هذا الخط على مستوى الشويرف (360 كلم جنوب بني وليد)، وأسرت العديد من جنود حفتر ومنعت وصول ذخائر إلى محاور القتال جنوبي طرابلس، لكن كتيبة العبور بني وليد (المنشقة) تقول إنها ستتولى تأمين هذا الطريق.

وعلى عكس بني وليد، تفتقد ترهونة لمطار، ولكن أقرب مطار إليها كان مطار طرابلس القديم (خرج عن الخدمة بعد معارك 2014)، ولذلك سعت ترهونة منذ 2012، للسيطرة عليه.

وفي 2016، قررت ترهونة، بإمكانيات خاصة (غير معروف مصدر التمويل)، إنجاز مطار دولي بمختلف مرافقه وملحقاته بما فيها مطار 5 نجوم، وقام رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا فائز السراج، بوضع حجر الأساس له في أبريل 2016، لكنه لم ير النور لحد الآن.

قوات الوفاق تستعد لقصف مطار بني وليد

تواترت الأنباء عن استخدام مطار بني وليد (مدني) في نقل عشرات الجنود والمؤن إلى محاور القتال جنوبي طرابلس، وأيضا فرار عبد السلام الحاسي، قائد غرفة عمليات قوات حفتر في طرابلس، من غريان إلى ترهونة البعيدة بـ100 كلم شمال شرق، ومنها إلى مطار بني وليد، لينتقل جوا نحو مدينة بنغازي (1000 كلم شرق طرابلس).

هذا ما دفع قائد غرفة عمليات “بركان الغضب” اللواء أسامة الجويلي، التابع لحكومة الوفاق، إلى إصدار قرار بإيقاف حركة الطيران بشكل كامل في مطار بني وليد، محذرا الجهات التي تخترق القرار مسؤولية الإجراءات المضادة التي ستتخذها في تلك الحالة.

مما يؤشر إلى إمكانية استهداف قوات الوفاق لمطار بني وليد، لقطع خط الإمداد الجوي عن القوس الشرقي للقتال في طرابلس الممتد من ترهونة إلى مدن النواحي الأربعة (سوق الأحد، سوق الخميس، السبيعة، سوق السبت) ثم مطار طرابلس القديم، وحي قصر بن غشير، وبقية محاور القتال جنوبي طرابلس.

خاصة بعد تمكن قوات الوفاق، من طرد قوات حفتر من القوس الغربي للقتال، الممتد من غريان إلى منطقة الهيرة، ثم منطقة ورشفانة (تضم مدن العزيزية والساعدية والكريمية والزهراء) ومنها إلى حي السواني، جنوبي طرابلس فالمطار القديم.

ومن المتوقع أن تقوم قوات الوفاق، في حالة إحكام أنصار حفتر السيطرة على بني وليد، بقصف مطار المدينة جوا، وتحرك كتائب مصراتة برا لتطويقها خاصة من المحوري الشمالي الشرقي والجنوبي.

لكن قد يتمكن أعيان بني وليد، من تجنيب مدينتهم ويلات الحرب، إذا استطاعوا إقناع المسلحين الموالين لحفتر داخل المدينة، بالعودة إلى الحياد أو الخروج منها، لكن في هذه الحالة قد تدفع قوات حفتر إلى اقتحام المدينة والسيطرة عليها بالكامل لتأمين خط الإمداد الوحيد بعد انهيار خط الإمداد الأول نحو غريان.

____________

وكالة الأناضول

مواد ذات علاقة