هزيمة في الساعات الأولى جنوبي طرابلس

بقلم أسامة علي

رغم الهزيمة التي مُنيت بها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد ساعات من إطلاقها ساعة الصفر المنتظرة منذ أيام، جنوبي العاصمة طرابلس، إلا أنّ تصريحات قادة قواته لا تزال تحمل آمالاً بإمكانية تحقيق نصر.

ووصف قادة قوات الجيش الليبي، بقيادة حكومة الوفاق، الهجوم الذي شنّته قوات حفتر أمس الاثنين، بـالمحاولة اليائسة الفاشلة، مؤكدين تلقيها هزيمة كبيرة.

وفيما أكد آمر الغرفة الرئيسة لقيادة عملية بركان الغضب التابعة للجيش الليبي، اللواء أحمد بوشحمة، محاولة قوات حفتر اختراق دفاعات قواتنا، إلا أنه أكد أنّ نتائجها كانت عكسية.

وقال بوشحمة في تصريح لقناة ليبيا الأحرارإنّ قواتنا تقدمت في محاور عدة، أهمها محور وادي الربيع وعين زاره، مشيراً إلى فشل الحملة بسبب الخلافات الكبيرة بين قوات حفتر، خصوصاً القادمة من الشرق والموجودة في ترهونة.

وبعد ساعتين من إعلان اللواء 73 مشاة التابع لحفتر بدء تقدمه في عدة محاور، اكتفت شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر بتعليق مقتضب قالت فيه إنّ قواتكم تحافظ على مواقعها والدعاء لأبنائكم من القوات المسلحة، في اعتراف ضمني بخسارة للمعركة الجديدة منذ بدايتها.

من جهته، نشر مكتب الإعلام الحربي، التابع للجيش الليبي، تفصيلاً لأوضاع محاور القتال، موضحاً أنه تم صدّ هجومين في محور عين زاره، إضافة إلى صدّ هجوم آخر على محور اليرموك، فيما تقدمت قوات الجيش، في محور وادي الربيع، تحت غطاء جوي، لافتاً إلى سقوط عشرة قتلى في صفوف قوات الجيش بقيادة الحكومة.

وأضاف المكتب أنّ سلاح الجو التابع للحكومة، نفذ 8 غارات على مواقع قوات حفتر، دمّر خلالها دبابة مدفع هاوزرومدرعة تايقرو3 آليات عسكرية عليها سلاح 23 و14.5 ودوشكة، بالاضافة لإبادة تمركز كامل لقوات حفتر.

واشار إلى أنّ سلاح الجو دمر شاحنة كانت تقل إمدادات عسكرية لقوات حفتر قبل وصولها إلى محاور القتال جنوبي طرابلس.

وكانت مصادر عسكرية أكدت لـالعربي الجديد، في وقت سابق، نشوء خلافات كبيرة بين قوات حفتر، ولاسيما القادمة من الشرق وأخرى مؤلفة من عناصر النظام السابق، موجودة في ترهونة المجاورة بطرابلس، ما اضطر كتيبة طارق بن زياد، أبرز كتائب حفتر، إلى مغادرة ترهونة باتجاه منطقة الهلال النفطي.

من جانب آخر، اعتبر العديد من المراقبين الليبيين، لجوء طيار تابع لقوات حفتر إلى الهرب بطائرته إلى الاجواء التونسية، ليضطر إلى الهبوط بالقرب من مدنين التونسية، أمس الإثنين، مؤشراً على تفتت قوات حفتر وإدراكها للهزيمة المقبلة.

وطالبت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق بطرابلس، السلطات التونسية بضرورة التنسيق معها لاتخاذ الإجراءات بشأن الطائرة، وذلك بعد ساعات من اعتراف قيادة قوات حفتر بتبعية الطائرة لها.

ووفق بيان الوزارة الذي صدر منتصف ليل أمس الإثنين، فإنّ القائم بالأعمال بالسفارة الليبية في تونس التقى مسؤولين تونسيين في وزارتي الخارجية والدفاع التونسية بعد هبوط الطائرة وتأكيد ضرورة التنسيق مع حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن الطائرة.

من جهتها، أعلنت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب الموالية لحفتر، صباح اليوم الثلاثاء، أنها تتواصل مع السلطات الليبية من أجل ضمان استرجاع الطائرة وقائدها، معلّلة أسباب هبوطها في الأراضي التونسية بأنها كانت في مهمة استطلاعية دورية، قبل أن تتعرض لخلل فني أدى إلى هبوطها اضطرارياً، في منطقة بن غزيل بمدنين، جنوبي تونس.

وبينما أكد مكتب الإعلام الحربي التابع لقوات الحكومة سقوط 10 قتلى في صفوف قواته، لا تعلن قوات حفتر عن خسائرها البشرية، لكنّ منظمة الصحة العالمية قد كشفت في إحصاء لها، الأسبوع قبل الماضي، عن سقوط 1093 قتيلاً وإصابة 5,762 بجروح، بينهم مدنيون، منذ إطلاق حفتر لهجومه على طرابلس في الرابع من إبريل/نيسان الماضي، فيما تخطى عدد النازحين 100 ألف شخص.

تهاوي قدرة قوات حفتر على القتال وتململ داعميه القبليين

أكدت مصادر عسكرية مطلعة على ترتيبات حملة حفتر الجديدة على طرابلس، أنه اعتمد على مليشيات مسلحة من غربي البلاد، بعد انكسار حملته السابقة في نهاية يونيو/حزيران الماضي، والتي كانت جل قواته فيها قادمة من الشرق.

وبعد أيام من الإعلانات المتتالية لقادة قوات حفتر عن الاستعداد لحملة عسكرية جديدة على طرابلس، أعلنت قيادة قوات حفتر، أمس الاثنين، أنّ ساعة الصفرلهذه العملية حلت مع بدء اشتباكات مسلحة عنيفة في محاور القتال، جنوب طرابلس، من دون أن تحقق أي تقدم على الأرض.

ويقول مراقبون للشأن الليبي إنّ الشكل الجديد لقوات حفتر جاء لأسباب عدة، على رأسها الخلافات الكبيرة بين مكونات قواته والتي كانت عاملاً مباشراً في إضعافها، وسرعة هزيمتها السابقة، مضافاً إليها تململ داعميه القبليين في الشرق والجنوب، وتراجعهم عن تقديم المزيد من الدعم البشري له، بل وفرار مئات المقاتلين.

ويشير المستشار السياسي السابق في المجلس الأعلى للدولة، أشرف الشح، في حديث تلفزيوني، إلى معلومات مؤكدة تفيد بقيام بعض قادة فصائل حفتر ببيع أسلحتهم، والفرار من أرض المعركة، وهي معلومات تتطابق مع تفسير إقدام طيار تابع لحفتر على اللجوء إلى الأراضي التونسية، والهبوط بطائرته في مطار مدنين التونسي، بأنها حالة فرار، ولا سيما أنها كانت مذخّرة، ما يعني أنها كانت في طريقها لميدان القتال قبل أن يُحول الطيار وجهتها إلى تونس.

وفي مؤشر آخر على تهاوي قدرة قوات حفتر على القتال وتأثير قطع خطوط الإمداد عليها، أكد المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب، التابع لجيش حكومة الوفاق، أنّ عدداً من مقاتلي حفتر طلبوا، بعد أسرهم خلال معارك أمس الاثنين، طعاماً، مضيفاً في حديثه لقناة ليبيا الأحرار، أنّ أسرى حفتر أكدوا أنهم لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام“.

ومن بين الإجراءات الجديدة الصادرة عن حفتر، استبدال قائد عملياته العسكرية في طرابلس اللواء عبد السلام الحاسي، باللواء المبروك الغزوي، المتحدر من قبيلة ورشفانة، إحدى مكونات قوات حفتر الحالية، والموالية للنظام السابق.

ويشير تعيين الغزوي، بحسب مصادر عسكرية في تصريحات سابقة لـالعربي الجديد، إلى أنه جاء ترضية لأنصار النظام السابق الذين يبدو أنهم رفضوا إمرة شخصيات عسكرية محسوبة على المنقلبين على نظام القذافي.

وبالنظر إلى طبيعة قوات حفتر الحالية، في عمليته الجديدة، يتبين أنّها مؤلفة من:

ـ كتائب حفتر من شرقي وجنوبي البلاد

عادت غالبيتها إلى مواقعها في الشرق والجنوب، ولم تبقَ منها سوى وحدات من اللواء 73 مشاة، تشارك في عمليات قتالية في محور وادي الربيع، ووحدات من قوات الصاعقة تشارك في تأمين مواقع حفتر في منطقة قصر بن غشير.

ـ مقاتلو أنصار النظام السابق

بالإضافة لما يشاع عن وجود اللواء 32 معزز، أحد أبرز كتائب القذافي السابقة، إلا أنّ واقع الميدان يؤكد أنّ مقاتلي النظام السابق حالياً هم مليشيات قبلية، على رأسها مليشيات الكانياتالتي يتزعمها محسن الكاني، وهو قائد مليشيا قبلية من ترهونة المجاورة، ومطلوب للقضاء الليبي على خلفية عمليات تصفية وقتل وإخفاء قسري، وسبق لمليشياته، التي كانت تعمل تحت مسمى اللواء الثامن، أن هاجمت طرابلس في أكتوبر/تشرين الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، قبل أن تدحرها قوة حماية طرابلس، لكنها انضمت لعملية حفتر السابقة للسيطرة على طرابلس، بعدما شرعنها تحت مسمى جديد وهو اللواء التاسع“.

كما تؤلف عناصر قبلية أخرى جزءاً من قوات حفتر الحالية، من بينها:

مليشيات ورشفانة، ومعظم من يقودها مطلوبون للعدالة في تهم القتال والخطف من أجل المال، وأبرز قادتها مسعود الضاوي، الذي قُتل في ظروف غامضة داخل صفوف حفتر في منتصف مايو/أيار الماضي.

ومن العجيلات، جنوب غربي طرابلس، شرعن حفتر مليشيا محمد اشتيوي المعروف بالكبه، المطلوب في قضية قتل مثيرة تمثلت في طهي شابين من منطقته على النار وهم أحياء، لتحمل اسم لواء العروبة،

بالإضافة لضباط سابقين من نظام القذافي، يتولّون قيادة مليشيات في مناطق صرمان وصبراتة والزنتان.

ـ الكتيبة 210 المعروفة سابقاً بكتيبة التوحيد

وهي مليشيا مؤلفة بالكامل من مقاتلي التيار المدخلي السلفي، شاركت في أغلب عمليات حفتر القتالية في شرقي البلاد وفي جنوبها، ويتوزّع عناصرها حالياً بين محاور القتال، وفي صرمان، غربي طرابلس.

ـ المرتزقة من تشاد والسودان

وهم خليط من مقاتلي حركات المعارضة التشادية والسودانية، لا سيما من مجموعات الجنجويد، الذين أظهرت فيديوهات متداولة نهاية الشهر الماضي، القبض على عدد منهم في مدينة غريان، بعد سقوطها في يد قوات حكومة الوفاق.

وكان مراسل صحيفة لوموندالفرنسية، جان فيليب ريمي، قد كشف في مقال له في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، عن وصول 600 مقاتل من قوات نائب رئيس المجلس العسكري في السودان محمد حمدان دقلو، المعروف بـحميدتي، إلى قاعدة الجفرة الليبية لدعم حفتر بوساطة إماراتية.
ويبدو أنّ حفتر يعوّل بشكل كبير على عناصر المرتزقة في حربه الجديدة على طرابلس، لتعويض النقص الكبير في أعداد مقاتليه.

ويتبيّن من تكوين قوات حفتر الجديدة أنها لا تحمل تجانساً واتفاقاً في أهدافها ومصالحها، فالغلبة لأنصار النظام السابق كما يتضح، الذين لا يحملون ولاءً كاملاً لحفتر، بقدر ما يسعون إلى حلم إعادة نظام القذافي إلى سدة الحكم مجدداً، لا سيما من خلال أبرز أبنائه سيف .

ولا تبدو نتائج عملية حفتر المنتظرة أنها تصب في صالحه بشكل كبير، وطبيعة تكوين قواته الحالية تشير إلى تراجع طموحه السابق في السيطرة على طرابلس، فالغالب على أهدافه الحالية إيهام الرأي العام بقدرته على الاستمرار في المعركة، وقوته وإمكانية استرداد مواقعه السابقة، لتشكّل ورقة ضغط قبل العودة لطاولة التفاوض السياسي.

___________

مواد ذات علاقة