المصالح التركية في ليبيا

في هذه الورقة نحاول أن نضع تصور للسيناريوهات المتوقعة في المشهد السياسي الليبي نتيجة هذا الصراع المصري التركي.

الجزء الخامس

 المصالح الاقتصادية التركية

لا شك بان المصالح الاقتصادية لتركا في ليبيا تتمثل في العقود التي وقعتها شركاتها مع ليبيا منذ عهد القذافي ، ورغبة تركيا بان تكون لها حصة في السوق الليبي لإنعاش صادراتها .

الشركات التركية كان لها حضور قوي في ليبيا قبل ثورة 17 فبراير في عام 2011م ، ونظرا للظروف الأمنية اضطرت كثيرا من الشركات التركية الى مغادرة ليبيا ، إلا أن ملف عودة الشركات التركية لاستئناف أعمالها في ليبيا يطرح كثيرا للنقاش في لقاءات المسؤولين الليبيين والأتراك.

في ابريل عام 2013م وفي الملتقى الاقتصادي العربي التركي، قال السفير الليبي في تركيا عبد الرزاق مختار : ” إن حجم التجار بين بلاده وتركيا بلغ أكثر من ملياري دولار في العام الماضي “.

في فبراير عام 2019م قالت وزيرة التجارة التركي روهسار بيكان خلال اجتماعها مع وزير التخطيط بحكومة المجلس الرئاسي طاهر الجهيمي :” إن تركيا تعطي أهمية لتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية مع ليبيا، وأن نسبة التجارة بين البلدين ارتفعت إلى 65.3% مقارنة بالعام الماضي وفق وكالة ديلي صباح التركية“.

ومن جهته أوضح الجهيمي  بأن  حكومة المجلس الرئاسي أعدت خطة شاملة لإعادة إعمار البنية التحتية في البلاد، مؤكدا رغبتهم بأن الشركات التركية هي من تقوم بهذه المشاريع بعد حل المشاكل الحاصلة في الماضي بين الشركات وأرباب العمل.

كما  قال رئيس نقابة اتحاد المقاولين التركية ميتات ينيغون : ”  أن ليبيا تعتبر ثالث دولة قام المقاولون الأتراك بعمل مشاريع فيها حيث بلغت قيمة المشاريع 28.9 مليار دولار ، أن إجمالي قيمة المشاريع غير المكتملة من الشركات التركية 19 مليار دولار، وبلغت المبالغ المستحقة غير المجمعة 1 مليار دولار، والضمانات مبلغ 1.7 مليار دولار، والخسائر الأخرى تبلغ نحو 1.3 مليار دولار“.

من جهة أخرى  قال مدير الشركة العامة للكهرباء في ليبيا عبد المجيد حمزة : ”  إنه هناك شركات تركية تعمل في ليبيا بشأن مشاريع لتطوير بعض المحطات الكهربائية وإنشاء محطة كهرباء جديدة  بتكلفة مالية تصل إلى 400 مليون دولار، وبقدرة توليد تبلغ 650 ميغاواط

وأكد حمزة أن الشركات التركية سيكون لها دور مهم في تحسين أداء شبكة الكهرباء الفترة المقبلةوحسب تقارير رسمية  تتعدى قيمة المشاريع في قطاع الكهرباء هذا ..؟. 3 مليارات دينار ليبي  أي ما يقدر بحوالي  2.25 مليار دولار“. 

كما قال وزير التخطيط السابق عيسى التويجر في مقابلة مع صحيفة العربي الجديد : ” إن هناك مشاريع كثيرة لتركيا في ليبيا، وعدد الشركات التركية العاملة حالياً في البلاد تصل إلى 48 شركة في ليبيا، مشيرا إلى أن الأتراك سيكون لهم دور في مشاريع البنية التحتية وإعادة الأعمار” .

الصادرات  الليبية الى تركيا قد بلغت  379184 الف في عام 2016م ،و  228653 الف في عام 2017م ، في حين لا توجد حركة نشطة للصادرات الليبية تجاه مصر

الصراع المصري التركي في ليبيا.

موازين القوة والسيناريوهات المتوقعة

هناك سؤال مهم يفرض نفسه .. إذا ما اشتد الصراع المصري التركي على الأرض الليبية ، فما هي السيناريوهات المتوقعة؟. وما هو موقف الدول الأوربية من هذا الصراع ؟.

يرى الكاتب محمد منصور بأنه  هناك مواجهة إقليمية جيوسياسية بين القاهرة واسطنبول ، تمتد ما بين جزيرة سواكن السودانية، وقاعدتي مصر البحرية والجوية في برنيس، وصولاً الى التخوم التركية في اليونان وقبرص، لكنها مواجهة ردع وتهديد لا تتطلب مواجهة مباشرة بالنيران الحية، المواجهة الحقيقية والحاسمة ستكون غالباً على أرض ليبيا.(49)

وتابع منصور قائلا : “الصبغة الإقليمية للصراع حول مصر لم تقتصر على التطورات الميدانية على أرضها، بل تعدتها لتصبح دول أخرى مسرحاً لهذه المبارزة التي تؤدي فيها تركيا دور البطولة، وتريد فيها حصار دور مصر الإقليميولعل آخر إرهاصات هذه المبارزة، زيارة الرئيس التركي إلى السودان، وتوقيعه عشرات الاتفاقات مع حكومتها وعلى رأسها اتفاقية إستراتيجية تسمح لدولته بالتمركز في جزيرة  سواكن السودانية، التي تقع على بعد نحو 350 كم من الحدود بين السودان ومصر، لتأهيلها خلال مدة زمنية غير محددة.

وهو ما يسمح للأسطول التركي بالتحرك في هذه المنطقة بشكل شبه دائم ، ومن ثم من الممكن اعتبار هذه الجزيرة قاعدة جديدة للجيش التركي تضاف إلى قاعدته الموجودة في العاصمة الصومالية مقديشو وقواته التي تم تعزيزها خلال الأيام الماضية في قطر“.

موازين القوة

إن لموازين القوة دور مهم  في وقائع  الصراع المصري التركي ، كما أنها تحدد الى من سوف ترجح الكفة ، ومن سيكون الأكثر قدرة على أن تكون له الكلمة الفصل في  حلبة الصراع على الأرض الليبية

الجيش المصريقدراته ومصادر تسليحه

تشير الأرقام والإحصاءات إلى تمتع الجيش المصري بكثير من عوامل القوة والجاهزية، التي تضعه كواحد من أقوى جيوش العالم؛ فوفقاً لموقع “Global   المتخصص في رصد الجيوش، يأتي الجيش المصري متصدراً قائمة الجيوش العربية من حيث القوة والجاهزية الفعلية والتسليح وغير ذلك من العوامل.

أما عالمياً فيحتل الجيش المصري، وفقاً للموقع نفسه، المرتبة العاشرة لسنة 2017م  بين أقوى جيوش العالم؛ الأمر الذي يُلقي بظلاله على مدى جدية التنافس بين مصر وتركيا لا في الترتيب العالمي للجيوش، وإنما على أرض الواقع وفي إثبات الوجود.(51)

يتمتع الجيش المصري، بحسب الموقع نفسه، بقدرات قتالية فائقة وضعته في هذا الترتيب المتقدم في قائمة أقوى جيوش العالم، يبلغ مجموع الأفراد العسكريين 1.329 مليون شخص، عدد الجنود العاملين الذين يُعرّفهم الموقع بالمستعدين للقتالهو 454.3 ألفاً، في حين يبلغ عدد الجنود الاحتياطيين 875 ألفاً.

عدد طائرات سلاح الجو بمختلف أنواعها هو 1.132 ألف طائرة؛ تضم 337 مقاتلة و427 طائرة هجومية و260 طائرة نقل و46 مروحية هجومية.

كما يمتلك الجيش 4.11 آلاف دبابة و13.95 ألفاً من المركبات القتالية المدرعة و889 من المدفعيات ذاتية الحركة و1.48 ألف من قاذفات الصواريخ.

كما لدى مصر 319 قطعة بحرية متنوعة؛ ضمنها 5 غواصات و23 سفينة حربية.

الجيش التركيقدراته ومصادر تسليحه

وفقاً لموقع القوات النارية في العالمفالجيش التركي يحتل الترتيب الثامن على مستوى العالم من حيث القوة والأهمية، متقدماً بذلك على الجيش المصري بفارق مركزين فقط. يبلغ عدد جنود الجيش التركي نحو 743.415 ألفاً، في حين يصل عدد الجنود العاملين فيه إلى 382 ألفاً، وعدد الجنود الاحتياطيين 360 ألفاً، وتمثل القوات البرية فيه الجزء الأهم والأبرز، حيث تضم بين صفوفها نحو 2445 دبابة قتالية، ونحو 7550 ناقلة حربية، ونحو 1013 سلاحاً مدفعياً ذاتي الدفع.

أما القوات الجوية التركية فقد تم تأسيسها عام 1911م  وتضم نحو ستين ألف جندي، ويصل عدد الطائرات فيها إلى أكثر من 900 طائرة متنوعة ومختلفة ما بين طائرات قتال وطائرات هجومية، وطائرات اعتراض وكذلك طائرات نقل عسكري، وطائرات تدريب، إلى جانب مروحيات هجومية، وطائرات من دون طيار.

أما القوات البحرية فتمثل كذلك ركيزة مهمة من ركائز الجيش التركي بما تضمه من قوات ومعدات، حيث أنها تضم نحو 48600 فرد، وتمتلك في حوزتها نحو 212 سفينة، وكذلك 51 طائرة، إلى جانب فرقاطات وغواصات بحرية، وكذلك كاسحات ألغام، ويقع المقر الرئيسي لقيادات القوات البحرية في مدينة أزمير.

كما تتمتع تركيا بقوات خاصة من خفر السواحل يرجع تأسيسها إلى عام 1982م وتضم بين صفوفها نحو 5500 جندي، وتمتلك نحو 14 طائرة عمودية، وكذلك ثلاث طائرات حربية.

وبجانب ذلك تمتلك تركيا كذلك قواتاً للدرك يرجع تأسيسها إلى العام 1846، وتضم نحو 276 ألف جندي، ولديها نحو 1500 عربة وتجهيزات مصفحة ونحو ستين مروحية.

وفي الإطار ذاته حرص الجيش التركي على إنشاء قوات خاصة له منذ العام 1992م  حيث تتبع قيادتها مباشرة القيادة العامة، ويتلقى المنتسبون إليها برنامجاً تأهلياً قاسياً يستمر نحو ثلاث سنوات، قبل أن يسمح لهم بالانخراط الفعلي بين أفراد تلك القوات.

يبرز انتماء الجيش التركي إلى حلف شمال الأطلسي الناتوكأحد أبرز الملامح القوية التي تعتمد عليها تركيا، خصوصاً مع أي تهديد تواجهه، برز ذلك في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015م مع الأزمة التركية الروسية التي نشبت على إثر إسقاط الجيش التركي لطائرة قتالية روسية من نوع  سوخوي 24 بزعم أنها اخترقت الأجواء التركية،

حيث أظهر الحلف مساندة بدت قوية للموقف التركي سياسياً من خلال تصريحات أمينه العام، وكذلك من خلال عقد لقاء طارئ للحلف استجابة لطلب تركي، وعكسرياً من خلال نشر الحلف لبطاريات صواريخ باتريوت جنوبي تركيا.

السيناريوهات المتوقعة

من المتوقع أن يتطور الصراع المصري التركي على النفوذ والمصالح  في ليبيا ويكون هناك تصعيد اكبر ، إلا انه لن يكون هناك  صدام  مباشر على الأقل في المدى المنظور  لعدة أسباب ، أولا: قد لا تسمح الدول الكبرى بذلك ، ثانيا، تركيا أقوى عسكريا من مصر فهي تحتل المرتبة الثامنة ضمن ترتيب أقوى جيوش العالم متفوقة على مصر صاحبة المرتبة العاشرة.

، كما أن عضوية تركيا في حلف الناتو تجعل مصر تحسب لذلك حساب ، سيكون هناك دعم من كل دولة لحلفائها ، ستمنع تركيا حفتر من أن يحسم المعركة لصالحه في طرابلس ، في حين ستقف مصر بقوة ومن ورائها الإمارات والسعودية  وفرنسا لتمنع تقدم قوات حكومة الوفاق باتجاه الجفرة أو منطقة الحقول النفطية.

قد تلجأ الدول الكبرى لإتباع سياسة غض الطرف عن الصراع المصري التركي باستثناء فرنسا حليفة مصر وحفتر ، فهي ستدعم مصر في صراعها مع تركيا ، والسؤال هنا ..

ما هو موقف ايطاليا . هل ستدعم تركيا ضد غريمتها فرنسا التي تريد أن تحرمها من الاستفادة من ثروات ليبيا مستعمرتها السابقة ، أم أنها سوف تلتزم الحياد وتراقب وقائع الصراع ؟.

سوف يرسخ الصراع المصري التركي واقع أشبه بالتقسيم أن لم تدخل أطراف أخرى داعمة لطرفي الصراع لتحقيق الحسم  ، خاصة الدول الكبرى مثل ايطاليا وبريطانيا ، بمعنى سوف تزاد قوة كل طرف من طرفي الصراع في ترسيخ وتعزيز مواقعه في المناطق المسيطر عليها ويصبح التقدم نحو مناطق جديدة أمرا صعبا .

سوف تعمل مصر بقوة لاستغلال واقع التقسيم للتغلغل أكثر في برقة شرق ليبيا والاستفادة من الثروات ، والبحث عن فرص لإحداث تغيرات على الحدود .

سوف يفرز الصراع المصري التركي مع مرور الوقت واقعا جديدا على  حلبة الصراع الدولي والإقليمي على النفوذ والمصالح في ليبيا ، بحيث تتضح أكثر محاور الصراع التي تتشكل من الدول المتدخلة والداعمة لطرفي الصراع.

سوف يحدث الصراع المصري التركي أثرا خطيرا على المجتمع الليبي ، ذلك بان  طرف الصراع المحسوب على الكرامة والمدعوم من أنصار معمر ألقذافي سوف يروج من خلال وسائل الإعلام للادعاء بان الحرب في ليبيا هي بين قبائل عربية وأخرى غير عربية .

ستكون النقطة الفاصلة ما بين المشهد السياسي الحالي ودخول ليبيا لسيناريو شبيه بالسيناريو السوري هو تدخل روسيا  بشكل مباشر لدعم مشروع الكرامة ، وهو أمر متوقع .

وفق موازين القوة التي تحدد مسار العمليات العسكرية ، وكل ما يتعلق بالمعركة ، ومن سيكون رابح ومن سيكون مهزوم  في هذا الصراع ، فان القوة على الأرض لطرفي الصراع هي من لها الكلمة الفصل .

وبنظرة على الأرض منذ 4 فبراير عام 2019م  تاريخ تفجر الحرب على أطراف طرابلس يتضح بان قوات حكومة الوفاق أكثر قوة من قوات حفتر ،  فقد عجز حفتر عن دخول طرابلس ، وتكبد خسائر فادحة ويعاني من نقص في المقاتلين دفعه لاستجلاب المرتزقة من تشاد والسودان.

ونقطة ضعفه تكمن في خطوط الإمدادات لقواته التي فقد السيطرة والقدرة على تأمينها ، كما أن جبهته الداخلية في برقة شرق ليبيا حيث قواعده الرئيسية قد تصدعت كثيرا ، ومع طول أمد الحرب سوف تعلو الأصوات المعارضة له ، لذا فان الدول الداعمة لطرفي الصراع سوف تتأثر مواقفها كثيرا بسبب العمليات العسكرية على الأرض .

من الناحية الاقتصادية تعتبر تركيا أقوى اقتصاديا من مصر ، وهي في دعمها لحفائها في حكومة الوفاق لن تجد صعوبة في ذلك ، بينما مصر لن تستطيع ان تقدم دعم لحفتر بدون مساعدة الإمارات والسعودية.

وفي ظل المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المصري فان قدرات مصر محدودة في مواجهة تركيا .

إن الأشقاء العرب وفي مقدمتهم المصريين ومن يقف ورائهم من الإماراتيين والسعوديين إنما يدفعون ليبيا الى محرقة كبرى ، تعود بالدولة الليبية الى مخاض ما قبل الاستقلال في حقبة الأربعينات من القرن العشرين حيث عانت البلاد من صراع دولي كاد أن يؤدي الى تقسيمها ونجت بأعجوبة.

لن يفلح الأشقاء العرب في تنصيب حفتر حاكما على ليبيا ، وسوف تخرج من أيديهم مفاتيح الحل ، وتكون ليبيا عرضة لحرب أهلية طويلة ومدمرة ، بل عرضة للتقسيم والتفتت .

***

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية ـ هي مؤسسة بحثية تغطي مجالا إقليميا واسع النطاق ، يشمل دول المغرب العربي والفضاء الإفريقي والمجال المتوسطي، مع الاهتمام بالشأن التونسي، وللمركز مقران رئيسيان بلندن وتونس… ويعمل المركز على تقديم مساهمات جادة في مجال البحوث الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.

________________

مواد ذات علاقة