بقلم المبروك الهريش

قبل أشهر ماضية حدثني موظف عُين بالسفارة الليبية في إحدى الدول الإفريقية، الرجل ذهب ليستلم عمله فوجد موظفين اثنين فقط وهو ثالثهما، يقول الرجل إنه اكتشف بعد أشهر أن عدد العاملين يفوق العشرة، ويتناوبون العمل بالسفارة، حيث يقيم أغلبهم بعائلاتهم في القاهرة وتونس وغيرها.

ليس لدي أدنى شك في أن هناك المئات من المهازل على غرار هذه المهزلة التي تفتح الباب للحديث عن أكبر أبواب الفساد والاستهتار وهدر أموال الدولة الليبية، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة حادة.

هذه شهادة توثق لحالة يوجد مثلها المئات من الحالات الهزلية العابثة، والتي تدفع إلى الحديث عن أكبر أبواب الفساد والاستهتار في هدر أموال الدولة الليبية، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة حادة، تهدد وجود ليبيا كدولة ووحدتها وسيادتها وأمنها واستقرارها.

 في مثل هذه الظروف التي يمر بها الوطن كان ينبغي تخفيض عدد السفارات وعدد العاملين بها إلى الحد الأدنى الضروري، وهو إجراء متعارف عليه ومقبول عادة للدول التي تمر بمثل هذه الأزمات إذا كان هناك أدنى ضمير أو شعور بالمسؤلية الوطنية.

أما الكارثة الكبرى هي أن يحدث العكس ويزيد عدد السفارات وعدد الموظفين بها تحت مسميات للسرقة وشراء الذمم والولاءات والوساطات لتصبح الخارجية ثقب أسود يمتص ويستنزف من ثروات البلاد والفساد حوالي 280 مليون دينار.

لا يعقل أن يصل عدد السفارات والقنصليات إلى ما يقارب ثلاثمائة في وقت يجب أن لا تزيد في هذه الظروف على بضع سفارات في دول الجوار المهمة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أو الدول التي تربطنا معها تعاملات وحركة واسعة، ويُكتفى بسفارة واحدة لكل مجموعة متجاورة من الدول لتسهيل ما يلزم من إجراءات.

أما ما نراه الآن من هدر وتوسع في إرسال السفراء والملاحق ومساعدي الملاحق في الصحة والتعليم والاقتصاد والأمن والجيش وكل ما لا يخطر على بال أحد واختلاق وظائف لا أساس لها ولا فائدة ترجى منها.

وتستخدم ثروات الشعب للعطايا وإسباغ الرضا على المقربين والموالين، وهو أمر لا يمكن استمرار السكوت عنه فقد بلغ سيل فساد الخارجية الزبى وأزكمت رائحة فسادها الأنوف.

هذا الفساد مسؤول عنه المجلس الرئاسي ورئيسه أولا ثم وزارة الخارجية، لم يتحرك ضمير هؤلاء واستمروا في نهج الاستنزاف والتصرف بعيدا عن المسؤولية الثقيلة الملقاة على عواتقهم بشكل يثير غضب واستفزاز كل غيور على الوطن، يستغلون سكوت الكثير حرصا على وحدة الصف في مواجهة خطر أكبر كما يعرف الجميع، وهو الانقلاب العسكري الذي يقوده حفتر في استخفافٍ واستهانةٍ بتضحيات الشعب ودماء الشهداء.

ما جعلني أتناول هذا الموضوع هو الخطوة التي أقدم عليها المجلس الرئاسي قبل أيام من تعيين سفراء جدد في بعض الدول دون إبداء أسباب هذا القرار ولا حيثياته، ومما زاد الطين بلة هو التجاوزات القانونية التي اكتنفته.

كذلك فإن القرار استفزّ شريحة كبيرة من الليبيين الذين يعانون أوضاعا معيشية صعبة، وهذا غيض من فيض، ليعلم الليبيون حجم الفساد الكبير للسفارات والعبث الحاصل في هذا الملف، ومطلوب من الجميع في هذا الوقت ممارسة مزيد من الضغط لوقف هذه المهازل.

وهذه المعلومات متوفرة ومعلومة لدى الأغلبية وليست سرا، وما جرى ويجري هو استغلال لانشغال الناس والرأي العام بالأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد، وهو بذلك يمثل أسوأ انواع الاستغلال وتضييع الأمانة.

***

المبروك الهريش ـ كاتب صحفي ليبي

__________

مواد ذات علاقة