بقلم عبدالرزاق العرادي

اطلعت على مقترح لمبادرة، أعدتها نخبة من الشخصيات الوطنية الليبية، اطلقت عليها “مبادرة لإنقاذ الوطني وإيقاف الاقتتال”.

لا شك أن إطلاق المبادرات دليل حيوي على شعور النخب بالمسؤولية وهو في المجمل ظاهرة صحية تستحق التقدير. ولكن ذلك لا يمنع نقاش هذه المبادرات وتقييم الأفكار والمقترحات التي وردت فيها.

من هذا المنطلق فإن هذه المبادرة، بالرغم من العديد من الملاحظات الشكلية، إلا أن فيها أفكارا يمكن أن يستفاد منها، بالذات أمران:

الأول: حث الطرف المعتدي على وقف حربه على طرابلس وانسحابه.

والثاني: إطلاق حوار شامل بين الليبيين بالكيفية التي ذكرتها المبادرة.

لكن غاب عن هذه المبادرة، أهم ما يجب أن يتوفر في أي مبادرة، وهو كيفية الانتقال من الوضع الحالي إلى وضع دستوري جديد وسليم.

في التاريخ القريب والبعيد؛ أسست ليبيا عبر توافق الأطراف وتحت مظلة الأمم المتحدة وقرارها وبرضي الشعب الليبي وقواه السياسية بدستور المملكة وبتنصيب الملك محمد أدريس السنوسي رحمه الله ملكا على ليبيا.

ثم انقلب القذافي ومجلس قيادة الثورة على الملك وألغوا الدستور واعترف العالم بهذا التغيير.

اُسْقط نظام القذافي في حرب استمرت ثمانية شهور وشارك فيها العالم ومؤسساته وتم الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي وبالإعلان الدستوري الذي صاغه.

ثم اعترف العالم أيضاً بعد سلسلة من الخلافات والحروب، بالأجسام التي انبثقت عن الاتفاق السياسي بقرار من مجلس الأمن، وأضيف هذا الاتفاق إلى الإعلان الدستوري.

بعد هذا السرد التاريخي المقتضب نعود إلى مسألة الانتقال وطرقه.

كما سبق وذكرت في عديد المرات التغيير والانتقال محصورة في ثلاث خيارات لا رابع لها:

الخيار الأول: وهو أن تفعل الأمم المتحدة مثل ما فعلت في العراق؛ بتنصب بريمر ومنحه كل السلطات والصلاحيات التنفيذية والتشريعية. ففي الحالة العراقية ظل بريمر حاكما على العراق إلى أن تم وضع الدستور العراقي وإجراء الانتخابات وتسليم السلطة للشعب العراقي من خلال ممثليه. هذا الخيار بالتأكيد مستبعد ولا يصلح للحالة الليبية.

الخيار الثاني: أن يتم الانتقال من خلال انقلاب يتمكن فاعلوه من السيطرة على كامل التراب الليبي. وهذا ما حاول فعله خليفة بلقاسم حفتر وفشل، بالرغم من أنه مُنح ضوءً أخضرا من بعص الدول وتم دعمه بالمال والسلاح، من أجل ما يعتقدون أنه أفضل وسيلة لإنهاء حالة الفوضى في ليبيا.

بالرغم من الكلفة الأخلاقية لهذا الخيار على الدول المتشدقة بالديمقراطية من خلال تمكين حكم الفرد وعودة حكم العسكر، إلا أن هذه الدول دعمت مغامرة حفتر بحجة معالجة الانسداد الدستوري.

الخيار الثالث: هو أن يتم الانتقال وفق الوثائق الدستورية القائمة؛ الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي. ولقد تدرجت بعثة الأمم المتحدة في بحثها عن حل وفق المادة (12) من الاتفاق السياسي من خلال اتفاق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

ثم حاولت البعثة مرة أخرى عبر ما سمي بـ المسار الرباعي؛ بإضافة رئيس المجلس الرئاسي وخليفة حفتر إلى المجلسين، حيث اجتمع الرباعي في باريس وباليرمو.

ثم حاولت البعثة أو على الأقل شاركت، في جمع ما يعتقد أنهما القوتين الرئيستين في أبوظبي؛ فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الذي يملك الشرعية وتدعمه قوات ضاربة، وخليفة حفتر كقوة أمر واقع.

الدكتور غسان في أحد اللقاءات نفي ترتيب هذا اللقاء وأكد أنه لم يكن وراءه ولكنه حضر بناء على رغبتهما.

هذا الخيار أُجْهض بالغدر الذي أقدم عليه خليفة حفتر في الرابع من أبريل 2019.

مازال المسار الثالث ساريا وإجهاضه لا يعني أن يتم القفز إلى خيار رابع كما فعلت المبادرة المذكورة أعلاه بحلول من صيد الخاطر.

فالحلول محدودة في الخيارات الثلاثة التي ذكرت أعلاه؛ إما أن تسيطر على كامل التراب؛ من خلال قوة تابعة للأمم المتحدة وتنصيب بريمر أو بمحاولة يائسة ومدمرة كما فعل حفتر، أو من خلال الوثائق الدستورية القائمة.

هناك محاولات جادة كثيرة؛ منها ما تقوم به مجموعة من النخب بعرض حل بآليات واضحة مبنية على الوثائق الدستورية القائمة.

هذا الحل، الذي يفترض أن يرى النور قريباً، يشترط أن تنتقل البعثة، ومن وراءها الدول المعنية بالشأن الليبي، من إدارة الأزمة الليبية إلى حلها.

ملاحظة أخيرة وهامة على المبادرة:

مع كامل الاحترام للاتحاد الأفريقي إلا أنه كان غائبا في السنوات الثمانية الماضية ولا وجود لأي مكتب أو ممثل له في ليبيا بل إن كل زياراته إلى ليبيا يتم ترتيبها من خلال بعثة الأمم المتحدة؛ التي يجب أن ينحصر البحث عن حل تحت مظلتها.

وجود الاتحاد الأفريقي أو حتى جامعة الدول العربية، التي هي الأخرى في حالة وفاة سريرية، كمراقبين في أي مؤتمر دولي أو ليبي تعقده البعثة أمر جيد ولكن لا أعتقد أنهما قادران على أن يلعبوا دورا رئيسيا في الأزمة الليبية في الوقت الحالي.

_________

مواد ذات علاقة