بقلم علي أبوزيد

خطاب السراج أمام الجمعية العامة كان خلاصة للحالة الوطنية التي تؤمن بمدنية الدولة وحق الليبيين في دولة المؤسسات والقانون والحريات بعيداً عن القمع والاستبداد وتسلط العسكر.

ويمكن القول أن خطاب السراج حافظ على الموقف الذي تشكلت ملامحه منذ 4 أبريل الماضي، والذي أكّد أن الحلّ السياسي هو المخرج من الأزمة، غير أن هذا الحل لا يمكن أن يكون جزءاً منه مَن عرقله ونسف كل الجهود التي بُذلت من أجله.

بل إن استمرار معركة طرابلس اليوم ليس دفاعاً عن العاصمة فحسب وإنما هو إصرار وعزم للقضاء على جرثومة الاستبداد المتمثلة في حفتر ومشروعه، والتي أنهكت جسد الوطن في الشرق وتحاول أن تبتلع بقيته بعضال دائها.

الثبات على الموقف الرافض لحفتر ومشروعه أمر مهمّ يُحسب للرئاسي، غير أن هذا الثبات يحتاج لروافد تسنده وخطوات جادّة تتبعه ليتمكن المجلس الرئاسي والتيار الوطني المدافع عن مدنية الدولة من فرض واقع يلزِم المجتمع الدولي وخاصة الدول الداعمة لحفتر من التجاوب معه والعمل على أساسه، وما صدر من بيان مشترك بين خارجيتي إيطاليا وفرنسا في نيويورك يؤكد هذا الأمر ويجعله حتماً لازماً.

هناك الكثير من الأمور التي ينبغي على المجلس الرئاسي التحرك بشأنها، ولعلّ أهمها هو تسمية وزير للدفاع، فمن غير المعقول ولا المقبول أن يبقى منصب وزير الدفاع شاغراً وحقيبة الوزارة لا يوجد من يتولاها والحرب في شهرها السادس.

بل إن تعيين وزير للدفاع يمثل فرصة للرئاسي يوطّد بها الثقة بينه وبين جنوده من خلال اختيار شخصية يتم اقتراحه والتشاور حولها مع ضباط الجيش وقادة المحاور من القوات المساندة، كما أن هذا الوزير ينبغي أن تكون مهمته الرئيسية هي العمل على هيكلة المؤسسة العسكرية ودمج القوات المساندة فيها، والترويج لهذه الرؤية دولياً وإقليمياً.

أيضاً فإن المجلس الرئاسي مطالب بتعزيز الجبهة الداخلية التي هي صمام أمانه في مواجهة عدوان حفتر والضغط الدولي، وأهم ما ينبغي في هذا الصدد هو تحسين مستوى الخدمات ومراجعة الأداء الحكومي لبعض الوزارات والاهتمام بالإدارة المحلية والالتفات للجنوب ومحاولة التخفيف من معاناة أهله.

كما أن توسيع مشاوراته لتشمل أكبر قدر من البلديات واللقاء بفعالياتها المختلفة إضافة إلى إشراك النازحين والمهجرين من المنطقة الشرقية سيعطي مبادرته زخمها الأكبر ويجعل منها إحدى أساسات الحل السياسي، والتزام الرئاسي بالشفافية ومحاربة الفساد في مختلف المؤسسات واستمراره في برنامج الإصلاح الاقتصاد أمور مهم لصمود الجبهة الداخلية ووحدتها.

 والمجلس الرئاسي مطالب بمضاعفة جهوده في التواصل الدولي وتقوية علاقته بالدول الداعمة وعلى رأسها تركيا وقطر ودول المغرب العربي، وتنشيط خارجيته في هذا الصدد وقبل انعقاد مؤتمر برلين الذي لم يحدد وقته بعد، فأداؤه في هذه الفترة والخطوات التي سيخطوها هي التي ستفرض على المجتمع الدولي التعاطي على أساسها.

كما أنّ تعطّل الأدوات السياسية لحفتر المتمثلة في مجلس نواب طبرق تجعل فرص تأثير الرئاسي أكبر، خاصةً وأنه صاحب الشرعية وأن الاتفاق السياسي هو الإطار لحل الأزمة.

ولأنّ الاتفاق السياسي هو إطار الحل للأزمة فإن الأجسام الأخرى المنبثقة عنه مطالبة هي الأخرى بالتحرّك وتنسيق الجهود مع الرئاسي من أجل تجاوز المشروع الاستبدادي سياسياً بالتوازي مع دحره عسكرياً.

وهنا ينبغي التأكيد على أن رئيس مجلس النواب المنعقد في طرابلس مطالب ببذل أقصى جهده لحثّ النواب على الالتحاق به وعقد جلسة صحيحة النصاب وانتزاع الاعتراف بشرعيتهم من المجتمع الدولي.

إن الاتفاق السياسي رغم هشاشته وضعف الأجسام المنبثقة عنه يمثل الورقة الأقوى في العملية السياسية، ويمكن جبر ما يعانيه من ضعف وهشاشة بدعم هذه الأجسام شعبياً ونقدها في إطار تقويم أدائها وإصلاح ما يعتريها من خلل، وتعاطي هذه الأجسام بإيجابية مع ذلك هو ما سيجعلها أكثر تعبيراً عن آمال الليبين.

__________

مواد ذات علاقة