يستعرض هذا التقرير جهود تحالف دعم الثورات المضادة لوأد أحلام الشباب العربي، والانهيارات التي لحقت بهذا التحالف، والأمل الذي يحيا من جديد، مع كل موجة من انتفاضات العرب، وثوراتهم المستمرة.

.

الجزء الأول

حلف أعداء الربيع العربي في السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة أصبح مشغولا بمشكلاته المصيرية وحروب الداخل والخارج.

بينما تشير العقارب الفلكية لكوكب الأرض بالدخول في فصل الخريف، اتشحت الشوارع العربية بأزهار موجة جديدة من الربيع العربي.

ينتفضون من جديد. في العراق ومصر ولبنان والجزائر.

وفي تونس يختارون رئيسهم في حدث ديمقراطي عربي استثنائي.

يشيدون نظاما جديدا في السودان وتونس .. ذلك أن أسباب الغضب ما زالت قائمة.

والتحالف الذي دعم الثورات المضادة للشعوب العربية يتآكل، وينشغل بهمومه الداخلية الكبيرة، ومعارك يرقى بعضها إلى حروب المصير.

يمر تحالف الثورة المضادة بمأزقٍ حقيقيٍّ، لأن هناك تصدعا داخل هذا التحالف، يهدّد بانفراط عقده في أي لحظة.

وأهم من كل ما سبق، نجاح تونس، السباقة دائما، في بناء ديمقراطية ما بعد الاستبداد والفساد.

وانفجار الربيع العربي في بلدين جديدين وكبيرين؛ الجزائر والسودان، وإطاحته رأسي النظام في البلدين

وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها دعاة التغيير فيهما، ومحاولة الثورات المضادّة الالتفاف على الثورتين، من خلال دعم قيادات استبدادية بديلة، إلا أن الثورتين الجزائرية والسودانية، دليل على أن التغيير في بقية الدول العربية مسألة وقت.

قوانين التاريخ: كل ثورة ناجحة تواجه ثورة مضادة

عندما تنجح الثورة في هز أركان النظام القائم، تواجه الكثير من التحركات التي تحاول استعادة أوضاع ومصالح ما قبل الثورة، وهذه التحركات هي الثورة المضادة والتي تهدف إلى إبطال ما أحدثته الثورة من تغيرات في الأوضاع السياسية والديموقراطية وأحيانًا العسكرية

وقد قوبل الربيع العربي في كل دولة من الدول الأربعة: «تونس ومصر وليبيا واليمن» بثورات مضادة استطاع بعضها تحقيق انقلابات على ثورة الربيع مثلما حدث في مصر وليبيا وما يُخطط له أن يحدث في اليمن.

وهذه الثورات المضادة لا تتلقَّى دعمًا داخليًّا فقط بل دعمًا خارجيًّا أيضًا من بعض الأنظمة الخليجية التي تخشى أن ينهي الربيع العربي حكمها، وبالأخص السعودية والإمارات، أما السعودية فغرقت أكثر في حروبها مع إيران في سوريا واليمن، بالإضافة إلى مشكلاتها العائلية والانقلابات الداخلية التي تمت في قصر آل سعود مؤخرًا.

هذا ما فعله تحالف دعم الثورات المضادة في الربيع العربي

الربيع العربي قسّم الدول العربية إلى ثلاث فئات:

ـ دول الثورات

ـ دول الثورات المضادة

ـ الدول التي تعيش مرحلة التحول ونموذجها السودان والجزائر

دول الثورات في حالة احتراب كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا، بسبب الدور الذي أدته دول الثورات المضادة في تحويل مسار الثورة نحو الفوضى.

أقل ما يقال في توصيف الوضع العربي الراهن بأنه ممزق، كما يقول عبد الناصر الحمداني، الكاتب والباحث المختص بالشأن الخليجي. “السعودية التي أسهمت في هذا التمزيق من خلال تفتيت مجلس التعاون الخليجي عبر كارثة حصار قطر، وعبر دعم الحروب في اليمن وليبيا، والوقوف في وجه طموحات الشعب المصري والتونسي بالتغيير؛ مزقت الجامعة العربية، وهي تحاول اليوم ترقيع ما مزقته من خلال جمع هذه الأشلاء وراء حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل“.

وقادت السعودية والإمارات جهوداً هدفت إلى حرمان الشعوب العربية من الإنجازاتالتي حققتها ثورات الربيع العربي، كما تذهب دراسة إسرائيلية صدرت عن مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، بالإضافة إلى حرص نظامي الحكم في البلدين على القيام بخطوات هدفت إلى منع تفجر ثورات مماثلة.

وأوضحت الدراسة أن السعودية والإمارات عمدتا إلى محاولة تمكين الجيش والمؤسسات الأمنية، القوى التي تشكل الدولة العميقة، من احتكار زمام الأمور في الجزائر بعد تنحي بوتفليقة، مشيرة إلى أن نظامي الحكم في أبو ظبي والرياض حاولا الدفاع عن نظام البشير في السودان.

في منزله بالرباط، وفي لقاء مع أعضاء من شبيبة حزبه العدالة والتنمية، فاجأ رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بن كيران مستمعيه وهو يقول: إن في الإمارات أشخاصا يتحرّشون بنا.

كان ذلك في يناير/ كانون ثان 2019، حين مضى قائلا إن الإعلام الإماراتي أشاد بالمسيرة التي نظمت سنة 2016 بمدينة الدارالبيضاء ضد أخونة الدولةوعرفت بـمسيرة ولد زروال، وكأنها ديالهم (وكأنهم هم من نظموها) ومواقفهم معروفة في هذا الأمر“. 

ثم بدأ بن كيران في تفصيل اتهاماته: الإمارات فيها أشخاص يتحرشون بنا.. خلفان وجه النحس، ودحلان المسخوط، يتحرشون بنا ويتحدثون عنا، ومع ذلك حين يستدعونني لحفلاتهم أذهب رغم أنه كان بإمكاني عدم الذهاب، وإذا سألني الملك كنت سأقول له: راهوم بسلوا (إنهم تمادوا كثيرا)”.

بدأت الثورة المضادة بتحقيق انتصارات واضحةفي عام 2013، مع الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب الراحل محمد مرسي.

ثم حققت انتصارات مهمة في كافة الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، حولت فيها الربيع العربيإلى ربيعللأنظمة التقليدية في المنطقة بدلا من أن يكون ربيعا للشعوب

بعد عزل محمد مرسي بأسابيع، أسقطت حكومة الترويكا المنتخبة في تونس. وبعدها بشهور تسيد الساحة السياسية التونسية حزب وليد من بقايا التجمع الدستوري الذي كان يقوده بن علي، حيث انتصر حزب نداء تونسفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2014 مؤذنا بتراجع القوى التي شاركت في النضال ضد نظام بن علي.

وفي اليمن أسقطت الشرعية التي أفرزتها ثورة عام 2011، وأعيد دور بقايا نظام علي عبد الله صالح بالتحالف مع الحوثيين عام 2014.

وفي سوريا خسرت المعارضة مواقعها واحدا تلو الآخر.

وسيطر اللواء المنشق خليفة حفتر على مساحة واسعة من جغرافيا وسياسة ليبيا مدعوما من نفس الدول التي ناصبت الربيع العربيالعداء منذ بدايته.

تمكنت منظومة الثورة المضادة، إذن، من تحقيق كافة أهدافها تقريبا خلال عامين.

لكن التغيير هو سنة الحياة، فلماذا إذن تتعاقب الفصول؟، كما سأل نجيب محفوظ في رواية الحرافيش“.

كان انتصار الثورة المضادة مؤقتا، فبدأت تتراجع تحت وطأة عنصرين فاعلين:

أولا: انشغال معسكر الثورة المضادة بمشكلاته الداخلية والخارجية الكبيرة.

ثانيا: بقاء أسباب الربيع العربي قائمة في ظل المزيد من قمع الأنظمة، وفسادها.

لا مزيد من الوقت لدينا لكم

تحالف الثورة المضادة تحت عواصفه الخاصة ومشكلات الداخل والخارج .. التقت مصالح عدة دول على معاداة الربيع العربي منذ بدايته، وعبر موجاته المتتالية. وتصدرت القائمة 4 دول، هي الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأمريكا دونالد ترامب.

كانت الإمارات هي الداعم الأكبر للثورات المضادة، وبالأخص الرجل المتحكم في كل شيء هناك محمد بن زايد ولي العهد الحالي ووزير الدفاع السابق الذي يمتلك نظرة عسكرية بامتياز جعلته يفكر ويعتبر كل شخص يختلف مع الإمارات العربية سياسيًا أو عسكريًا هو «عدو».

قائمة بن زايد للأعداء تضمُّ الكثير من الطوائف، بدايةً من داعش والإخوان المسلمين والنشطاء السياسيين المعارضين، وإيران، وبالطبع كل من ينتمي إلى ثورات الربيع العربي التي قد تهدد عرش آل زايد حال وصولها دولته.

لم ينتظر بن زايد الربيع العربي لكي يطرق أبواب الإمارات؛ بل شرع بكل ما يمتلك من قوة في السنوات الأخيرة لإجهاض الثورات التي مرت بالقطر العربي في مصر وليبيا وتونس اليمن، وذلك من خلال تدعيم صفوف قادة الثورات المضادة.

لدى عرّابي الثورة المضادة، هناك اعتقاد كبير أن الديمقراطية سوف تسلّم حكم بلدان الربيع لتيارات سياسية سوف تشكل خطرا على أمنها واستقرارها السياسي، واتفقت الإمارات والسعودية على كراهية الإسلام السياسي، خاصة السعودية التي تخشى صعود نظام إسلامي ينزع منها تلك الشرعية الدينية

في البداية، كان الدور الإماراتي السعودي خفيا في قيادة حلف الثورة المضادة بسبب عوامل كثيرة، أولها غموض هذه الثورة وانقسام الشعوب وأنصار التغيير تجاهها بحيث كان من الصعب إقناع المواطن في مصر وسوريا واليمن ودول أخرى، بحقيقة الدور الذي يقوم به النظامان في أبو ظبي والرياض عبر الإقليم، وحقيقة نظم الثورة المضادة الجديدة.

لكن خطة حلف الثورة المضادة أصبحت مكشوفة، بعد أن تكرس دوره المعادي للثورات، بحيث باتت لا تخلو مظاهرة ضمن موجات الربيع العربي الجديدة خصوصا، في السودان والجزائر، إلا وتطالب بوقف أي تدخل تخريبي للإمارات والسعودية.

ولم يعد النجاح حليف نادي الثورات المضادة في العام الأخير.

انتصرت تونس في اختبار الديمقراطية، واختارت البروفيسور قيس سعيّد رئيسا، ونجح السودان في تغيير نظام البشير الدموي، واهتزت الشوارع بالهتافات الغاضبة من جديد في العراق ومصر ولبنان.

وفي ليبيا، توقفت قوات حفتر جنوب طرابلس، وباتت عرضة لخسائر متتالية.

وفي اليمن، خسر التحالف الذي تقوده السعودية سمعته العسكرية وهو يتلقى الهزائم، ويتعرض لهجمات مجهولة المصدر تصل إلى منشآت النفط، ويعطّل حصة من إنتاج النفط بالمملكة.

البقية في الجزء التالي

__________

مواد ذات علاقة