بقلم مختار غميض

انكشاف أمر المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات الكرامة التابعة للّواء المتقاعد خليفة حفتر على تخوم العاصمة طرابلس أثار مخاوف جدية.

الجزء الثاني

حول المواجهة بين الأمريكان والروس

في مسألة القوات الروسية فاغنروطالما أنّ موسكو لا تنوي الاعتراف بوجودها في طرابلس، فيمكن للقوات الأمريكية التي تراقب أجواء طرابلس استهدافها ولو عبر القوات الأمريكية أفريكوم“.

ومن المعلوم أن أمريكا يمكن أن تتدخل إذا شاءت كما فعلت بطرابلس قبل سنوات عندما أخذت أبو أنس، أو في بنغازي من قبلها مع اختطافها بو ختالةالمتّهم بقتل السفير الأمريكي عقب الثورة.

وقد يصل الأمر إلى فرض الكونغرس عقوبات ضد موسكو بسبب نشرها لمرتزقتها في ليبيا، بل ربما استخدام أمريكا لقوات شبه عسكرية لوقف التدخل الروسي، وإحياء التواجد الأمريكي الغائب منذ فترة في ليبيا وهي فرضيات طرحها الإعلام الأمريكي بقوّة بعد افتضاح أمر فاغرفي طرابلس.

كذلك قد تفكر إدارة ترامب في العمل على تعيين مبعوث لها خاص إلى ليبيا ليشغل المنصب الشاغر منذ إدارة سلفه أوباما لاسيما إذا ما ضغطت حكومة الوفاق أكثر في هكذا اتجاه، أو في اتجاه تبيان موقفه من عدوان حفتر، فما بالك في حال ما إذا ضمنت حكومة الوفاق المصالح الأمريكية وترامب لا يتردد في ذلك في سبيل مصالحه وكبح النفوذ الروسي، وإن كان لا يمكن أن يكون على الأرض لأن ذلك قد يُجابه بتدخل روسي أكبر، ستكون له عوامل، أهمها حلول الروس محلّ حفتر.

الكلمة للروس بدل حفتر

هناك ثلاثة عوامل قد تنعكس على الجنرال حفتر بمجرّد حلول الروس محل حفتر ، هذا الأمر بات واردا جدا خاصة مع اعتراف الناطق باسم قوات حفتر لأوّل مرّة وبشكل محتشم، بوجود قوات روسية تقاتل إلى جانب قوات الكرامة في طرابلس.

أول عامل هو أن هذا الأمر من شأنه التمهيد لاعتراف روسي مماثل أو تحرّك علني كما في سوريا على غرار التواجد ببعض القواعد العسكرية، خاصة مع حديث قوات الوفاق الوطني عن تواجد روسي في قاعدة الوطية العسكرية غرب ليبيا.

ثاني تلك العوامل هو أنّ الروس سيتحمّلون أعباء سياسية عسكرية أكبر مما قد يكلفها زيادة أعداد مرتزقتها، وهذا الأمر لم يعد خفيا بعد استنزاف قوات الوفاق للأعداد الهائلة من قوات حفتر، وقد أكّد الناطق باسمه مقتل سبعة آلاف جندي دون اعتبار الجرحى والأسرى، وهذا العامل بدوره سيكون سببا في عامل ثالث وهو مزيد تحميل الأعباء كلها على حفتر نفسه.

فأعداد المرتزقة الروس الذين لم تتبيّن بعد أعدادهم الحقيقية، هم ليسوا متطوّعين بل متعاقدين للعمل بمقابل مادي باهظ سيتم صرفه من حسابات حكومة الشرق، وحتى الذين يقضون نحبهم سوف لن يُستثنون من رواتبهم، وكلها على حساب حفتر.

في المقابل فإن بقاء المقاتل الروسي في ليبيا غير مكلف لحكومة لبلاده، هذا دون اعتبار بقية المنح والمصاريف التي تُنفق يوميا على الشركة الأمنية، وهي نفقات متأتية من المصرف الشرقي في البيضاء، الذي قام قبل أشهر بطباعه العملة الليبية في روسيا، ومن شأن هذه الأعباء الثقيلة أن تدفع حفتر بالقبول بالمساعي السياسية (وإن بدا حفتر دائما ميّالا إلى الضغط العسكري قبيل أيّ حوار). 

وتسعى ألمانيا لتعزيز موقف بريطانيا وإيطاليا وأمريكا وتركيا، ضد مصر والإمارات وفرنسا، نحو بحث حلّ سياسي بموازاة مضاعفة الجهد الدبلوماسي لطرابلس في كل الأوساط الدولية.

لوبي الضغط الطرابلسي

لئن خَفُت دور المجتمع المدني داخل العاصمة طرابلس والمدن الغرب الليبي عموما، خاصة من خلال مسيرات الغضب الجُمعية، نظرا لإرهاق حكومة الوفاق بأعباء النازحين والمهجّرين من مناطق الاقتتال، إضافة لإرهاق المواطن نفسه من المشاكل الحياتية اليومية كانقطاع المياه والكهرباء، فإنه لابد مزيد من الضغط على صنّاع القرار السياسي دبلوماسيا، لمناصرة الحكومة المعترف بها عالميا كشرعية دولية وحيدة

إلى جانب توفر خيار إعلان حالة النفير العام باستيعاب كل المتطوّعين لمساندة المقاتلين على الجبهات، وهي الخطوة التي اتخذتها حكومة الوفاق سابقا لكن دون تطبيقها على الأرض، وكذلك الانخراط في صفوف الجيش، بل وفرض عقوبات وما يتبع إعلان حالة الاستنفار والنفير الأقصى من عقوبات و إجراءات ضد المخالفين والمتهاونين.

ويتطلب الأمر (كما ذهب إلى ذلك بعض القادة العسكريين) تشكيل حكومة حرب وتقليص وزرائها ما أمكن، وخاصّة التركيز على الوزارات السيادية وعلى رأسها تسمية وزير دفاع ورئاسة أركان ووزارة للإعلام تتساوق مع المجهود الحربي، دون إغفال وزارة المهجّرين والنازحين الذين لا شك أن حفتر يستغل ذلك في تأليب الناس على سلطات المجلس الرئاسي.

كما يمكن السعي نحو إيجاد مخاطب بديل لحفتر في الداخل بعد أن فقد الكثير من مؤيديه، كالهيئة البرقاوية والنخب الموالية لها ، ووضع المعارضين أمام مسؤولياتهم من قبائل وغيرها أمام الصمت على عمل الميليشيات المرتزقة بأنواعها ضد الحكومة التي عليها الدفاع أكثر وهي صاحبة الأرض التي غزُيت ولم تغزو.

كذلك الضغط عسكريا، بتفعيل الاتفاقيات الأمنية مع الحلفاء، وخاصة تركيا التي مرّت بنفس المحاولات الانقلابية خاصة وأن رئيسها أردوغان أعرب عن الدفاع عن الحكومة الشرعية، وبالتالي تكثيف التعاون بإبرام اتفاقية دفاع مشترك وإظهار هذا التحالف إعلاميا.

نشير أيضا إلى مواجهة اللوبي الإماراتي في واشنطن، واستغلال بيان خارجية أمريكا منتصف هذا الشهر الذي طالب حفتر بوقف هجومه، وهو تغيّر ملحوظ في الموقف الأمريكي خاصة القلق من التواجد الروسي بليبيا وهذا مثبت في كل الدوائر الاستخباراتية.

ونقل مراقبون في واشنطن تحرك اللوبي الإماراتي هنالك بعد إطلاق الحوار الليبي الأمريكي الذي قاده وزيرا داخلية وخارجية حكومة الوفاق، وقابل نفس الوجوه الأمريكية التي تقابل معها الوفد الليبي، وبالتالي فإن الإمارات ستدافع عن نفسها وستبرر دعمها لحفتر، بينما يكون دور الوفاق هو إظهار الحاجة للشراكة في الأمن والطاقة وإظهار أن حفتر ليس شريكا سياسيا وقد أثبت ذلك بنفسه وبالتالي النظر إلى الأولوية للأمريكان.

وكذلك إقناع إدارة ترامب بوقف بيع الأسلحة للإمارات الداعمة بالسلاح لقوات حفتر، لتجاوزها القوانين الأمريكية التي تمنع بيع سلاحها من دولة إلى دولة، حتى تترك الإمارات ليبيا كما تركت اليمن للسعودية.

ولا يمكن التغاضي عن دور الجالية الليبية في الغرب في تهدئة الأوضاع السياسية والإصرار والدفع في اتجاه العودة الى المسار الانتقالي الديمقراطي الذي يدعمه الغرب، وإظهار مخاطر وترتيبات عسكرة الدولة.

ودعم اللوبيات الليبية في أمريكا مثل جماعة التحالف الليبي الأمريكي والعمل على استنهاض الأداء المخجل للسفارات، خاصة في أمريكا حيث كل دولة تعتبر سفارتها في الولايات المتحدة أهم سفارة لها، واستنهاض دور الخارجية الليبية وشبكتها الاتصالية والاستشارية في تفعيل مهامها.

كذلك تجنيد المحامين والمنظمات العاملة في واشنطن والتواصل مع مكاتب المحاماة وتوقيع التفاهمات وفتح كل القنوات الممكنة للتحقيق في مواطن أمريكي في فيرجينيا ارتكب جرائم في ليبيا بالتعاون مع مكتب النائب العام في طرابلس، وذلك ليس بالأمر العسير فحكومة الوفاق تحدثت مرارا عن توثيقها لجرائم غريمها، والمسألة لا تحتاج إلى أموال لأن القانون الأمريكي يمنعه.

وبمثل هذه المعطيات يكون صراع المحاور على القُطر الليبي قد بدأ في التراجع، وهو ما قد ينبئ بانفراجة وشيكة، لاسيما مع مواقف القوى الكبرى المتسّم دائما بالتذبذب، بما في ذلك فرنسا التي تحمّست لقوة لحفتر عند هجومه على طرابلس ولكنها تراجعت بعد ثبوت تهافتها.

خاتمة

تزامن اعتراف قوات حفتر بدعم مرتزقة فاغنرالروسية له ولو متأخرا، مع إعلان حكومة الوفاق الوطني أن القوات الروسية متواجدة بقاعدة الوطية الجوية والتي يتم منها شن عمليات على طرابلس وغيرها.

يبدو أنّه المنطلق لإعطاء الإذن للقوات الموالية لطرابلس ببداية استهداف فعلي للروس، مع إعلان قوات بركان الغضب الأحد شنها هجمات على الوطية، ويتضافر هذا مع إعلان مشايخ وقيادات الساحل الغربي وجبل نفوسة رفضهم الفتنة القبلية وإشعال حرب لن تهدأ في كل ليبيا.

وهذا اللعب بالنار سيضع الدول المتدخلة، وخاصة ألمانيا أمام مسؤولية كبيرة في توفير ضمانات لاتفاق سياسي يسحب البساط من تحت الرعاة السابقين وإعادة سيناريو الفشل، ويضع الجميع أمام مسؤولياته التاريخية، وخاصة التنبيه بشدّة على الأطراف المعنيّة التي تبحث عن مجرّد مسكنات، لأن أي تدخّل ميداني روسي أو غيره ستكون نتائجه طويلة المدى، وهذا خطير وتدركه الأطراف الليبية قبل غيرها.

***

مختار غميض (صحفي تونسي)

_____________

مواد ذات علاقة