بالسلاح والمرتزقة والدعم الاستخباراتي

منذ بدء حملته العسكرية المسماة عملية الكرامةببنغازي في مايو/أيار 2014 تواترت الأدلة عن حصول اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أسلحة من الإمارات العربية المتحدة ومصر ودول أخرى رغم الحظر الأممي.

.الجزء الثالث

الضوء الأخضر السعودي

يوم 27 مارس/آذار 2019، زار اللواء المتقاعد خليفة حفتر السعودية، حيث استقبله الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وأجرى أيضا مباحثات مع وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات العامة.

جاءت الزيارة كما اتضح لاحقاقبيل عملية عسكرية كبرى كان يعد لها حفتر، تقضي بالهجوم على العاصمة طرابلس، وبالتالي السيطرة على المنطقة الغربية والهيمنة على الدولة الليبية وفق ما خطط له.

وأشارت صحيفة وول ستريت جورنالالأميركية في عددها ليوم 12 أبريل/نيسان 2019- إلى أن الرياض وعدت حفتر بعشرات ملايين الدولارات للمساعدة في دفع تكاليف العملية العسكرية التي أطلقها في طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي بارز لم تسمهقوله لقد كنا كرماء معه، في إشارة إلى تلقي اللواء الليبي المتقاعد دعما ماليا سخيا من المملكة لإنجاز مهمته العسكرية في ليبيا.

إضافة إلى المساعدة المالية، كان حفتر يطمح من خلال تلك الزيارة لتدخل سعودي لدى واشنطن لإقناعها بحملته على طرابلس، وأن تستخدم أيضا نفوذها على بعض الدول العربية لطمأنتها بشأن العملية وتوابعها.

عاد حفتر إلى ليبيا بعد تلقيه الدعم المالي والتطمينات اللازمة، وحصل على الضوء الأخضر لبدء الهجوم على طرابلس وتنفيذ ما يراه الجزء الأخير من مشروعه العسكري والسياسي.

قبل سنوات، كانت الرياض قد انضمت عمليا إلى كل من الإمارات ومصر في تبني مشروع حفتر في ليبيا، ففي أغسطس/آب 2017 اعتقلت ثلاثة من القياديين المحسوبين على حكومة طرابلس أثناء تأديتهم العمرة، وسلمتهم إلى سلطات شرق ليبيا الموالية لحفتر استجابة لطلب من الإمارات.

وجاء هذا الاصطفاف السعودي إلى جانب حفتر باعتبار المملكة جزءا من هذا التحالف الذي يناهض الثورات الشعبية في المنطقة ويدعم سيطرة العسكر على الحكم، كما أنه يشكل امتدادا لتحالف التيار المدخلي السلفي ذي الخلفية الوهابية في ليبيا مع اللواء المتقاعد والقتال إلى جانبه.

فحينما أطلق حفتر عام 2014 ما عرف بعملية الكرامة، أفتى الشيخ السلفي السعودي ربيع المدخلي لأتباعه في ليبيا بالقتال ضمن قوات حفتر، باعتباره ولي أمر شرعيامخولا من ولي الأمر” –أي البرلمان المنعقد في طبرقوبناء على ذلك انضمت المئات من هذا التيار للقتال في صفوف قوات حفتر في معارك بنغازي ودرنة وغيرها، ضمن ما عرف بـكتائب التوحيد“.

وبالإضافة إلى مئات المقاتلين الموزعين على محاور القتال، سمح حفتر بتغلغل أتباع التيار المدخلي في معظم الأجهزة والإدارات في مناطق سيطرته شرق ليبيا، وخاصة بوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وبالتالي سيطروا على المساجد والمنابر.

فرنسا.. التباس الدور

في 21 أغسطس/آب 2019 كشف مصدر حكومي رفيع المستوى بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية أن فرقة عسكرية فرنسية داعمة لقوات حفتر، جهزت محطة للتحكم بالطائرات المسيرة وتركيبها في مطار ميناء السدرة النفطي شمالي البلاد وتوجيهها لاستهداف الكلية والقاعدة الجوية بمدينة مصراتة، ومواقع قوات حكومة الوفاق شرق وجنوب المدينة، وفي مناطق وسط البلاد.

كما كشفت مصادر ليبية للجزيرة أن هناك فرقة فرنسية أخرى في مقر إحدى الشركات بمدينة هون في منطقة الجفرة وسط ليبيا، وتشرف من داخل غرفة عمليات عسكرية على سير المعارك جنوبي طرابلس، حيث تسعى قوات حفتر منذ أبريل/نيسان الماضي للسيطرة على العاصمة.

ويعود الدعم الفرنسي الخفي لحفتر إلى سنوات مضت، ففي 20 يوليو/تموز 2016 اعترفت وزارة الدفاع الفرنسية بمقتل ثلاثة عسكريين لها في بنغازي، مؤكدة بذلك للمرة الأولى المعلومات التي تحدثت عن مقتل جنود فرنسيين كانوا على متن طائرة تابعة لقوات حفتر في ليبيا، بعدما أسقطتها قوات مجلس شورى ثوار بنغازي.

وكانت باريس قد أنكرت طوال شهر كامل ما ذكره تقرير صحيفة لوموند الفرنسية عن وجود قوات خاصة فرنسية تساعد قوات حفتر، مشيرة إلى أن طائراتها تجمع معلومات عن ليبيا.

وجاءت قضية صواريخ جافلينالمضادة للدروع وهي صواريخ أميركية باعتها واشنطن لفرنسا عام 2010- والتفسيرات الفرنسية المرتبكة لوجودها في معقل قوات حفتر بمدينة غريان لتؤكد دور فرنسا في تسليح حفتر ودعم قواته.

ادعت وزارة الجيوش الفرنسية أن هذه الأسلحة كانت موجهة للحماية الذاتية لفرقة فرنسية تم نشرها لأغراض استخباراتية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وأنها تالفة وغير صالحة للاستخدام، لذلك خزنت مؤقتا في أحد المستودعات لأجل تدميرها“.

في 16 أبريل/نيسان 2019 أعلنت تونس اعتقال 13 شخصا يحمل معظمهم الجنسية الفرنسية دخلوا بطريقة غير قانونية بأسلحتهم من ليبيا، وسارعت باريس لتبرير موقفها بأن المجموعة كانت مكلفة بتأمين السفارة في طرابلس وانتهت مهامها.

لكن التفسيرات المرتبكة عززت فرضية كونهم مستشارين عسكريين كانوا يقدمون دعما لقوات حفتر في غرفة عمليات غريان، وهي المركز الرئيسي لعمليات حفتر سيطرت عليه قوات حكومة الوفاق في 27 يونيو/حزيران 2019.

وكشف تحقيق للجزيرة بث في 27 أبريل/نيسان 2019 أيضا عن قيام طائرتي تجسس ورصد مستأجرتين لفائدة الاستخبارات الفرنسية بعمليات استطلاع فوق ليبيا أكثر من مرة.

بدورها، أكدت مصادر عسكرية ليبية أن طائرة التجسس الفرنسية التي تشغلها شركة سي آي إي أفيايشن” (CAE Aviation) الكنديةقامت بطلعات عديدة في سماء طرابلس يومي 9 و10 أبريل/نيسان 2019، أي في أوج المعركة التي شنها حفتر على العاصمة.

وفي تقرير لها بتاريخ 17 أبريل/نيسان الماضي، خلصت صحيفة بوليتيكوالأميركية إلى أن باريس كانت ضالعة منذ عام 2015 على الأقل في مساعدة حفتر على بناء قواته، على أمل السيطرة على ليبيا وثروتها النفطية الكبيرة.

ورأت الصحيفة أن فرنسا تلعب لعبة مزدوجةفي ليبيا، إذ تدعم في الظاهر عملية السلام بوساطة الأمم المتحدة وتدعو الفرقاء للحوار، في حين أنها تزود حفتر بالسلاح والتدريب والمعلومات الاستخبارية وبالقوات الخاصة أحيانا.

هذا التدخل الفرنسي لفائدة حفتر أثار انتقادات دائمة من حكومة الوفاق الوطني الليبية، آخرها البيان الذي أصدره المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عن أن لديه معلومات استخباراتيةتشير إلى هجوم وشيك لقوات حفتر على طرابلس مدعومة بسلاح وأفراد من قبل مصر والإمارات وفرنسا، كما كان الدور الفرنسي مثار انتقادات من إيطاليا ودول أخرى.

كما كان الدور الفرنسي مثار نقاش في البرلمان الفرنسي نفسه (الجمعية الوطنية) الذي أعلن يوم 25 يوليو/تموز 2019 تشكيل لجنة مكونة من 30 عضوا، للتحقيق في ملابسات هذا الدور المثير للشكوكومدى وجودإجراءات سرية تدبر لصالح حفتر“.

________________

مواد ذات علاقة