ماذا يجري في ميادين القتال الليبية بعد ما تواترت الأنباء عن التدخل الروسي في القتال إلى جانب قوات خليفة حفتر؟

في بداية تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، ذكر الكاتب أن «وصول هؤلاء المرتزقة الروس، لمساعدة مجرم الحرب الذي يسيطر على شرقي ليبيا خليفة حفتر، أطلق سلسلة من الأحداث التي صعَّدت حدة المعركة الرامية إلى السيطرة على العاصمة طرابلس، وهددت بتأجيج حرب إقليمية حول الجغرافيا والأيديولوجيا واحتياطيات النفط والغاز المربحة. وأصبح حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا بلا فاعلية، وهو بالفعل في حالة يرثى لها؛ مما يثير شبح وقوع المزيد من الضحايا المدنيين».

وأصبح الصراع في ليبيا مدفوعًا الآن، أكثر من أي وقت مضى، بالانقسامات الأخيرة في الشرق الأوسط؛ إذ حرَّضت الإمارات ومصر والسعودية ضد تركيا وقطر. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، عمَّقت تركيا ومصر والإمارات من مشاركتهم في ذلك الصراع الدائر؛ ما أدى إلى إثارة المنافسات والعداءات في المنطقة.

الولايات المتحدة تحاول التدخل لإيقاف روسيا

وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة تسعى الآن جاهدةً، بعد سنوات من إهمال ليبيا، لإيجاد طريقة للتخفيف من حدة تدخلات الكرملين. لكن في غياب الدبلوماسية والسياسات الأمريكية القوية، تبدو روسيا وتركيا على أتم استعداد لاستغلال الفراغ الأمني والدبلوماسي والسيطرة على مصير ليبيا، كما فعلا في سوريا.

ويقال إن أكثر من ألف جندي من المرتزقة الروس يعملون في ليبيا، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وغربيين وكبار القادة الليبيين، يعمل معظمهم لصالح مجموعة «فاجنر»، وهو جيش خاص يعمل في الظل ويرتبط بالكرملين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقاتل أفراده في سوريا وأوكرانيا ودول أخرى، وتعُدُّه موسكو أداة إستراتيجية تعمل لتحقيق لمصالحها.

ومن جانبه ينكر الكرملين أي علاقة بهؤلاء المرتزقة. ويقول حفتر الذي يصف نفسه بقائد الجيش الوطني الليبي: إنه ينشر مقاتلين ليبيين فقط، بالرغم من وجود علامات واضحة على وجود هؤلاء المرتزقة.

توترات جديدة

ولفت التقرير إلى أنه مع اشتداد الحرب، ازدادت حدة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والأخبار الزائفة؛ إذ يسعى الجانبان إلى استخدام الدعاية سلاحًا. وأدى ذلك إلى تقسيم القبائل والمجتمعات وقطع الطريق أمام جهود المصالحة.

أيضًا تتزايد المخاوف بشأن المزيد من اللاجئين الفارين من العنف والهروب بأعداد كبيرة عبر الحدود ومحاولة القيام برحلات بحرية تتسم بالخطورة إلى أوروبا. وتتطلع الفلول التابعة لـ«تنظيم الدولة الإسلامية (داعشالمهزومة للاستفادة من عدم الاستقرار.

هذه التوترات الجديدة تعرقل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والدول الأوروبية للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار وتحقيق السلام، ويتمحور ذلك حول مؤتمر في برلين تأجّل عدة مرات، بسبب خلافات بين الدول العشر المدعوة: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وتركيا، وإيطاليا، ومصر، والإمارات.

وقال فريدريك ويري، وهو باحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: «لقد تغيرت مجريات الأمور على الأرض، وترددت أصداء ذلك على الصَعيدَين الدبلوماسي والجغرافي. ويمثل النفوذ الجديد الذي حققه الروس ضربةً أخرى لمساعي الأوروبيين تجاه ليبيا وعملية برلين. إن هناك المزيد من الطهاة في المطبخ الآن (في إشارة إلى التدخلات الأجنبية المتزايدة في الشأن الليبي)».

تحول فرص حفتر

وذكر الكاتب أنه: «بعد أن زحف حفتر – البالغ من العمر 76 عامًا، وهو مواطن أمريكي – ليبي مزدوج الجنسية عاش لسنوات في شمال فرجينيا – بقواته إلى مختلف أنحاء البلاد منطلقًا من معقله الشرقي، قدَّمت له موسكو الدعم الدبلوماسي والمادي.

وبالإضافة إلى مساعدات أخرى، طبعت روسيا مليارات الدنانير الليبية لحفتر من أجل دفع رواتب قواته وضم القبائل إليه بهدف دعم تقدمه، حسبما أفاد بعض المحللين.

وتأمل روسيا في استعادة مليارات الدولارات من النفط والعقود العسكرية التي فقدتها بعد الإطاحة بالديكتاتور القذافي وقتله على أيدي قوات المتمردين في ثورات الربيع العربي لعام 2011 وتدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبالنسبة إلى موسكو، تُعد ليبيا أيضًا جزءًا من إستراتيجية تهدف لتوسيع نطاق النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتعهد حفتر في أبريل الماضي بالاستيلاء على العاصمة طرابلس بسرعة وإسقاط حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة. لكن الكتائب الموالية لحكومة الوفاق الوطني في أنحاء غرب ليبيا شنت هجومًا مضادًا، وبحلول نهاية الصيف، وصلت الأمور إلى طريق مسدود من الناحية العسكرية، حتى مع نشر الجانبين طائرات مسلحة.

وقال المحللون: «إن القبائل الشرقية لم تعد تقاتل إلى جانب حفتر، وعاد أفراد العديد من الألوية إلى ديارهم». وقال جلال حرشاوي، وهو باحث ليبي بمعهد «كليننجندل» في لاهاي: «حتى أواخر أغسطس، كان جيش حفتر في وضع محفوف بالمخاطر».

خسائر كبيرة جراء التدخل الروسي

وأوضح التقرير أنه: «بعد ذلك، وصل المرتزقة الروس إلى الخطوط الأمامية للقتال في طرابلس. وقال القادة والمقاتلون الليبيون في زيارة قاموا بها مؤخرًا إلى خطوط المواجهة الأمامية في طرابلس: «باستخدام القناصة المحترفة والمدافع ذات التقنية العالية والانضباط العسكري في القتال، ألحق الروس خسائر فادحة بالميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني؛ في الضحايا والمعنويات».

بحلول أواخر شهر نوفمبر، وبسبب عدم اتخاذ المجتمع الدولي أي إجراء ضد التدخل الروسي، ولَّت حكومة الوفاق الوطني وجهها شطر راعيها الرئيسي، تركيا، الذي زودها بطائرات بدون طيار وعربات مدرعة ومستشارين عسكريين.

ووقَّعت حكومة طرابلس وأنقرة اتفاقًا بحريا يهدف لاستئناف أعمال التنقيب عن النفط في البحر الأبيض المتوسط. وأثار ذلك غضب اليونان ومصر وقبرص والاتحاد الأوروبي، الذين يرون أن الصفقة عبارة عن محاولة لمنعهم من التنقيب.

كما وقَّعت حكومة الوفاق الوطني وتركيا اتفاقية أمنية، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إنه سيرسل قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت منه حكومة الوفاق الوطني ذلك. وأثار ذلك مخاوف بشأن إرسال قوى إقليمية أخرى قوات تابعة لها؛ مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية.

وقال ويري: «الآن، أصبحت خطوط المعركة أكثر حدة عبر البحر المتوسط. لقد تحولت الأمور من الهدوء إلى التوتر، وحمي الوطيس بالفعل».

وأشار الكاتب إلى أنه في وقت سابق من هذا الأسبوع، دفعت التوترات بشأن العلاقات المتنامية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى انتقاد هذه الصفقات بشدة. ونددت وزارة الخارجية المصرية بهذه العلاقات واصفةً إياها بأنها «غير شرعية». وقال السيسي للصحافيين: «لن نسمح لأحد بالسيطرة على ليبيا… إنها مسألة أمن قومي مصري».

ولدى تركيا عقود بقيمة تقارب 18 مليار دولار في قطاع البناء وغيره في ليبيا. لكن السباق نحو ليبيا يعكس وجهات نظر مختلفة، إلى حد ما، عن الإسلام السياسي. إذ دعمت تركيا وقطر الرئيس الإسلامي المصري المنتخب محمد مرسي وحركة الإخوان المسلمين، بينما أطاح السيسي بمرسي في انقلاب عام 2013.

وتنظر مصر والإمارات والسعودية، إلى جانب حفتر، إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفوها بالجماعة الإرهابية، على أنها تهيمن على حكومة طرابلس والميليشيات التي تدعمها. ويقاتل الإسلاميون على كلا الجانبين، بالرغم من أن نفوذهم يبدو محدودًا، حسب رأى المحللين.

وقال حرشاوي: «يمثل الإسلام السياسي المعتدل الذي يمارس بعض السلطة في هذا البلد الثري الواقع في شمال أفريقيا رمزًا لشكل شعبوي من السياسات التشاركية، والتي تود الإمارات والسعودية ومصر القضاء عليها من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمامًا… وهذه الأنظمة تفضل شكلًا صارمًا من الديكتاتورية».

الولايات المتحدة في موقف الدفاع

وذكر الكاتب أن «وصول المرتزقة الروس أذهل الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين. ومنذ أبريل، أرسلت إدارة ترامب إشارات متباينة. وبينما حثت وزارة الخارجية الأمريكية الجانبين على وقف أعمال القتال، هاتفَ الرئيس ترامب حفتر، مؤيدًا حملته العسكرية.

لكن في نوفمبر، وبعد وصول تقارير إخبارية عن المرتزقة الروس، أصدرت الحكومة الأمريكية وحكومة الوفاق الوطني بيانًا مشتركًا يدعو حفتر إلى إنهاء هجومه على طرابلس. وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها «لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي».

والتقى مسؤولون أمريكيون كبار بحفتر في العاصمة الأردنية عمان، في محاولة لإقناعه بقبول وقف إطلاق النار. وهناك مشروع قانون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أمام الكونجرس يسعى لفرض عقوبات على روسيا؛ لأنها نشرت مرتزقة في ليبيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، هذا الأسبوع إن موسكو فوجئت بمشروع القانون الذي يتحدث عن «بعض الوجود العسكري الروسي المزعوم في ليبيا»، مضيفة أن روسيا ترى أن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، وفقًا لـ«وكالة الأنباء الحكومية الروسية (تاس)».

وأشارت إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو أخبر الصحافيين هذا الشهر أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع موسكو للتفاوض على إنهاء الأعمال القتالية. أيضًا حذر بومبيو الدول من إرسال أسلحة إلى ليبيا، وانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. لكن الأسلحة استمرت في التدفق من الخارج إلى كلا الجانبين.

وتنشر الإمارات، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة، طائرات مسلحة بدون طيار وتعمل الآن مع المرتزقة الروس لدعم حفتر. وفي 12 ديسمبر (كانون الأول)، وبتشجيع من الدعم الذي يتلقاه من روسيا، أعلن حفتر عن معركة «ساعة الصفر» الحاسمة لتحرير العاصمة الليبية طرابلس.

وأشار الكاتب إلى ما قاله ولفرام لاشر، المحلل الليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: «سمعنا مرارًا تعبير الولايات المتحدة عن قلقها بشأن زيادة التدخل الروسي، لكن لا يوجد انخراط حقيقي لفعل أي شيء حيال ذلك. فيما تكثفت هجمات حفتر وما يصاحبها من غارات بطائرات بدون طيار إماراتية بعد الاجتماع الأخير للمسؤولين الأمريكيين مع حفتر في عمان».

وأعلن حفتر عن رابع إعلان لـ «ساعة الصفر» للسيطرة على طرابلس، لكنه يعتبر أول إعلان بعد انضمام الروس إلى ساحة القتال. فيما وردت تقارير عن وقوع اشتباكات عنيفة على خطوط أمامية عدة.

وأعلنت مدينة مصراتة، التي تشكل كتائبها المسلحة الجزء الأكبر من القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، عن حشد كبير لمقاتليها لإرسال المزيد من القوات إلى طرابلس للوقوف في وجه حفتر.

وبدأت التقارير تظهر أيضًا أن اللاجئين الليبيين الهاربين من المعارك يتدفقون إلى الحدود الغربية للعبور إلى تونس المجاورة. وقال محللون: «إن مستوى التضليل يتصاعد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنافذ الأخبار المحلية والعربية، خاصة المناهضة للإسلاميين».

وقال حرشاوي: إن «الهدف هو غرس الفوضى في صفوف عدوٍ تدهورت روحه المعنوية وأصيب بالإنهاك بالفعل خلال هذا الخريف. وهناك هدف آخر يتمثل في محاولة تصدير تصور معين ونشره في العالم الغربي، وهو تصور مفاده أن حكومة الوفاق الوطني تعيش في عزلة تامة ويجب أن تتخلى عنها الولايات المتحدة والقوى الغربية».

خطاب الكراهية

وأكد الكاتب أن «خطاب الكراهية زاد على «فيسبوك» و«تويتر» ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، وندد الزعماء القبليون والسياسيون المؤيدون لحفتر بسكان مصراتة باعتبارهم من الأتراك وطالبوا بإبادتهم».

وهددت إحدى الشخصيات المؤيدة لحفتر (من مناصري خليفة حفتر وعملية الكرامة، محمد إمطلل) في مقطع فيديو هذا الشهر بـ«إبادة شوارع مصراتة بأكملها» وأضاف: حربنا ضد مصراتة… سنحرقهم، وسنسحق مصراتة .

____________

مواد ذات علاقة