بقلم مروان قبلان

مثل كل حروبنا الأهلية، الممتدة من ضفاف الخليج وبحر العرب إلى وادي النيل وشمال أفريقيا، لا يبدو أن للحرب الدائرة في ليبيا نهاية في الأفق.

ليس هذا فحسب، بل زادت الأمور تعقيدا، أخيرا، مع ارتقاء الصراع فيها من حرب وكالة إلى مواجهةٍ قد تغدو مباشرة، مع إرسال أطراف الصراع الخارجيين قوات مقاتلة إلى الميدان دعما لهذا الطرف أو ذاك.

سورية واليمن مرّتا بهذه المرحلة، لكن التدخل المباشر فيهما اقتصر، إلى حد كبير، على جانب واحد، إذ ذهبت روسيا وإيران إلى القتال إلى جانب النظام في سورية، فيما أحجمت تركيا عن الذهاب إلى أبعد من دعم المعارضة بالمال والسلاح.

وعندما أرسلت قواتها داخل سورية، فعلت ذلك لدرء خطر إنشاء كيان كردي عليها. بالمثل، تدخلت السعودية والإمارات في اليمن، لوقف زحف الحوثي على عدن، مطلع العام 2015.

لكن إيران التي تدعم الحوثي بالمال والسلاح لم تستطع فعل الشيء نفسه، لأسباب متصلة بالجغرافيا، والقدرات، وأخرى متعلقة بتأخّر مكانة اليمن بين أولوياتها الإقليمية.

ما يميز الصراع الليبي أن الفرقاء الخارجيين من المعسكريْن يرسلون قواتٍ للتأثير في نتيجة الصراع، ما يهدّد باندلاع أزمة إقليمية ودولية كبرى

والواقع أن مسار الصراع في ليبيا تميز، منذ البداية، بسماتٍ خاصّة جعلته مختلفا عن بقية الصراعات الأهلية العربية، فليبيا كانت الدولة الوحيدة من بين كل دول ثورات الربيع العربي التي حصل فيها تدخلٌ عسكريٌّ أميركي مباشر، حسم الصراع مبكرا لصالح أحد أطرافه.

إذ قادت واشنطن تحالفا من دول غربية وعربية لإطاحة نظام القذافي، متسلّحةً بقرار مجلس الأمن رقم 1973، الذي نصّ على حماية المدنيين.

في المقابل، اقتصر التدخل العسكري الأميركي في سورية واليمن على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ظهر على هامش الصراع الرئيس الدائر في البلدين.
فقدت الولايات المتحدة بعد ذلك الاهتمام بليبيا ونفضت يدها منها، على الرغم من أن ليبيا تملك أكبر احتياط نفط في أفريقيا والتاسع عالمياً، ما يعني أن النفط لم يعد العامل المركزي الذي يحكم حسابات واشنطن بشأن المنطقة.

جاء الانسحاب الأميركي نتيجة الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في بنغازي، وأسفر عن مقتل السفير كريس ستيفنز في سبتمبر 2012.

وقد دفع ذلك القوى الدولية والإقليمية الأقل حجماً، والتي شارك بعضُها في إطاحة القذافي، إلى محاولة ملء الفراغ، ما أدّى إلى انهيار العملية السياسية الوليدة، وظهور معسكريْن محليين انقسما جهويا بين شرق ليبيا وغربها،

فيما انقسما سياسيا وإيديولوجياوفق خطوط الانقسام الإقليمي بين معسكر داعم لحكم العسكر، ممثلا باللواء المتقاعد خليفة حفتر، تعزّز خصوصا بعد انقلاب 2013 في مصر، واتخذ من تيارات الإسلام السياسي عدوا، يسعى إلى اجتثاثه، ومعسكر إقليمي آخر يدعم القوى المدنية والإسلامية المعتدلة، تمثله حكومة الوفاق، ويتّخذ من طرابلس مقرّا له.
خلال الخمس سنوات الماضية، اكتفت واشنطن بمراقبة الصراع الدائر بالوكالة بين حلفائها حول ليبيا، وقد انقسموا الى معسكرين:

فرنسا والإمارات ومصر والسعودية وتدعم معسكر الشرق واللواء حفتر،

وتركيا وإيطاليا وقطر وتدعم حكومة فائز السراج المعترف بها دوليا في الغرب.

ولكن المستجدات التي طرأت أخيرا على الأرض أيقظت واشنطن على واقع جديد، أربكها، إذ دخلت روسيا على خط الصراع في محاولة لتكرار السيناريو السوري، من خلال إرسال قوات غير رسمية (مرتزقة فاغنر) لحسم الصراع لصالح حفتر.

في المقابل، قرّرت تركيا أن تضاعف دعمها حكومة الوفاق في طرابلس، وفتحت الباب أمام احتمال إرسال قوات للقتال إلى جانبها.

وما زاد من تعقيد الصورة أمام واشنطن أن بعض حلفائها (الإمارات ومصر) يقاتلون في خندق خصمها الروسي، فيما تبدو الإدارة الأميركية نفسها منقسمةً بين رئيس مشتت لا يخفي ميله لحفتر، وإعجابه بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس الروسي، بوتين من ورائهما، في حين تجمعه، من جهة ثانية، علاقة وثيقة بالرئيس التركي، أردوغان.

أما المؤسسة الأميركية (الخارجية والدفاع خصوصا) فهي تعارض سياسات بوتين وأردوغان معا، فيما تحاول الموازنة بين موقفها الذي تعترف بموجبه بشرعية حكومة السرّاج وتوجسها من قوى محلية تدعمه، فهل يمكن تخيّل وضع أكثر تعقيدًا؟

***

مروان قبلان ـ كاتب وباحث سوري

__________

مواد ذات علاقة