بقلم علي عبداللطيف اللافي

تبدومواقف كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا مؤيدة لحكومة السراج وان تم الاختلاف في التفاصيل وفي الموقف من”حفتر” وحلفائه الإقليميين والدوليين.

كل ذلك شجع تركيا مثلا على محاولة جذب وتحشيد الدول المغاربية، لكن ما هي حقيقة مواقف هذه الدول إزاء الأزمة الليبية؟ وما سرتحركزعمائها وحكوماتها، وكيف أنه لا خيارات بديلةللبلدان المغاربية عن التكامل والتشاور والفاعلية وفهم اللحظة التاريخية في ليبيا؟

1- رهانات مرحلية وتساؤلات ضرورية

أالثابت أن”العدوان” على العاصمة طرابلس من طرف حفتر وحلفائه المحليين والاقليميين إضافة الى نية تركيا إرسال قوات عسكرية دعماً لحكومة الوفاق بناء على اتفاقيتي 27-11-2019 سيُحيل خلال الأيام القادمة إلى تداعيات لا داخل ليبيا فقط.

بل في كل المنطقة المغاربية والتي ستبقى معنية بشكل أو بآخر بهذه التطورات والتداعيات، ذلك أن دول تونس والمغرب والجزائر تبتعد منذ مدة عما يأمله العسكري المتقاعد “خليفة حفتر” وداعميه الإقليميين والدوليين، باعتبار أن مواقفها لا تختلف في دعم حكومة الوفاق بناء على شرعيتها، وباعتبار انها متفقة جميعا في التأكيد أن الحل للازمة الليبية سياسي بالأساس اضافة الى رفض أي تدخل عسكري خارجي.

بالسؤال المُهم في قراءة مواقف الدول المغاربية هو أين تلتقي وتتقاطع مصالح دولهامع خطط السياسيين الأتراك من جهة ومع فايز السراج وحكومة الوفاق ومكوناتها من جهة ثانية؟.

وقبل ذلك ماهي تفاصيل مواقف الدول المغاربية من فرقاء الصراع في ليبيا (معسكر الكرامة – أنصار القذافي – ثوار فبراير) ولماذا هناك اختلاف في التحفظات تجاه الجنرال المتقاعد والذي طالما أبدى مواقف منزعجة من الدول المغاربية؟

تالدول المغاربية الأربع والتي يجمعها مع ليبيا ماضِ من عدم التنسيق في ما بينها وهي تدفع دوما فاتورة “تكلفة أللامغرب”، وهو الامر الذي حكم سابقاعلى “اتحاد المغرب العربي” بالفشل والغياب الفعلي بما في ذلك “الرسميات البروتوكولية”منذ سنة 1994.

وها هي اليوم لم تستطع الوصول إلى موقف موحد واضح بخصوص ما يجري في ليبيا منذ 2014، كما أن سياسات البلدان المغاربية الخارجية تتأثر باستمرار بعوامل إقليمية متعددة.

ولكن إمكانية أو “بعبع”تحوّل ليبيا إلى “سوريا جديدة” سيخلق لبلدان الجوار وخاصة المغاربية منها مشاكل أمنية خطيرة، فهل سيضطرها كل ذلك إلى التحالف فيما بينها ويحرك ديبلوماسياتها خاصة بعد تواصل الاتراك بزعمائها ومحاولة جذبهم أو توظيفهم أو التكامل معهم.

ثسابقا خيرت الدول المغاربية الصمت أو التحرك السلبي من حيث النتائج والتأثير، ولكنها حاليا تبدو قلقة جدا من إمكانيات ومخاطر وصول حفتر منتصر عسكريا الى المثلث الحدودي بين تونس والجزائر وليبيا.

ومعلوم أنه سبق لمستشارين عسكريين وأمنيين تونسيين أن نبهوا الرئيس التونسي السابق والراحل الباجي قائد السبسي سنة 2015 من مخاطر ذلك على تونس والجزائر.

2- تونس، فاعلية مستقبلية مرتقبة رغم الارتباك الحالي

ألاحظ كل المتابعين أن الرئيس التونسي”قيس سعيّد” قد أكد خلال كلمته بمناسبة السنة الجديدة، إن مرجع بلاده بشأن ما يجري في ليبيا هو “القانون وليس أزيز الطائرات”، وعمليا بدت الرسالة موجهة بالأساس إلى حفتر، وتم التأكيد لاحقا على نفي كل التأويلات بشأن وجود تحالف عسكري “تونسيتركي”.

ولكن “سعيّد” أكد أيضا أن “الشرعية الدولية هي المرجع، ولكن يجب الانتقال إلى شرعية ليبيةليبية”، مع أنه دعا غداة انتخابه الى مبادرة “إعلان تونس للسلام”، وقد ركز أخيرا على “شرعية ليبية ترتكز على مشروعية شعبية”، وهي رسائل تونسية للتأكيد أن الدعم متواصل للسراج باعتبار أنه مدعوم دوليا وأمميا.

ب تونس ستكون مضطرة إلى التعامل البراغماتي والى الحذر الكبير في التعاطي مع التطورات إضافة للبحث عن فاعلية مستقبلية تنهي حالة الارباك المؤقت لدبلوماسيتها،والثابت أن دعم حكومة الوفاق أمر مسلم به.

ترغم أن الوضع الأمني في تونس لا يزال هشًا فان البحث عن دور أكثر فعالية في دعم حكومة الوفاق وفي دعم اجراء مصالحة بين الفرقاء الليبيين لم ولن يمنع تونس في مواصلة انتقاد قتل المدنيين ومنطق الاعتداء والعدوان وأيضا في رفض الاطصفافات الإقليمية.

والثابت أن الرئيس التونسي وعلى عكس ما يعتقد البعض له رؤية ومشروع ومبادرة يعمل عليها منذ مدة بناء على شروط ومحاذير وسط وضع إقليمي متطور ومتغير والأمر ستتوضح معالمه الكبرى بعد توضح المصادقة على الحكومة خلال الأيام القادمة.

3- الجزائر، البلد الوازن سياسيا وعسكريا في أي حل

أكانت الجزائر أكثر الدول المغاربية وضوحا في رفضها لسياسات ومواقف الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر”، وليست القصاصة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية بداية العام الجديد (حذفتها فيما بعد) سوى تأكيد على هذا الموقف عندما وصفت عملياته بـ”العدوان العسكري.

ويتذكر المتابعون أنه خلال بزوغ نجم “حفتر” في مواجهة حكومة الوفاق، زار وزير جزائري مناطق في الجنوب التقى خلالها قيادات عسكرية غير موالية له، وهو ما دفع حفتر يومها إلى انتقاد هذه الزيارة واعتبارها “انتهاكاً لسيادة ليبيا.

كما أن حفترعندما استقبل في الجزائر منذ سنوات تم الاشتراط عليه أن يأتي بلباس مدني، والثابت أن حفتر لم يكن ليذهب للجنوب الليبي ويعقد اتفاقات ويخوض معارك لولا الازمة السياسية الجزائرية الداخلية، إضافة الى أن عدوانه على العاصمة جاء يومين فقط بعد استقالة “بوتفليقة” من الرئاسة.

بفي آخر تصريحاته قال صبري بوقادوم وزير الشؤون الخارجية الجزائري أن بلاده “لا تقبل بوجود أي قوة أجنبية مهماكانت”، وجدد الوزير الجزائري التأكيد على أن “لغة المدفعية ليست هي الحل وإنما الحل يمكن في التشاور بين كافة الليبيين وبمساعدة جميع الجيران وبالأخص الجزائر”، وكشف “بوقادوم” أن الجزائر “ستقوم في الايام القادمة بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية ما بين الليبيين فقط”.

تمعلوم أن الجزائر كانت منذ أشهر منشغلة أكثر بوضعها الداخلي، وهو الأمر الذي قلّل من وتيرة اهتمامها بالعمل الديبلوماسي، لكن مع وصول تبّون للرئاسة ومباشرة حكومة جديدة لعملها نهاية الأسبوع الماضي، فالجزائر ترغب عمليا باستعادة حيويتها في الفضاء الإقليمي، وبشكل آلي في ليبيا وهو ما كانت الجزائر واضحة بشأنه في بلاغ مجلس الامن الوطني.

ثالثابت أن عقيدة الجيش الجزائري واضحة في رفض المشاركة العسكرية خارج الحدود، ولذا فإن الجزائر ستركز أكثر على الدعم السياسي لحكومة السراج.

ولكن السؤال هل أن الجزائر حتى وان كانت لا تُساند التدخل العسكري التركي علانية، فهل ستعارضه فعليا؟ خاصة وأن تقارير تؤكد هذا الطرح بل إنه من المحتمل أن يكون “أردوغان” قد تواصل مع الجزائر، نتيجة علاقاتها القوية معها، قبل أن يعلن مشروعه إرسال قوات إلى ليبيا، خاصة في ظل الحديث عن توجيه دعوة من تبون له لزيارة الجزائر وبلوغ الاستثمارات التركية في الجزائر 5 مليار دولار سنويا.

جمن يعتقد أن الجزائر ستبقى صامتة وأنها ستكون خارج أسوار الحل في ليبيا فهو واهم وغير مستوعب للتاريخ وللجغرافيا وللسياسة، بل أن استراتيجيتها بدأت في الفعل والتأثير والديناميكية سواء من خلال استقبال السراج ووزير الخارجية التركي أو أيضا من خلال خطوات أخرى ستتوضح معالمها قريبا بل وستغير جزء من المعادلات القائمة في المنطقة.

4- المغرب أو البلد الملم بالملف وأبجدياته

أ عمليا يُظهر المغرب تحفظاً كبيرا في التعاطي مع الشأن الليبي رغم أنه احتضن مباحثات “الصخيرات” التي أفضت إلى ولادة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برعاية أممية ولكن ذلك التحفظ لا يعني عدم وجود فاعلية وديناميكية استثنائية في الفعل والتأثير.

ب رغم أن التصريحات المغربية قليلة جداً في الشأن الليبي، فهي تعكس عمليا استمرار تشبت الرباط بحكومة “الوفاق”، ومن آخر التصريحات ما أدلى به وزير خارجية المغرب “ناصر بوريطة” من أن “اتفاق الصخيرات كان ولا يزال اتفاقًا جيدًا، وأن تكاثر المبادرات حول الأزمة يؤدي إلى تنافر بينها”.

والثابت أيضا أن المغرب لا يزال البلد العربي الوحيد القادر على مسك الملف نتاج المام دبلوماسيته بحيثياته وتفاصيله ونتاج علاقاته الممتدة بكل الفاعلين الدوليين والاقليميين فيه ونتاج أنه كبلد محل تراض وتوافق بين المحور الإقليميين المتصارعين.

ت الثابت أن الدعم المغربي للسراج سيتواصل، وقد يصل حد الدعم المادي واللوجيستي، لكن الرباط ستزيد من حذرها لأن الرباط تدرك أن الملف الليبي معقد وأن الأزمة مرشحة للاستمرار سنوات أخرى، وبالتالي فالوضع لا يحتمل أيّ مخاطرة، ومن المنتظر أيضا أن يدعم المغرب أي مبادرة تونسية في المرحلة القادمة.

5- هل من الممكن أن يتم الوصول لتنسيق مغاربي؟

ألا يُمكن للبلدان المغاربية تجاهل الموضوع الليبي أو التعاطي معها بالآليات والطرق السابقة أو الحالية، خاصة أن زيادة التوتر في ليبيا يهدّد هذه البلدان أمنياً، والدليل على ذلك أن أول جلسة للمجلس الوطني للأمن في عهد الرئيس الجزائري عبد العزيز تبّون خُصصت لاتخاذ تدابير لحماية الحدود الشرقية، خاصة المشتركة مع ليبيا.

كما أن تونس أعلنت بدورها زيادة تأمين الحدود مع ليبيا وبدأت الاستعداد لموجة نزوح من الأراضي الليبية، فالبلدان المغاربية تدرك أنها ستدفع ضريبة باهظة لموجات من اللاجئين.

 ب ليس هناك حتى الآن أي تنسيق بين البلدان المغاربية لأجل حلٍ دبلوماسي يحاصر حفتر رغم تحفظاتها جميعا على ما آتاه ويأتيه، والثابت أن الخلاف المغربيالجزائري قد عطّل عمليا أي اتفاق مغاربي ممكن، وجعل كل واحدة منهما تتخذ طريقها الخاص لحل الأزمة الليبية، إذ ركز المغرب على المحادثات الأممية، فيما ركزت الجزائر على اجتماعات دول الجوار الليبي وعلى الاجتماعات الإفريقية.

ت من الصعب جدا ـ وان كان ليس مستحيلا ـأن ينسق المغرب والجزائر في المستقبل القريب بسبب التراكمات التاريخية واستمرار المواقف المسبقة، ولكن الثابت أن “تونس والجزائر”من جهة و”تونس والمغرب” من جهة ثانية تبدوان أقرب إلى تنسيق بينهما، فهل تستطيع تونس بلورة مبادرة مغاربية والقفز على تعطيل الاتحاد المغاربي منذ 1994، وهل يكون مؤتمر برلين، فرصة للدول المغاربية، حتى وإن لم تحضر إليه، لإنهاء التوتر ورفع أسهم السراج؟

سؤال يحمل إجابات صعبة، فالمؤتمر مهدد بالفشل قبل أن يبدأ، بسبب تحديات متعددة منها تضارب وجهات نظر الدول الأوروبية، والصراع الأمريكيالروسي على المصالح في ليبيا، ووجود عقبات أمام مشاركة فعالة للدول العربية المنقسمة حيال المشهد الليبي.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة