هل ينجو حفتر من الفخ الذي نصبه لنفسه منذ الأيام الأولى

بقلم عاشور الشامس

منذ أن أخذ خليفة حفتر علي عاتقه هدف السيطرة علي مدينة طرابلس كهدف عسكري استراتيجي، وضع حفتر الخطوات الأولي في طريق لا رجعة فيهإما اجتياح العاصمة وإما الموتووقع حفتر في ورطة أو فخ لا سبيل للخروج منه.

أكد حفتر ذلك لي ولزميل آخر في أواخر ديسمبر 2013 في لقاء خاص جمعنا به في طرابلس.. وكنا طلبنا الإجتماع به لأنه أصبح مثيرا للجدل في ليبيا. وكان يتنقل فيها ببضع مئات من قدامي الجنود وبعض العربات والمعدات. وكان الملاحظ عليه آنذاك أنه كان عامل تنغيص وعدم ارتياح للكثيرين، حيثما حل لا يثير إلا الشوشرة والمشغابات. أي أنه مشاغب لم يثر حتى اهتمام الحكومة آنذاك.

وكانت تربطنا بخليفة حفتر علاقة تعود الى سنة 1987 عندما وقع أسيرا في يد التشاديين، وأختار حفتر أن يلتحق بالجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، التي كنا ننتمي إليها، كمعارض لنظام القذافي. وكالكثيرين في تلك الفترة (2013)، كان لدينا فضول كبير للتعرف على ما لدي خليفة حفتر من نوايا وخطط، وكان اجتماعنا به من منطلق تقديم النصح له بما يخدم ثورة فبراير.

فأشار حفتر في ذلك اللقاء الى ان الحكومة لم تعد قادرة على حكم البلاد، وأن المؤتمر الوطني العام فشل في القيام بواجباته. وأكد أن الجيش في صفّه وأن أعدادا كبيرة من الناس ستصطف الى جانبه. وكذلك الكثير من الثوار، وبعض العناصر الإسلامية – فيما عدا الإخوان المسلمونوالمتطرفين يؤيدونه كذلك. وأضاف أنه سيشكل مجلسا من أعيان القبائل يكون بمثابة البرلمان.

وأفصح حفتر عن نيته بالإعلان قريبا عن مشروع عسكري يهدف إلى توحيد الجيش والتصدي للمليشيات الإرهابية كما وصفها. وكان حديثه مركّزا حول عمل كبير سيعلن عنه في يناير 2014. وهذا ما قصده بظهوره في بيان إنقلابي على القناة السعودية العربيةمن دبي في شهر فبراير 2014، أعلن فيه عن تجميد عمل الحكومة والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) والإعلان الدستوري.

وكان أن أعلنت الحكومة آنذاك ردا على ذلك البيان بوصفه إنقلاب تلفزيونيوأنها لا تعترف بخليفة حفتر وسوف تسعى للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة.

في تلك الفترة لم يكن يخطر ببال حفتر هيكل يقال له الكرامة، الذي لم يعرف النور الا بعد شهور من ذلك اللقاء، ولا جيش يعرف باسم الجيش الوطني الليبي، ولا مؤسسة يقال عنها البرلمان، الذي لم يُنتَخب الا في يونيو 2014.

كان حفتر في ذلك الحين لا يشكل سوى قوة تعد بالمئات، ولا يملك قاعدة ينطلق منها، بل هو ميليشيا ككل المليشيات المنتشرة في مختلف نواحي البلاد. وقد حاول استقطاب عدة مدن وقبائل في غرب ليبيا وعلى رأسها ترهونة – جنوب شرقي طرابلس التي هي أصل قبيلة الفرجان التي ينتمي اليها حفتر، ولكنه أخفق.

ورغم ذلك استمر حفتر في رحلته المكوكية عبر ليبيا حتى استقر به المقام في بنغازي. ولكن خلال تلك الفترة لم يأخذه أحد مأخذ الجد، بما في ذلك حكومة علي زيدان الي سخرت منه ومن تصرياتحه، ولم يأبه به أحد.

لقاؤنا به سبق معارك بنغازي ودرنة بأشهر ولم يكن متوقعا زحفه على العاصمة في ابريل 2019. ولم يكن حفتر ليقوم بأي من جرائمه في بنغازي ودرنة والجنوب، وحاليا في طرابلس، لولا الدعم الذي تلقاه من الإمارات ومصر والسعودية وغيرها من الدول الداعمة له.

خليفة حفتر هو من

  • لا يعترف بحكومة الوفاق في طرابلس، ولا يعترف بشرعيتها. وفي رأيه أن من يحكم طرابلس هم المليشيات والارهابيون.

  • لا يري الا الحل العسكريوغير مقتنع بالتخلي عن الحرب.

  • لا يعترف بالعملية السلميةولا يعترف بحل سياسي او عملية سياسية.

  • في رأيه أن من يحكم طرابلس هم المليشيات والارهابيون وعناصر داعش وليس هناك حكومة شرعية في طرابلس.

  • هدفه الأول هو احتلال طرابلس بقوة السلاح وتحريرهامن الإرهابيين والمليشيات والإطاحة بالحكومة وجميع المؤسسات السياسية والمدنية فيها، وتأسيس حكم عسكري يسيطر سيطرة كاملة على البلاد.

الحرب أم السلام

  • إذا قَبِل حفتر بالسلام فهذا يعني إيقاف الحرب، ولكن الحرب هي الهدف الأول والوحيد في استراتيجية حفترلأنها ستمكّنه من احتلال طرابلسواذا استمر في الحرب فهو يسير في اتجاه الهزيمة. عملية انتحارية. هذا هو لب المأزق الذي وقع فيه حفتر والذي لا مفرّ له من السير فيه لوجود تناقض مزدوج أصيل في استراتيجيته العسكرية، ناهيك عن السياسية.

  • هو لا يقبل بالسلام لأن ذلك لا يحقق هدفه الأول والأساس وهو احتلال طرابلسولا يستطيع اجتياح طرابلس لأنه لا يملك القوة

  • اذا قَبل بإيقاف إطلاق النار فهذا معناه إيقاف الحربواذا أوقفت الحرب معنى ذلك الحل السلميوهو الهزيمة !!

  • حفتر ليس له أي كيان او تنظيم سياسي، وما كان يعرف بالنخب السياسية او الثقافية في بنغازي كاد أن يقضي عليها أو يسحقها أو يخرجها من ليبيا.. فــ الكرامةهي خليط من فلول جيش القذافي المتقاعدين الذي لا وجود حقيقي له منذ أوائل الثمانينات، ومجموعات قبلية انتهازية، ومجموعة عناصر ميليشياوية لا تربط بينها سوى المصالح الخاصة والطمع في المال والنفوذ. وهذا ما أسماه جزافا الجيش الوطني الليبي“.

  • أصبح حفتر حصان طروادةللإمارات ومصر والسعودية وغيرها من الدول الأخرى. وبرهن المرة تلو المرة على عدم أهليته أو قدرته على القيام بهذا الدور. فهو أداة فاشلة لتحقيق ما يصبو اليه مؤيدوه وما تخطط له القوى الإقليمية والدولية، التي تتمترس من ورائه، من برامج وطموحات وتراتيب عسكرية وجيوسياسية في المنطقة.

  • وتتلخص هذه الطموحات والتراتيب في القضاء على أي وجود لما عرف منذ 2010 بالربيع العربي، والعمل على تأسيس ودعم دكتاتوريات” – عسكرية أو غير عسكرية في أكبر رقعة من العالم العربي، حفاظا على الوضع الراهن قبل عام 2010 ودعمه مهما كلف ذلك من أرواح وأموال ووقت وطاقات وإمكانيات . وكان في مقدمة الدول التي تصدّرت لذلك الهدف دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية (وهو ما عرف بمحور الشر العربي)، ومن خارج المنطقة، فرنسا وروسيا. وقد كان في مقدمة الدول المستهدفة ليبيا وتونس والسودان والجزائر ولبنان.

  • برهن حفتر بما لا شك فيه أنه غير صالح ولا مستعد للدخول في عملية سياسية في ليبيا. بل أن فايز السراج، زعيم حكومة الوفاق في طرابلس المعترف بها دوليا، وبعد محاولات متعددة من اللقاءات تزيد عن سبع لقاءات مع حفتر منذ 2015، اضطر في أوائل 2019 الى أن يقتنع بأن حفتر لا يحترم العهود والمواثيق.

  • وقد صرح حفتر وأعوانه في أكثر من مرة أنه مستمر في الحرب ولا يبحثون عن حل سياسي، ولا توجد تسوية سلمية أو سياسية مع الحكومة الشرعية في طرابلس. وتحدى بذلك المجتمع الدولي بشكل صارخ، حيث أنه مشلول وغير قادر على إنتاج حلول سلمية.

  • ويتساءل العديد من المحللين والمراقبين حيال ما يسمى المجتمع الدوليومواقفه المتخاذلة والمتناقضة تجاه الحالة الليبية. فهناك من يذهب إلى تفسير ذلك بأنه خطة طويلة المدى لإنهاك القوى العسكرية في المنطقة الغربية وتمكين حفتر من الدخول الى طرابلس والإستيلاء علي السلطة فيها. فبالرغم من جرأته الصارخة ومجاهرته الرعناء برفض الحلول السلمية، وتنكّره للعملية السياسية، فهو يزداد قوة يوما بعد يوم، ويلقى مزيدا من الدعم السياسي والعسكري واللوجيستي. وهذا الذي لا يمكن تفسيره إلا بأنها عملية استنساخ لمعمر قذافي جديديستلم ليبيا.

  • لا شك أن تدخّل تركيا في أواخر عام 2019 أربك جميع القوى الأخرى وأعاد التوازن الى المنطقة. فهرع الأوروبيون – الذين لا يليق لهم بروز تركيا في الساحة، والذين لا تتحمل استراتيجياتهم تحرك تركيا التي صاروا يخشونها خارج حدودها ـ الى برلين (19 يناير 20) للإستحواذ على مبادرة تركياروسيا (13 يناير 20) لإحلال السلام في ليبيا. واشتاط حفتر وحلفاؤه غضبا فزادوا من تعميق الهوة، ورفع درجة العدوان على طرابلس، والتورط أكثر في فخ اجتياحها، برفض قبول وقف إطلاق النار. وأكد معسكر حفتر أن الحل في البندقية، وأن حضورهم للملتقيات الدولية التي تعقد هنا وهناك ما هو إلا لمجرد الإستماع فقط، وليس بحثا عن حلول سياسية. وهكذا يستمر مشروع حفتر الإسترايجي لاجتياح طرابلس.

أيــــن الحــــل ؟

والآن، وبعد وصول قوات حفتر الى تخوم طرابلس ومصراته، وبعد ضمان وصول الإمدادات الجوية والأرضية من حلفائه المخلصين، ماذا بوسع السلطة في طرابلس ومصراته والمنطقة الغربية، أن تفعله؟

  • من الواضح أن حفتر مُصرّ على الإستمرار في الحرب حتى آخر جنجويد لتحقيق مطمعه الوحيد وهو أن تصل دباباته الى قلب العاصمة عاجلا أم آجلا، ومهما كان الثمن.

  • القوات في المنطقة الغربية لديها القوة القتالية والإرادة الدفاعية عن طرابلس وغيرها من المدن الأخرى، ولكن ليس بدون امدادات وخبرات إضافية عسكرية متواصلة. وهنا سيكون للمساهمة التركية حسب المذكرة التي وقعها الطرفان أخيرا – دورها الحاسم في الصراع.

  • على حكومة الوفاق الإتعاظ بالدور المنوط بها، وأن تكون على مستوى مسؤليتها، وتتحملها أمام العالم، بقيادة وتوحيد المعسكر المتصدى لحفتر بجدارة. فعليها أن تعيد النظر في أسلوب إدارتها للمعركة. فينبغي أن تكون حكومة حرب“. وحكومة الحرب تحتاج الي إدارة عسكرية تتفاعل مع الأحداث والتطورات في ميادين المعركة. ومن المطلوب أن يكون لها وزير دفاع مؤهل، وأركان حرب عسكري من ذوي الخبرة والتجربة. وأن يغذى وزراؤها بعناصر مهنية قادرة على توحيد الصفوف وجمع الطاقات، وضم الجماعات المسلحة في المنطقة الغربية تحت مظلة عسكرية واحدة تخضع للجيش.

  • ولعلنا نأخذ العبرة مما جرى في المنطقة الشرقية. فقد ظل حفتر يقاتل لمدة تقترب من أربع سنوات قبل أن يسكت مدافع خصومه. وها هو اليوم يسيطر عليها بالرعب والترويع وبالحديد والنار. وإذا قُدّر له أن يدخل طرابلس فسيحكمها – كما حكمها القذافي من قبل – قسرا وإكراها ورغم أنوف سكانها المغلوب على أمرهم.

***

عاشور الشامس ـ إعلامي ليبي ـ المشرف العام ورئيس التحرير ـ موقع منبر ليبيا و(Libya Tribune)

ashamis786@gmail.com

___________

مواد ذات علاقة