بقلم محمود جمال

هذا التقرير يخلص إلى أن احتمالية التدخل العسكري البري للقوات المصرية في الداخل الليبي بشكل أكبر في الفترة المقبلة أصبحت كبيرة، خاصة بعد طلب عقيلة صالح من الجيش المصري للتدخل في ليبيا أمام البرلمان المصري.

الجزء الثالث

الجدير بالإشارة هنا انه قبل القصف المصري على مدينة درنة وفي 17 مايو 2017م، قام رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق محمود حجازي ورئيس اللجنة المعنية بمتابعة الشأن الليبي سابقاً بأول زيارة له الي الداخل الليبي، حيث زار الفريق محمود حجازي مدينة بنغازي شرقي ليبيا والتقى بخليفة حفتر.

ذكرت وكالة الأنباء الليبية في بنغازي، أن “وفداً يضم رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمود حجازي ومدير المخابرات الحربية اللواء محمد الشحات جاء لتقديم التهنئة بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة الكرامة التي انطلقت لتحرير البلاد من قبضة الجماعات الإرهابية المتطرفة”.

ونقلت الوكالة عن مصادر عسكرية ليبية أن طائرة عسكرية خاصة حطت في مطار بنينا الدولي ببنغازي وعلى متنها الوفد الذي اتجه على الفور إلى مقر القيادة العامة في منطقة الرجمة.

 ولذلك يري البعض أن الضربة العسكرية التي قامت بها القوات الجوية المصرية كان معداً لها مسبقاً وبترتيب وبتنسيق بين الجانب المصري وميليشيات حفتر ، وبرز هذا التنسيق في زيارة الفريق محمود حجازي الي بني غازي ولقاؤه بحفتر قبل الضربة بعدة أيام.

في تلك الأثناء، كانت القوات التابعة لخليفة حفتر تحاول التمدد في الجنوب الليبي، ولكنها قوبلت بمواجهة شرسة من القوات التابعة لحكومة الوفاق.

فمع بداية شهر مايو 2017م، رأينا ان القوات الموالية لحكومة طرابلس وبعض من المجموعات المسلحة الأخرى أصبح لها أداء قوي وفعال وتحديداً في الجنوب الليبي، وأنها أصبحت تحقق مكاسب على الأرض وكانت آخر المعارك التي كبدت فيها تلك القوات للقوات التابعة “لحفتر” خسائر كبيرة كان الهجوم على القاعدة الجوية في الجنوب الليبي “براك الشاطئ” والذي نفذته القوة الثالثة التابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني، ومجموعات مسلحة أخرى، وكانت حصيلة القتلى من قوات” حفتر” في ذلك الهجوم 141 شخصا.

 فاستغل النظام المصري بمعاونة الطيران الإماراتي حادث حافلة المنيا لتوجيه ضربات في الجنوب كتغطية جوية لتمدد قوات حفتر في المناطق الجنوبية.

لذلك لم تقتصر الهجمات المصرية على ضرب مناطق في الشرق الليبي فقط في تلك الأثناء، بل امتد القصف إلي مناطق في الجنوب أيضاً، حيث قصفت طائرات حربية مصرية وإماراتية فجر يوم الأحد الموافق 28 مايو 2017م، مدينة هون جنوبي ليبيا.

وكشفت مصادر محلية ليبية أن طائرات حربية مصرية أو إماراتية ، أغارت على مواقع مدنية في مدينة هون بمنطقة الجفرة، انطلاقاً من مطار راس لانوف العسكري الذي تسيطر عليه قوات حفتر، وأضافت أن مخزن ذخيرة لقوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الوطني “السراج” تعرض بدوره للقصف، مما أدى إلى انفجار الذخائر الموجودة في المكان المستهدف.

وبعد الضربة الجوية التي نفذتها القوات الجوية المصرية في مايو 2017م، قام الجيش المصري بإرسال قوات برية مصرية الي الداخل الليبي، حيث قالت بعض المصادر العسكرية إن وحدة من القوات الخاصة المصرية وصلت بالفعل إلى معسكر لملودة بالقرب من مدينة درنة وشاركت في العملية العسكرية التي اقتحمت مدينة درنة.

وأعلنت مصادر أمنية أخري وصول قوات خاصة من وحدات المظلات والاستخبارات العسكرية المصرية لمعسكر القبّة وشاركت أيضاً في العمليات العسكرية التي شنتها قوات خليفة حفتر على مدينة درنة.

يؤكد ذلك أيضاً ما قاله عصام الزبير المحلل السياسي الليبي، عن وجود قوات مصرية برية بمعسكر لملودة الليبي شاركت في الهجوم على مدينة درنة، مؤكداً أن شخصيات مقربة من حفتر أفصحت عن تلك المعلومات، 

جدير بالذكر أن عقيلة صالح رئيس ما يسمي ب “مجلس النواب الليبي بطبرق” صرح قبيل عملية تحرير درنه ببعض التصريحات التي تؤكد المشاركة المصرية في تلك العمليات.

حيث صرح “عقيلة” في  تاريخ 12 فبراير 2018 لاحدي الصحف المصرية المحسوبة على نظام السيسي بأنه سيتم قريباً تحرير مدينة درنة الليبية المتواجدة بالشرق الليبي وهذا سيكون بالتنسيق مع السلطات المصرية لأن العملية العسكرية التي ستنطلق تهم مصر كي لا تفر مجموعات إرهابية إلى الأراضي المصرية في ظل وجود متطرفين في درنة.

جدير بالذكر أيضاً أن قاعدة محمد نجيب العسكرية المتواجدة في مدينة الحمام بالنطاق الاستراتيجي الشمالي للدولة المصرية تعتبر أهم قاعدة تدريبية تتلقي فيها قوات خليفة حفتر التدريبات العسكرية المتقدمة.

3: الدور المصري في معارك الغرب الليبي

في شهر سبتمبر 2014م، أي بعد بداية عملية الكرامة بشهور قليلة، أعلن المؤتمر الوطني العام في ليبيا أن لجنة التحقيق في حادثة القصف الجوي الذي تعرضت له العاصمة طرابلس في أغسطس 2014م. قدمت تقريرها للمؤتمر الوطني، وأكد التقرير تورط الإمارات ومصر في قصف طرابلس.

 وفي سياق متصل، وتحديداً في 23 أغسطس 2018م، اتهمت قوات “فجر ليبيا” الإمارات ومصر بشنّ غارات جوية على طرابلس، فيما تمكّنت قواتها من السيطرة على مطار العاصمة.

وقال متحدث باسم قوات “فجر ليبيا”، في بيان تلاه أمام صحافيين في طرابلس، إن “الإمارات ومصر متورطتان في هذا العدوان الجبان”، في إشارة إلى الغارات الجوية على طرابلس، كما اتهم الحكومة المؤقتة والبرلمان بالتواطؤ في الغارات.

بعد سيطرة حفتر علي أراضي المنطقة الشرقية بشكل كامل، أعلن بتاريخ 04 أبريل 2019م عن إطلاق عملية “طوفان الكرامة”، لتحرير العاصمة طرابلس ممن سماهم “الإرهابيين والمتطرفين”.

ولم يكن النظام المصري ببعيد عن تلك العملية أيضا؛ وما جاءت تلك العملية إلا بعد قرار مصري إماراتي فرنسي وبدعم كامل من تلك الدول.

أما بخصوص التدخل المصري الآن في المعارك الجارية في محيط العاصمة طرابلس، فإن الطيران المصري يقوم بعمليات استطلاع ورصد أهداف من خلال طيران الاستطلاع الحربي المصري؛ بل وكما نقلت مصادر أن الطيران الحربي المصري قام بشن غارات جوية على بعض الأهداف في محيط مطار طرابلس، بالمشاركة مع الطيران الحربي الإماراتي.

وجدير بالذكر هنا أن شعبة الإعلام الحربي التابعة لخليفة حفتر، نشرت في شهر ديسمبر 2019م، فيديو ظهر فيه مدرعات مصرية جديدة بحوزة “مليشيات خليفة حفتر”. هذه المدرعات تعد أحدث المشاريع المشتركة بين الهيئة العربية للتصنيع وشركة “المجموعة المدرعة” الأمريكية.

هذه المدرعات المصرية الصنع ظهرت لأول مرة في معرض “إيديكس-2018”، الذي أقيم في مصر ولكنها ظهرت في ليبيا خلال شهر ديسمبر 2019م، خلال عرض عسكري لمليشيات “حفتر ” يظهر التجهيزات والمعدات الجديدة التي تحصلت عليها التي ستستخدمها في المعارك العسكرية.

هذه المدرعة لم تدخل تسليح الجيش المصري لأنها جديدة ولا زالت في طور الإنتاج، وضمن مشروعات مصرية لإنتاج عربات مدرعة محلية الصنع.

وفي سياق متصل ذكر موقع “تيك دبكا” الإسرائيلي أن الجيش المصري نقل دبابات تي72 وناقلات جنود مدرعة إلى ليبيا في شهر ديسمبر 2019م، كما وضع سلاح الجو المصري في حالة تأهب لوقف التدخل العسكري التركي في مدينة طرابلس.

وقال موقع “تيك دبكا” إن عمليات نقل السلاح جاءت بأوامر من السيسي، يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر، بهدف دعم قوات مليشيات خليفة حفتر التي تشن هجوما على العاصمة طرابلس، وقال الموقع أن السيسي أمر الجيش المصري بمحاولة مساعدة ميليشيات حفتر لحسم معركة طرابلس، بعد أن أعلنت أنقرة أن تركيا تدرس نقل قوات عسكرية تركية إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق الشرعية

 زيارة خليفة حفتر الى القاهرة التي أجراها أواخر شهر ديسمبر 2019م، واجتماعه بالسيسي جاءت لتنسيق العمليات الجوية التي يقوم بها الطيران الحربي المصري على بعض الأهداف في العاصمة طرابلس، بالإضافة الي تهديد أهداف بعينها تشارك فيها الطائرات الحربية الإماراتية المتواجدة في القواعد العسكرية المصرية وداخل الأراضي الليبية.

لم يتخذ النظام المصري إلي الآن قرار مشاركة القوات البرية المتواجدة في الغرب الليبي في المعارك البرية الدائرة الأن في العاصمة طرابلس، ولكن إطالة أمد المعركة قد تدفع النظام المصري إلى اتخاذ قرار بالمشاركة البرية كما فعل في حسم الأوضاع لصالح حفتر في المنطقة الشرقية.

والذي جاء بعد ثلاث سنوات من المعارك في المنطقة الشرقية، واتخذ نفس الأسلوب الذي يتبعه الآن في معارك الغرب: مشاركة جوية أولاً، ثم مشاركة بقوات على الأرض. ولكن طبقاً للدور الوظيفي الذي يقوم به الجيش المصري، فإنه ينتظر القرار الدولي والإقليمي الذي يقوم بتوظيفه ويقرر له المشاركة في المعارك.

ثالثاً: خلاصات واستنتاجات

التدخل العسكري المصري في ليبيا يندرج تحت الدور الوظيفي لمصر في الاستراتيجيات الأمنية الدولية في المنطقة، وأن النظام العسكري الحاكم في مصر يراهن على أهمية ومكانة الدور المصري، وتحديداً الجيش المصري، في القيام بهذا الدور بغض النظر عن توافقه أو تعارضه مع المصالح الوطنية المصرية، حيث لا يهتم فقط إلا بما يخدم استقرار واستمرار النظام.

يروج السيسي أن سياسته تجاه ليبيا هي سياسة استراتيجية تهدف لتعزيز الأمن القومي المصري وضمان عدم وصول مسلحين داخل مصر من ناحية الحدود الغربية لتنفيذ عمليات داخل الدولة المصرية قد تتسبب في هز أركان حكمه.

ولكن من ناحية أخري، فإن سياسة السيسي تجاه ليبيا تأتي في سياق تعزيز أركان حكمه، من حيث ضمان عدم وصول الإسلاميين للحكم في ليبيا؛ ويشارك السيسي في ذلك النظام الإمارتي بقيادة محمد بن زايد والنظام السعودي بقيادة محمد بن سلمان.

لذلك فالسيسي والمحور الإمارتي السعودي الفرنسي الروسي يعملون على الحسم العسكري لصالح خليفة حفتر، ولا يرغبون في اي عملية سياسية تتيح لحكومة الوفاق اي تواجد داخل الدولة الليبية.

تشهد الأوضاع الآن في ليبيا، 2020، تطورات عسكرية هامة على الأرض. حيث تتقدم ميليشيات حفتر مدعومة من مصر والإمارات وروسيا وفرنسا نحو العاصمة طرابلس وتحاول أن تحيط بالعاصمة من كل الاتجاهات، وهناك معارك “كر وفر” متكررة على طريق مطار طرابلس.

ومن ناحية أخرى، تبدو قوات فايز السراج متماسكة، وإذا تم صد هذا الهجوم، فالتطورات على الأرض ستختلف.

يجب أن تتحول قوات السراج من الدفاع الي الهجوم، حتى ترغم مليشيات حفتر على العودة الي داخل أراضي الشرق الليبي مرة أخري، وتتحول المعارك الي المنطقة الشرقية؛ ولكن تبقي إمكانيات وقدرات قوات السراج العسكرية هي الحاكمة حتى يتم ذلك التحول في المعارك من الغرب الي الشرق.

التدخل التركي الي الأن محدود، فالدولة التركية أرسلت فقط العشرات من جنودها للداخل الليبي، بجانب بعض المساعدات العسكرية.

ومن الواضح أنه لا يوجد أي أفق للحل السياسي، وانسحاب حفتر مؤخراً من روسيا وعدم توقيعه على اتفاقية وقف إطلاق النار مؤشر لذلك، بجانب أن مليشيات حفتر كسرت اتفاق وقف النار الذي تم الإعلان عنه أثناء تواجد خليفة حفتر في روسيا.

فالأمور تشير أننا بصدد تصعيد عسكري بشكل أكبر، بين مليشيات حفتر وقوات المجلس الرئاسي.

التوقيت الآن في غاية الأهمية؛ وإذا تأخر التدخل الفعلي بالشكل المناسب الذي يراه الجانب التركي، ربما يقع السراج وقواته في مأزق كبير، فالجيش المصري والجانب الإماراتي الآن يقومان بإدخال مساعدات عسكرية بشكل أكبر لمليشيات حفتر؛

وقام الجيش المصري خلال شهر يناير 2019م، بمناورة كبري في الاتجاه الاستراتيجي الشمالي والاتجاه الاستراتيجي الغربي، “قادر 2020”. ويقوم بحشد القوات بشكل مكثف الآن في نطاق هذين الاتجاهين الاستراتيجيين قريباً من الحدود الليبية.

وهذا يشير الي احتمالية التدخل العسكري البري للقوات المصرية في الداخل الليبي بشكل أكبر الفترة المقبلة، وربما تصريح عقيلة صالح رئيس ما يسمي بالبرلمان الليبي في طبرق أثناء زيارته الأخيرة الي مصر يشير الى ذلك أيضاً، حيث أعلن من داخل البرلمان المصري أنهم قد يضطروا لدعوة الجيش المصري للتدخل في ليبيا.

***

محمود جمال ـ باحث، ومدير وحدة الرصد والتوثيق، بالمعهد المصري للدراسات .السياسية والاستراتيجية

___________

مواد ذات علاقة