وحدة الدراسات الاستراتيجية
انطلقت يوم السبت 22 فبراير/ شباط 2020 أعمال مؤتمر “ميليشيات وجيوش: تطورات الأداء القتالي والسياسي للحركات والمؤسسات المسلحة“، الذي تنظمه وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على مدى ثلاثة أيام، في مقره بالدوحة.
ويناقش المؤتمر مجموعة من الأسئلة البحثية المهمة على غرار: كيف حصلت ثورة في الأداء القتالي والأدوار السياسية؟ ولماذا حصلت؟ وما التداعيات الاستراتيجية المترتبة على هذا التغير في النمط التاريخي؟ وكيف سيؤثر هذا النمط في مؤسسات الدولة المسلحة وتصاعد ما يعرف بـ “الحروب الهجينة” في منطقة الشرق الأوسط وخارجها؟ وما تأثيرات ذلك في الاستقرار والإصلاح والدمقرطة وهوية الدولة وشرعيتها في هذه المنطقة؟
وقدم عمر عاشور، مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي، الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، كما ألقى محاضرة بعنوان “الصعود العسكري للتنظيمات المسلحة: حالة تنظيم الدولة داعش“. وحاول أن يقدم فيها تأطيرًا نظريًا عامًا لمختلف جلسات المؤتمر، ويطرح الأسئلة الفكرية والمنهجية التي تتعلق بموضوع صعود التنظيمات المسلحة التابعة للدول والخارجة عنها.
كما ركز على أسباب وظروف ونتائج تطور القدرات القتالية والفاعلية العسكرية للأطراف المسلحة ما دون الدول، وتأثير ذلك في موازنة القوى بينها وبين الأطراف المسلحة التابعة للدول (الجيوش بالأساس).
إثر ذلك قدم لاري غودسون المحاضرة الافتتاحية بعنوان “الحرب العظمى الأولى في القرن الحادي والعشرين: الحرب الهجينة من سورية إلى بحر الصين الجنوبي“. وطرح فيها ظاهرة الحرب الهجينة التي انخرطت فيها كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، عبر استخدام أطراف مسلحة ما دون الدولة في شكل وكلاء، من أجل تحقيق مصالح واضحة باستخدام كل الطرق الممكنة، بما في ذلك العنف المسلح.
كما حاول بيان أهمية تكتيك الحرب الهجينة وراهنيته في الصراع المسلح الحديث والمعاصر، وتأثيره في موازنات القوى العسكرية وفي شكل الصراعات المسلحة الدائرة ونتائجها.
الجلسة الأولى من المؤتمر، ترأسها الدكتور مروان قبلان، وكان محورها “عودة المتمردين؟ قدرات قتالية ضد أنظمة قائمة“، وشارك فيها أربعة متدخلين. كانت المداخلة الأولى لإلياس فرحات الذي قدم ورقة بعنوان “التكتيكات العسكرية للحوثيين“.
وقد طرح فيها ظاهرة الحوثيين في اليمن، وتطور قدراتهم العسكرية والقتالية والتنظيمية واللوجستية، من حيث هم ظاهرة مخصوصة مختلفة عن الجيوش النظامية من جهة، وعن التنظيمات المسلحة ما دون الدولة الأخرى الموجودة في العالم العربي من جهة أخرى.
واستنتج فرحات من ذلك أن الجغرافيا والموارد البشرية كانتا حاسمتين في تشكيل تنظيم الحوثيين وفي تحديد تكتيكاتهم القتالية.
أما المداخلة الثانية، بعنوان “تأثير روج آفا: الاستراتيجيات العسكرية المتغيرة لحزب العمال الكردستاني بعد إنجازاته في شمال شرق سورية“، فركز فيها متين غوركن على التغيرات الحاصلة في حزب العمال الكردستاني على مستوى أقلمة استراتيجيته السياسية والعسكرية، والتي ربطها الباحث بالأساس بروج آفا أو كردستان الغربية التي شهدت تعبئة عسكرية مهمة.
إثر ذلك بيّنت كيرستن براتوايت، في ورقة عنوانها “حرب الأنفاق: كيف تعزز الجماعات المسلحة فاعليتها القتالية؟“، الطرق المختلفة التي اعتمدتها التنظيمات المسلحة، ومن أهمها الأنفاق، من أجل تطوير قدراتها القتالية وتجاوز عوائق مخصوصة على غرار التمويل والعمليات اللوجستية.
كما نظرت الباحثة في رد فعل الدول على استعمال تقنية الأنفاق، ومختلف الصعوبات التي تواجهها الجيوش في التعامل مع ازدياد استعمال هذه التقنية بالخصوص في مناطق النزاع الحضرية.
واختتم الجلسة الأولى مهند سلوم بورقة عنوانها “المقاتِلات في وحدات حماية الشعب: أيديولوجيا أم تكتيك؟“. وقد ناقش فيها أسباب اختيار النساء المشاركة في القتال في صفوف وحدات حماية المرأة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري.
كما ناقش تفسيرين مركزيين لهذه المشاركة: التفسير التكتيكي، والتفسير الأيديولوجي؛ وذلك اعتمادًا على مجموعة من المقابلات أجريت مع نساء كرديات في منطقة “كردستان السورية“.
أما الجلسة الثانية، التي ترأسها الدكتور محجوب الزويري، وكان محورها “جنود الدولة غير النظاميين؟ قدرات قتالية مع أنظمة قائمة“، فقد اُفتتحت بورقة لمصعب الألوسي، تناولت “القدرة على الردع: سياسة حزب الله في الردع وأثرها في إسرائيل“. وطرح الألوسي سؤال: كيف يستطيع حزب الله ردع إسرائيل؟ وحاول الإجابة عنه من خلال افتراض أن الاحتكاك بين حزب الله وإسرائيل والتفاهم المتبادل الناجم عنه يستتبع عدم وجود رابح في مواجهة طويلة الأمد بينهما.
وعليه، استنتج الباحث أن التفاعل الاستراتيجي بين حزب الله وإسرائيل قد مهد الطريق للردع المتبادل.
وأعقب ذلك تقديم إينا رودولف ورقة بعنوان “القدرات القتالية لميليشيات الحشد الشعبي“، حاولت فيها معرفة ديناميات السلطة التي تحدد المسار المؤسسي لـ “مظلة” قوات الحشد الشعبي، ووضعها في سياقها المحلي والخارجي.
واستندت الباحثة في ذلك إلى مجموعة من المصادر العربية، والوثائق التشريعية العراقية، والبيانات الحكومية، والمقابلات؛ من أجل تفكيك ظاهرة قوات الحشد الشعبي، ومختلف العلاقات الداخلية بين مكوناتها، وبنيتها الهجينة والمركبة.
واختتم عبدو موسى الجلسة بورقة عنوانها “استراتيجيات وتكتيكات الحرب الهجينة بالتطبيق على الميليشيات القبلية في سيناء“، سعى فيها إلى بناء نموذج للإسناد الميداني بين مكون قتالي نظامي وآخر لا نظامي؛ من خلال مثال الميليشيات القبلية في سيناء التي تعمل برفقة القوات المسلحة المصرية.
وافترض الباحث أن فاعلية الاستعانة بأطراف مسلحة ما دون الدولة، من أجل تحقيق أهداف الجيوش النظامية في سياق الحرب الهجينة، يتوقف على قدرة الجيوش على الدمج الاجتماعي وعلى مبادلة الأدوار.
الحرب الهجينة وتحول الميلشيات إلى جيوش
استُهلّت الجلسة الثالثة (اليوم الثالث)، وعنوانها “الحرب الهجينة: الميليشيات والدول (الأجنبية)“، بمداخلة لأنطوني تشيمنتي عنوانها “الإمارات العربية المتحدة والحرب بالوكالة في اليمن: الدور العسكري والسياسي للميليشيات المسلحة“، طرح فيها كيفية تأثير الدعم العسكري الإماراتي في تنمية القدرات القتالية لقوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية في اليمن من خلال التركيز على متغيرات تأثير التجنيد والتدريب والدعم الواسع المقدم لهذه الميليشيات.
وقدم كوكتوغ سونمز ورقة بعنوان “المقاتلون الشيعة الأجانب في الحرب الأهلية السورية: الميليشيات واستراتيجيات التجنيد ودور إيران الإقليمي“، تساءل فيها عن الاستراتيجيات الإيرانية المعتمدة للإبقاء على النظام في سورية والتي تتركز بالأساس في استخدام الوكلاء/ ميليشيات مقاتلة. وناقش طموحات إيران الإقليمية وتأثيرات ذلك في آفاق الحرب في سورية.
وختم أسامة الكعبار الجلسة بورقة بعنوان “ميليشيا ’الجيش الوطني الليبي‘“، طرح من خلالها تحدّيًا لمقولة وطنية الجيش الوطني الليبي وعكسه إرادة الشعب الليبي. وركز على القدرات القتالية لهذا الجيش وتأثير شبكات الرعاية الأجنبية في ذلك.
وجرى عقد الجلسة الرابعة بعنوان “القتال والسياسة الدّولية“، والتي تضمنت ثلاث مداخلات، افتتحها توماس جونسون بمداخلة بعنوان “طالبان الأفغانية: تطور الأداء العسكري والسياسي“، طرح خلالها تطور حركة طالبان من مجموعة صغيرة إلى واحدة من أشد الأطراف المتمردة قدرة على الابتكار والتكيف في التاريخ الحديث، وذلك من خلال الاعتماد على تقنيات استمالة الأهالي وإقامة حكم بسيط وفعال على المستوى المحلي.
ثم قدمت آنا بولاخ مداخلة بعنوان “بناء القدرة على الصمود ردًّا على الحرب الروسية غير المتكافئة“، ركزت فيها على القدرات المعلوماتية لروسيا التي مكنتها من تحقيق أهداف عسكرية مهمة في أوكرانيا. وحاولت الكشف عن أشكال الحرب السيبرانية التي تقودها روسيا بكثافة في أوكرانيا من أجل زعزعة الاستقرار.
وختم ديفيد دارشياشفيلي الجلسة بمداخلة عنوانها “أغسطس 2008: ذروة الحرب الهجينة بين روسيا وجورجيا“، ناقشت إشكالية المواجهة المستمرة بين روسيا وجورجيا التي صنفها الباحث باعتبارها حربًا هجينة. وخلصت، من خلال هذا المثال، إلى أن حركات التمرد التي تنشأ بتحريض من الخارج، أو تتلاعب بها قوى أجنبية، لا تحقق نتائج حاسمة إلا إذا كانت مؤسسات الدولة المستهدفة ضعيفة.
أما الجلسة الخامسة والأخيرة في اليوم الثاني، فعنوانها “من ميليشيا إلى جيش“. واستهلّها حامد علي بورقته “قوات الدعم السريع السودانية: من ميليشيا إلى جيش“، التي ناقشت نموذج قوات الدعم السريع في السودان باعتبارها نموذجًا لميليشيات قبلية محلية تحوّلت إلى جزء مهمّ من الجيش السوداني ذي دور مؤثر في العملية السياسية الداخلية وله علاقات خارجية مستقلة.
وقدمت تيّانا رييفيتش ورقة مشتركة مع فيليب إيدوس بعنوان “روابط معقدة: التفكيك الفاشل للوحدات شبه–العسكرية في صربيا“، طرحت الإشكالات المتعلقة بمسار إعادة إدماج الوحدات شبه العسكرية في جهاز الدولة والمجتمع بعد الحرب وبعد النظام الاستبدادي في صربيا.
وركزت على مشاكل بقاء العديد من مجالات القطاع الأمني من دون أن تحاسبها النخب السياسية الجديدة، بسبب طبيعة الانتقال السلمي الذي حصل في صربيا والذي قام على مصالحة بين النخب الجديدة والنخب القديمة.
ثم ختم ألان حسانيان بورقة مشتركة مع غاريث ستانسفيلد عنوانها “من متمردة إلى نظامية: الآثار العسكرية والسياسية لتحوّل قوات البيشمركة في إقليم كردستان العراق“، طرحت تطور قوات البيشمركة وتقييم قدراتها القتالية ومستقبلها في ضوء التغيرات الحاصلة في العراق وكيفيات تحوّلها من ميليشيات حزبية غير تابعة للدولة إلى تنظيم عسكري رسمي لإقليم كردستان العراق ضمن عراق فدرالي.
..
يتبع بتغطية أوراق اليوم الثالث
________________