بقلم مأرب الورد

أثبتت الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ سنوات، أنه من السهل على الأطراف المشاركة فيها محلياً وخارجياً التوصل لاتفاقات سياسية، برعاية الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية.

لكن المشكلة كانت وما زالت في التطبيق، وهو اللغز الذي يبدو بدون حل أو لا يريد أصحاب المصالح الكبرى فك شفراته.

من اليمن الذي يشهد حرباً تقترب من عامها السادس منذ بدء التدخل الخارجي، والتي لم تفلح كل جهود الدبلوماسية في وضع نهاية لها، رغم جولات التفاوض الكثيرة والاتفاقات التي لا تُعد ولا تُحصى، وتعاقب مبعوثين أمميين عليها،

إلى سوريا التي تعمقت جراحها وتوالى عليها الوسطاء وكثر اللاعبون واتفاقاتهم،

إلى ليبيا التي يتكالب عليها أصحاب المصالح على حساب مصالح شعبها وحكومتها الشرعية المعترف بها دولياً، لم نرَ تنفيذاً كاملاً لاتفاق واحد في هذه البلدان المنكوبة.

قد يكون السبب الأول وراء ذلك، أن هذه الاتفاقات تعكس أهداف الحلفاء والداعمين الإقليميين والدوليين، أكثر مما تلبي مصالح الأطراف المحلية التي أصبحت تابعة لها، ولم تعُد تمتلك من قرارها إلا هامشاً محدوداً لا يسمح لها بتحديد قرار الحرب والسلم وقلب الطاولة.

رأينا في هذه الدول كيف كان يجري التوصل لاتفاقات حول قضايا معينة، ثبت في الواقع أنها تلبي حاجة لحظية لهذه القوى أو تلك، وتستخدم لتمرير سياسة محددة، أكثر مما تستجيب لتطلعات ومطالب الناس المتضررين من الحروب،

وهذا ما يفسّر فشلها في معالجة مسائل أقل تعقيداً مثل الجوانب الإنسانية.

تبدأ الأزمة بمطالب سياسية محددة أو ثورة سلمية ثم أزمة معقدة فحرب أهلية تنتهي بتدخل خارجي بطلب من هذا الطرف أو ذاك، وبعد ذلك تدخل مرحلة لا يمكن التنبؤ بنهايتها، على الرغم من صدور قرارات بالجملة من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، لفرض الحل وتكليف مبعوثين أمميين بنفقات مالية كبيرة يتولون الوساطة دون جدوى.

على الأطراف المحلية أن تراجع حساباتها جيداً، وتتذكر أن داعميها المفترضين يفكرون بمصالحهم أكثر مما يهتمون بتثبيتها كما تتمنى، أو إعادتها للسلطة على كامل التراب الوطني.

وهنا يقتضي الإنصاف توجيه اللوم والمسؤولية الأكبر على الطرف الذي قاد انقلاباً ثم حرباً على أمل تثبيته، وهو الحوثي في الحالة اليمنية، وعلى نظام بشار الأسد بسوريا، الذي رفض الاستماع لمطالب شعبه المشروعة، وأجبره على حمل السلاح.

وفي ليبيا يتحمل خليفة حفتر المسؤولية الأكبر لتمرده المسلح بهدف حكم البلد بالقوة وبدون انتخابات.

وعندما تصبح الكلمة الأولى للسلاح، فلا بد أن ينتصر طرف على آخر لتسريع الحل، وهذا منطق الواقع وليس التحليل فقط، لكن هل يدعم الحلفاء بما يكفي لتحقيق ذلك؟

ربما بعضهم مع أنه حتى هؤلاء يشتركون مع الآخرين في إطالة الصراع أكثر، وتأجيل النهاية لمزيد من الاستنزاف وبيع الأسلحة وتحقيق الأهداف وتوريط بعض الدول.

وفي هذه الحالة، يبقى دور الأمم المتحدة ومبعوثها مجرد موظف علاقات عامة، يسوّق وهم الحل كل عام، وكلما انقضى مدّ الأمل للعام الذي يليه، فضلاً عن كونه حلّاباً للمانحين بحجة مساعدة المحتاجين والنازحين واللاجئين، ورعاية الحل السياسي الذي يضيع في متوالية التفاوض غير المحدد.

***

مأرب الورد ـ صحافي وكاتب يمني

__________

مواد ذات علاقة