بقلم مختار غميض

هل سيقلب وباء الكورونا الاستراتيجيات وموازين القوى الدولية التي قد ينتج عنها مشهد ليبي جديد لم تتضح معالمه بعد؟ هذا ما سيحاول المقال توضيحه.

.الجزء الأول

مرّ زُهاء العام على عدوان اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على عاصمة بلاده طرابلس، دون تحقيق أيّة مكاسب عسكرية تُذكر على الميدان، مما انعكس على الجانب السياسي مع إعلان حفتر قبوله بخيار التفاوض بعدما رفض ذلك مرارا وتكرارا.

يظل الحراك السياسي شبه متوقف حاليًّا مع إعلان المبعوث الدولي إلى ليبيا غسّان سلامة استقالته من منصبه مما ساهم في ضعف المجهود السياسي بشأن محاولات التوسط بين الفرقاء الليبيين وبحث حلّ للأزمة السياسية.

وبالتالي لم تبق غير تحركات ضعيفة قام بها خليفة حفتر إلى فرنسا وألمانيا وأخرى قادها وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إلى فرنسا وبريطانيا، تزامن هذا مع فراغ سياسي عرفه الملف الليبي مع انتشار وباء كورونا وانكفاء كل دولة على نفسها من ناحية، ومع استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة.

مقدّمة:

انعكس انتشار وباء كورونا الذي تحوّل إلى أزمة صحيّة عالميّة وربّما سياسية كسرت هيبة الدول وزعمائها بينما رجّح البعض نظرية المؤامرة، على الأوضاع في الساحة الليبية بعدما ضرب المرض بقوة الدول الحليفة لحفتر ومنها الإمارات والسعودية وفرنسا وإيطاليا وروسيا.

انحسر العمل الدبلوماسي خاصة مع استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، وانحصر في جولات دبلوماسية للمعسكريْن المتنازعيْن لملء الفراغ الأممي الذي استغلته قوات حفتر للتصعيد العسكري وخرق مبادرة ودعوات وقف إطلاق النار، ومنها الدعوة الأممية التي تهدف لوقف العدوان لأغراض إنسانية بغاية الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد وكإجراء وقائي في ليبيا التي لم تسجل أية حالة.

لكن المخاوف أصبحت مطروحة بقوة خاصة مع انتشار الإصابات في دول الجوار لاسيما مصر ومع تحذيرات من سوء البنية التحتية الصحية وتأكيدات بدخول حالات عبر منافذ تقع تحت سيطرة قوات الكرامة.
أولا: تداعيات وباء كورونا

أ التداعيات العالمية

بعد تفشّي فيروس كورونا المستجد في الصّين ثم توسّعه إلى إيران وإيطاليا وفرنسا حتى أصبحت أوروبا بؤرة للمرض، ثم أعلنت منظمة الصحة العالمية داء كورونا وباء عالميا.

وإنّ الإنفاق الدولي على هذا الوباء خلق نوعا من انحسار سياسي وانغلاق شبه تام للدول على ذاتها لمواجهة الجائحة الدولية.

وبالنظر إلى طبيعة وباء كورونا الذي ينتشر سريعا عبر العدوى، بقيت ليبيا بعيدة عن تهديدات الفيروس مع إحجام الناس عن السفر إليها نتيجة الحروب المتعاقبة على ليبيا والوضع الأمني الذي أبعد المستثمرين الأجانب بمن فيهم رجال الأعمال الأجانب الراغبين في إعادة الإعمار، وهي العملية التي تعطلت إثر هجوم قائد قوات الكرامة خليفة حفتر على العاصمة طرابلس أفريل العام الماضي.

إضافة إلى ذلك فإن عدد الرحلات من وإلى المدن الليبية تقلص بشكل كبير نظرا لحالة الفوضى التي شهدتها البلاد خاصة مع استهداف قوات حفتر لمطار معيتيقة الدولي الوحيد في العاصمة وعدم تشغيل مطار طرابلس العالمي بعد، فانحسرت معظم الرحلات على قلّتها في مطار مدينة مصراته.

وبالتالي تقليص احتمال دخول إصابات بالفيروس القاتل إلى التراب الليبي، ناهيك عن إمكانية حصر المصابين من الليبيين المحتمل نقلهم للعدوى من تركيا أو أوروبا بالنظر لكونهم لا يمثلون عبئا فعليا يمكن للكوادر والمؤسسات الصحية في ليبيا على وضعيتها الحالية، السيطرة عليه في مهده حتى لا يحدث مالا يحمل عقباه.

ب التداعيات المحلية

رغم تهديدات وباء كورونا الزاحف على العالم دون رحمة، استغل حفتر الانشغال الداخلي والدولي بالفيروس، بينما ركنت الدول الكبرى المتدخلة في الشأن الليبي إلى شبه ارتياح إلى إعلان وقف إطلاق النار المعلن في ليبيا ابتداء من 12 يناير الماضي، بعد تفاهم تركي روسي واعتبر ذلك حينها نجاحا لجهود هدنة أخفقت فيها محاولات أممية ودولية سابقة.

عناصر حفتر لم تلتزم بذلك ولا بانتشار كورونا وتهديداتها لاقتحام البلاد، فتواصلت المعارك لكن بوتيرة أقل تزامنت مع مسارات برلين السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمثلت أعنف هجمات حفتر في قصفها المدفعي لمطار معيتيقة ومينائها البحري وعلى بعض أحياء شعبية مكتظة، في المقابل اكتفت قوات الوفاق بالرد على مصادر التهديد.

وتركزت الآليات الحربية عند الطرفين على المدفعية وصواريخ غراد والهاون، بعد إقصاء الجانبان لسلاح الطيران المسير بعد تمكن قوات بركان الغضب من جلب أنظمة دفاع جوي.

لكن أعنف هجوم شنته قوات حفتر منذ بدء عدوانه كان قصف منطقة عين زارة، جنوبي طرابلس بصواريخ الهاون، مخترقا أيضا هدنة مؤتمر برلين الذي نظمته ألمانيا بإشراف أممي، محاولة جديدة وربما أخيرة لرأب الصدع بين الفرقاء الليبيين تحت تأثير الحصار الكوروني“.

وأخيرا وبعد اجتياح فيروس كورونا للعالم، استمرت قوات حفتر في هجماتها على تخوم العاصمة مستهدفة محور الرملة جنوب طرابلس متحدية دعوة الاتحاد الأوروبي وثماني دول غربية وعربية (تونس والجزائر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي) لأطراف النزاع إلى إعلان وقف فوري إنساني للقتال، في ظل تهديدات الوباء العالمي.

وبينما لم يعلن رسميا تسجيل أي إصابة بكورونا في ليبيا، إلا أن هناك مخاوف جدية من تفشي الفيروس في ظل تأثيرات الحرب على القطاع الصحي خاصة الذي وقع إنهاكه بجرحى الحروب المتتالية.

إضافة إلى إمكانية وصول الفيروس عبر المرتزقة متعددي الجنسيات كالذين لقوا حتفهم وقتل عدد منهم مؤخرا على أيدي قوات الوفاق في عين زاره، وقد رجح دخولهم من مصر ودول أخرى موبوءة مما يهدد بانتقال الوباء سريع الانتشار إلى ضواحي العاصمة والغرب الليبي.

إلى ذلك فان هيئة الاستثمار العسكري التي يملكها أحد أبناء حفتر تنظم رحلات جوية بين دمشق وبنغازي عبر شركة مدرجة على لوائح عقوبات وزارة الخزانة الأميركية التي تسمى أجنحة الشام، حيث تقوم طائراتها بجلب مرتزقة من عدة جنسيات من مناطق موبوءة بفيروس كورونا، مما يمثل كارثة صحية على البلاد.

كما تحوم الشكوك والمخاوف من حدوث اختراقات في المنفذ الشرقي امساعد/السلوم مع الجانب المصري الذي يتكتم عن حقيقة الإصابات فيه حيث بلغت أرقاما غير متوقعة أكدها السفير الفرنسي بمصر ووصلت عشرات الإصابات للولايات المتحدة وافدة من القاهرة.

وبالتالي فان الشرق الليبي ليس في مأمن من الإصابة خاصة مع تعامله الشديد مع الجانب المصري الداعم القوي لحفتر معنويا وماديا، فضلا عن كون المناطق والمدن الغربية المساندة لحفتر من الممكن أن تستقبل مصابين بالوباء لاستقبالها مرتزقة قادمين من سوريا ومصر وروسيا.

ويعوّل حفتر على المرتزقة بعد ما حققه التدخل التركي إلى جانب قوات الوفاق من توازن للقوى بين الطرفين واقتناع كل طرف باستحالة الحسم العسكري، الأمر الذي من شأنه أن يساعد الأمم المتحدة على دفع الطرفين نحو التفاوض للتوصل إلى اتفاق، لولا حدوث ما لم يكن في الحسبان.

يتبع في الجزء الثاني

***

مختار غميض (صحفي تونسي)

____________

مواد ذات علاقة