بقلم د. علاء عبد الحفيظ

الديموقراطية هي مجموعة من القواعد التي تحكم العملية السياسية بحيث تحقق قدراً أكبر من المشاركة في السلطة والثروة: رأسياً (بين الحاكم والمحكومين) وأفقياً (بين القوى والجماعات السياسية)

.الجزء الثاني

ثانياً: الأشكال الدستورية والتنظيمية المرتبطة بالديمقراطية

مصطلح الديموقراطية مشتق من الكلمتين الإغريقيتين: الشعب والحكم كما سبق توضيحه, وهنا يثار التساؤل عن كيفية قيام الشعب بالحكم، وهناك نماذج عديدة شهدها التاريخ، من أهمها:

1- الديموقراطية المباشرة

تعتبر الديموقراطية المباشرة Direct Democracy أول أنواع الديموقراطية التي تعرف عليها الإنسان في حياته السياسية، وهي تشير إلى نظام ما لاتخاذ القرارات في الشئون العامة يشارك فيه جميع المواطنين بصورة مباشرة.

ومن هنا فإن الديموقراطية المباشرة تصبح من حيث المبدأ تعبيراً عن سيادة الشعب. وتتمثل شروط قيام تلك الديموقراطية في صغر عدد المواطنين، والتوزيع المتساوي للملكية والثروات، وتجانس المجتمع ثقافياً، وعدم السماح للقائمين على تطبيق القانون بمباشرة وظائف خاصة أخرى مستقلة عن الإرادة الشعبية صانعة القانون في المقام الأول، وتتمثل الظروف المواتية لهذا النوع من الديموقراطية في وجود مجتمع زراعي صغير العدد وغالبية من الفلاحين.

وتدل الخبرة التاريخية على بعض النماذج المحدودة لهذا النوع من الديموقراطية (بعض أجزاء اليونان القديمة “دولة المدينة”، وبعض المقاطعات في سويسرا). وقد ضمت دولة المدينة تنظيمات سياسية هي المؤتمر العام ومجلس الخمسمائة والمحاكم.

وعلى الرغم من أن المؤتمر العام يتكون من جميع المواطنين الذكور الذين بلغوا سن العشرين في أثينا وهو يعتبر تطبيقاً للديموقراطية المباشرة، إلا أنه يمكن القول إن ما طبق من ديموقراطية في أثينا لم يكن تطبيقاً صحيحاً للديموقراطية المباشرة، وذلك لسبب مهم وهو تقسيم مجتمع المدينة إلى طبقات ثلاث متميزة، وهي:

أ طبقة المواطنين، والذين لا يعملون شيئاً سوى المحاكم واعتلاء أعلى المراكز في دولة المدينة.

بطبقة الأجانب، وهم لا يملكون صفة الاستقرار وبالتالي ليس لهم حقوق سياسية ويطبق عليهم قانون خاص بهم.

جطبقة العبيد، وهي تلك الطبقة التي لم تنل من الحقوق شيئاً بل عليها كل الواجبات

ويشير تاريخ الديموقراطية المباشرة إلى عدم قدرة النظم التي اتبعت هذا النوع على الصمود في ظروف أزمات الحروب أو التهديد بها، كما أنه من المحتمل أن يزول بفقدان المجتمع لخاصيته الزراعية لصالح التجارة، وظهور عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين المواطنين.

2- الديموقراطية النيابية

أصبحت الديموقراطية في معناها الحديث ومع تعقد الحياة الاجتماعية وزيادة عدد السكان تقوم على مبدأ التمثيل النيابي بدلاً من مبدأ المشاركة المباشرة المعروف في النمط الأثيني. فالديموقراطية في معناها الحديث تفترض تفويض ممارسة السلطة وفي هذه الحالة تظهر آليات معينة لسد الفجوة التي قد تظهر بين المعنى الأثيني القديم للديموقراطية ومعناها الحديث. وتتمثل تلك الآليات في عمليات الانتخاب.

يعني ما سبق أن هذا النوع من الحكومات الديموقراطية يستند على أساس قيام الشعب بانتخاب نواب يمارسون السلطة باسمه ونيابة عنه، وذلك لفترة زمنية معينة يحددها الدستور. ويتطلب إقامة هذا النموذج من الحكومات الديموقراطية إضافة إلى ذلك، وبوجه خاص توافر مجموعة من المبادئ المهمة التي تتضمن ما يلي:

أوجود برلمان منتخب

 يقوم الشعب بانتخاب أعضاء البرلمان، الذي قد يتكون من مجلس واحد أو مجلسين.

باختصاصات محددة للبرلمان

يكون للبرلمان اختصاصات أو وظائف أساسية محددة، كالاختصاصات التشريعية، والتي تتمثل في قيامه بسن القوانين، واختصاصات مالية كالموافقة على الميزانية، فضلاً عن اختصاصاته السياسية المتعلقة بمراقبة السلطة التنفيذية.

جتمثيل الأمة ككل

يصبح عضو البرلمان، بمجرد انتخابه، ممثلاً لمصالح الأمة بأسرها، فلا يقتصر تمثيله واهتمامه على مصالح ناخبيه أو دائرته فقط، بل يصبح متمثلاً في خدمة الصالح العام ككل، حتى لو تعارض ذلك مع المصالح الضيقة لدائرته أو ناخبيه.

داستقلالية البرلمان

بمعنى أن يصبح البرلمان، وبمجرد انتخابه وطوال مدته النيابية صاحب السلطة القانونية ولا يجوز للشعب التدخل في أعماله.

ويرى البعض أن البرلمان أو الحكم النيابي لا يعبر عن الأغلبية بل هو يمثل الأقلية. وغالباً ما تكون الأقلية ذات نفوذ اقتصادي أو اجتماعي. وكثيراً ما يحدث أن يوافق البرلمان على قانون مهم بأغلبية نسبية لا تتجاوز نسبة ما تمثله من الناخبين عن عشر عدد السكان.

وقد اعتبر جان جاك روسو أن الأسلوب النيابي يتنافى مع الحرية، فالسيادة لا يمكن تمثيلها لأنها لا تنتقل، فهي تكمن في الإرادة العامة والإرادة لا يمكن تمثيلها. ونواب الشعب ليسوا ولا يمكن أن يكونوا ممثلين له، فهم ليسوا إلا مجرد مندوبين عنه، ولا يمكن أن يبتوا في أي شئ، وكل قانون لم يوافق عليه الشعب بنفسه باطل ولا يمكن أن يكون قانوناً أبداً.

وفي الإطار ذاته يرى البعض أن فكرة الوكالة التمثيلية بالإضافة إلى فكرة الفصل بين السلطات اللتين تشكلان معاً الجوهر التقليدي للديموقراطية الغربية واللتين هدفتا إلى حل التناقض بين السلطة والحرية لم يوجدا ذلك الحل، وذلك لأن شكل الحكومة النيابي لم يذب الحواجز بين الحاكمين والمحكومين.

كما أن الفصل بين السلطات لم يتحقق في الواقع على الإطلاق. ويخلص أنصار ذلك الرأي إلى أنه نظراً لتلك التجاوزات في الديموقراطية النيابية، فيمكن القول إن تلك الصورة من صور الديموقراطية قد لا تعبر عن الديموقراطية في صورتها المثلى وهي سلطة الشعب التي يمارسها دون نيابة. فقد تكون هذه الصورة نتيجة طرق غير سليمة يمارسها من في الحكم لتثبيت مركزه في الحكم.

3- الديموقراطية شبه المباشرة

تمثل الديموقراطية شبه المباشرة بوجه عام نموذجاً يتوسط بين الديموقراطية والديموقراطية النيابية، حيث ينتخب الشعب برلماناً ينوب عنه، كما يستند كذلك إلى الإيمان بحق الشعب في التدخل بشكل مباشر في الشئون العامة، والتشريع في ظل توافر شروط معينة.

وبالتالي فإن هذه الديموقراطية ليست مباشرة لأن المواطن لا يُعتبر ممارساً للسياسة بصفة دائمة، كما أنها ليست ديموقراطية نيابية لأنه في تلك الممارسة لا ينوب شخص عن شخص وإنما يتطلب إسباغ تلك الصفة على هذا النوع من الديموقراطية حق اشتراك جميع المواطنين في تلك العملية السياسية. وتتحقق الديموقراطية شبه المباشرة بطريقتين:

أطريقة الاقتراح الشعبيوهي تجعل للشعب حق اقتراح القوانين، فيلزم المجلس التشريعي بإصدارها.

بطريقة الاستفتاء الشعبي: وهو يُلزم الحكومة بطرح مشروعات القوانين على الشعب لإبداء الرأي فيها.

يتضح مما سبق أن الشعب أو الهيئة الناخبة تتمتع في ظل هذا النظام بممارسة بعض الحقوق التي لا تتوافر في ظل الديموقراطية النيابية.

وتتحدد تلك الحقوق من خلال حق الشعب في مراقبة البرلمان أو المجلس النيابي، والاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان، واقتراح القوانين التي يرغب فيها، وتمتد سلطة الشعب لتشمل حق إقالة النواب قبل انتهاء مدة إنابتهم، ويكون من حق الشعب أيضاً الاقتراع على حل البرلمان كله قبل انتهاء مدته المقررة.

يتبع في الجزء التالي بدءً بـ الأشكال المؤسسية للحكومات الديموقراطية

_____________

مواد ذات علاقة