بقلم طارق يوسف، نهى أبو الدهب، عادل عبدالغفار، يحي زهير، علي فتح الله نجاد، ونادر قباني

يتطرّق في هذا التقرير الخبراء إلى تحديات ملحّة مرتبطة بالحوكمة والمجتمع المدني وانعدام المساواة والأمن والأوتوقراطية والتغيّر المناخي ومشاركة المواطنين.

.

الجزء الأول

منذ قرابة العقد من الزمن، انتفض المواطنون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا احتجاجاً في خلال ما سُمّي الربيع العربي، متسبّبين بعدد من التحوّلات السياسية والاقتصادية التي ما زلنا نشعر بتأثيراتها حتّى اليوم.

وفي السنوات التي تلت، تعرّضت المنطقة إلى الكثير من الصراعات والضغوط الاقتصادية الشديدة والقمع الزائد وإلى القضاء على ديناميات جيوسياسية كانت راسخة منذ زمن. مع انطلاق العام 2020 في بدايةٍ مفعمة بالأحداث.

يتطلّع خبراء مركز بروكنجز الدوحة إلى العقد المقبل، فيتشاطرون أفكارهم حول مسائل السياسات التي تعتبر الأهمّ في رسم معالم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات العشرة المقبلة وحول الخطوات التي ينبغي على صانعي القرارات الإقليميين والدوليين اتّخاذها لمعالجة هذه المسائل.

وفي الاستشرافات التالية، يتطرّق الخبراء إلى تحديات ملحّة مرتبطة بالحوكمة والمجتمع المدني وانعدام المساواة والأمن والأوتوقراطية والتغيّر المناخي ومشاركة المواطنين.

وفيما تتنوّع تحاليلهم، هم يقدّمون توصيات ملفتة بشأن السياسات للعقد القادم، تهدف إلى منح هذه المنطقة المضطربة مستقبلاً أكثر سلاماً وازدهاراً.

طارق يوسف – ينبغي على صانعي السياسيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طرح أجندة جديدة لإصلاح الحوكمة

فيما أتت احتجاجات الربيع العربي في عامي 2010 و2011 على أساس الشكاوى والديناميات السياسية الفريدة لكلّ دولة بحدّ ذاتها، تشاطرت الاحتجاجات تقييماً مشتركاً لإخفاقات الحوكمة.

فقد تركّزت السلطة السياسية والاقتصادية بشكل زائد في يد نخبة صغيرة. وكانت القطاعات العامة بطيئة وغير متجاوبة عموماً. وكان حكم القانون غير مطّبق كما يلزم والفسادُ مشكلة خطيرة. وانتابت هذه الأحاسيس الناس بشكل عميق وحثّت الآلاف من المواطنين العاديين على القيام بأعمال غاية في الشجاعة والتحدّي.

على مدى العقد المنصرم، لم تستمرّ الظروف الاقتصادية السياسية الرديئة التي أدّت إلى الربيع العربي فحسب، بل ساءت، مما أدّى إلى عودة الاحتجاجات الواسعة النطاق مؤخراً في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشمل ذلك بلداناً لم تطلْها الاحتجاجات في المرة الماضية.

وتتزايد الأدلّة التي تشير مثلاً إلى أنّ عدد الفقراء وبشكل خاص الفئات السكّانية الهشّة في الدول غير المصدّرة للنفط ازداد بشكل لافت في العقد المنصرم.

وتساهم الهشاشة الاقتصادية الزائدة لدى الطبقة الوسطى، بسبب أنظمة الحماية الاجتماعية الفاشلة والتركيز على الإعانات المختارة والمستهدفة، مع تفاوت الدخل المتزايد والتنقّل المحدود بين الأجيال في انتشار عدم الرضى السياسي والتشدّد حتّى.

في غضون ذلك، بات تصوّر الناس لنوعية الخدمات العامة، من ضمنها الصحّة والتعليم، ولا سيّما في المناطق الريفية، سلبياً بشكل متزايد.

علاوة على ذلك، ما زالت الممارساتُ التنظيمية في المنطقة الأقلَّ شفافية وشمولية في العالم. وفي خلال الفترة ذاتها، ومع بعض الاستثناءات القليلة، لم تتحسّن مؤشّرات الحوكمة في الدول غير المصدّرة للنفط في المنطقة.

فقد توسّع حجم القطاعات العامة وشابها نقص مزمن في المهارات وتراجعت فعاليّتها أكثر فأكثر. وكان وضع البلدان التي تشهد صراعاً الأسوأ، إذ واجهت تدهوراً مؤسساتياً واسع النطاق وخسارة عمومية في رأس المال البشري.

وقد قوّض الأوتوقراطيون نزاهة مؤسّسات المساءلة المستقلّة القليلة الموجودة. ونادراً ما تحدّت البرلمانات والسلطات القضائية المعيّنة تعييناً السلطةَ التنفيذية. وجُرّدت وكالات التدقيق العليا من استقلاليتها، واستشرت عمليات الاستغلال البيروقراطي.

وغدت قدرة الوصول إلى المعلومات محدودة أكثر وتمّ التضييق بشكل كبير من المساحة المتاحة للمجتمع المدني، مع عودة كامل الممارسات السلطوية وحتميّات الأمن القومي بشكل بارز وقوي.

على مدى العقد القادم، ستزداد الصعوبة على الحكومات للتحلّي بنفوذ وسيطرة هائلتين على حياة مواطنيها ومسارات تطوّرهم الاقتصادي، وستصعب المحافظة في الوقت ذاته على بيروقراطيات مكلفة وغير فعّالة وغير خاضعة للمساءلة.

ومن الأدلّة الواضحة على ذلك بروزُ عدم الرضى السياسي وانتشار الاحتجاجات في أرجاء المنطقة مؤخراً. في الماضي، اعتمدت الحكومات الإصلاحات بحماس ردّاً على ركود اقتصادي حادّ وأزمات سياسية.

وكان معظم هذه الإصلاحات تكنوقراطي الطابع، على الرغم من أنّ بعضها دعم شفافية أكبر ومساءلة اجتماعية. وتكلّل بعض هذه الإصلاحات بنجاح لافت، فيما فشلت أخرى فشلاً ذريعاً، وانتهى الأمر بالكثير منها في منطقة فوضوية بين هاتين الحالتين.

وتعطي الدروس المُستقاة من الجهود الماضية أساساً مهمّاً لطرح أجندة جديدة لإصلاح الحوكمة في العقد المقبل. وينبغي على صانعي السياسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستيعاب أنّ أجندة كهذه جزء أساسي من أيّ حلّ لتحديات التنمية المعقّدة والمتزايدة في المنطقة.

نهى أبو الدهب – ينبغي على صانعي السياسيات الدوليين إشراك الجهات الفاعلة في المجتمعات المدنية المحلية

فيما شهد العقد المنصرم فظائع جماعية ومستويات غير مسبوقة من القمع في عدّة دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يبقي المجتمع المدني والمواطنون العاديون قوى مقاومة وتغيير أساسية.

وعلى الرغم من القمع الكبير للصحافيين وناشطي حقوق الإنسان والمفكرين والمحامين والقضاة والفنّانين، تمكّن الكثير من هؤلاء الفاعلين من العثور على سبلٍ ليس لمتابعة عملهم فحسب، بل لتطويره ونشره لجماهير أوسع أيضاً. وقد صعّب هذا الأمر على السياسيين بشكل متزايد إسكات الأصوات المعارضة تماماً.

ومع مقتل مئات الآلاف من الأبرياء وتهجير الملايين وتعذيب عشرات الآلاف وتغييبهم القسري، من الضروري أن يأخذ مستشارو السياسيات العمل المقدام والمذهل الذي يقوم به المجتمع المدني بجدّية أكبر بكثير في العقد القادم.

فالتوثيق المستمرّ الذي يقوم به الجهات الفاعلة في المجتمع المدني لعقود من الانتهاكات يحرص على صون التاريخ والذكريات.

ويكبح الحشد القانوني والاجتماعي، بما في ذلك جهود المساءلة الجنائية والاحتجاجات في الطرقات، جماح السياسيين ويحدث ثقباً في الجدار السلطوي الذي حاول الربيع العربي هدمه منذ ما يناهز العشرة أعوام.

وفيما تُزكي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية نيران الصراعات والسلطوية في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، ينبغي عليها تأدية دور مهمّ في التخفيف من الخسارة البشرية التي تسبّبها هذه الصراعات.

ومثلما وضّحت نداءات متعدّدة من الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الدولية، يتمحور هذا الدور بشكل أساسي حول وقف الدعم العسكري للجهات المتحاربة. فمنذ سنوات وحتّى الآن، برهنت الصراعات في ليبيا واليمن على أنّ الحلّ يكمن في التسويات السياسية لا في اللجوء إلى القوّة.

بيد أنّ التسويات السياسية المحضّرة خارجياً، على غرار مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن، فشلت فشلاً ذريعاً. فالنصائح بشأن السياسات التي تقدّمها الجهات الفاعلة المحلّية، من بينها المجتمع المدني، هي ما الذي ينبغي أن يدفع هذه الحلول السياسية.

وفيما يعتبر هذا الأمر شرطاً بديهياً لعملية بناء سلام ذات مغزى، غالباً ما يتجاهل المجتمع الدولي الفاعلين المحلّيين والتجارب التي عاشوها أو يتغاضى عنهم لأنه يريد اعتماد حلول سريعة لا تعالج الجذور الهيكلية للصراع والقمع في المنطقة.

فلكي تنجح التسويات السياسية ستحتاج القوى الخارجية إلى العدول عن تدّخلاتها ودعم إنشاء مساحات آمنة يستطيع فيها السوريون والليبيون واليمنيون والكثير غيرهم في المنطقة اتّخاذ قرارات بشأن مستقبلهم.

علاوة على ذلك، تبرز أزمة خبرة في مجال صناعة القرارات الدولية، ألا وهي الاتّكال على تحليل سريع يقوم به “خبراء” لا ناقة لهم ولا جمل في مواقع الصراع عوضاً عن الانخراط بشكل مجدٍ مع فاعلي المجتمع المدني المنغمسين في هذه المواقع الذين عاشوا تجارب يمكنها إفادة صناعة القرارات وينبغي عليها ذلك.

وينبغي أن يبذل صانعو القرارات عموماً والمستشارون بشأن السياسات خصوصاً جهداً حقيقياً للحرص على أن تؤدّي هذه الخبرة المطّلعة دوراً ريادياً في رسم معالم السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

***

طارق يوسف ـ مدير مركز بروكنجز الدوحة، زميل أول برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية

نهى أبو الدهب ـ زميلة السياسة الخارجية، مركز بروكنجز الدوحة

عادل عبدالغفار ـ زميل السياسة الخارجية، مركز بروكنجز الدوحة

يحي زبير ـ زميل زائر، مركز بروكنجز الدوحة

علي فتح الله نجاد ـ زميل زائر، مركز بروكنجز الدوحة

نادر قباني ـ مدير البحوث، مركز بروكنجز الدوحة ، زميل أول ـ برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية

__________

بروكنغز

مواد ذات علاقة