بقلم مختار غميض

بعد نجاحها في تحييد سلاح الجوّ الأشهر الأخيرة، يبدو أن قوات الوفاق الوطني في الغرب الليبي بدأت عمليًّا في التمهيد لامتلاك سماء المنطقة الغربية من خلال اكتساب عوامل التفوّق، جوًّا وبرًّا مع حلول العام الأوّل لإعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس في عمليّة أطلق عليها اسم الفتح المبين“.

.(1)

عملية الفتح المبينكانت حصيلتها آلاف القتلى، عشرات الآلاف من النازحين، ودمار أملاك عامةٍ وخاصةٍ، بحجّة القضاء على الإرهاب، قبيل أيام فقط على مؤتمر أممي جامع بغدامس لحل الأزمة.

لكن الجهادأو الزحف المقدسبهدف فتحالعاصمة أخفق على جميع المستويات، كما أخفقت وساطة الأمم المتحدة في مسارها السياسي والعسكري والاقتصادي، ما أطاح بالوسيط الدولي نفسه، فبقي الحوار للسّلاح.

لردّ العدوان عكست قوات الوفاق الهجوم في عمليّة سمّتها عاصفة السلام، منفّذة غارات جويّة على القواعد العسكرية الموالية لحفتر بالمنطقة الغربية، وهجمات بريّة على محاور جنوب طرابلس وشرق مصراته بغاية قطع إمدادات قوات حفتر لمقاتليها بالسلاح.

ذلك شكّل تغيّرا كبيرا في قواعد الاشتباك منذ أن كشّر مشروع العسكرة عن أنيابه غربًا مستهدفا ثوّار فبراير، المتمسّكين بشرعيّة القانون في صد أيّ معتدٍ، وبقانون الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليا.

مقدّمة
نسف الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الجهود الدولية لحل الأزمة فلا ربح المعركة ولا قبِل بالسّلام، بعدما كان يعتقد أن ضمّ طرابلس لن يتجاوز يومين اثنين حسب وعوده لحليفه الفرنسي.

لكن قواته أخفقت حتى الآن في الدخول إلى طرابلس من جميع المحاور، رغم الدعم الخارجي تمويلا من السعودية، وتسليحا من مصر والإمارات وفق التقرير الأخير للجنة الخبراء بالأمم المتحدة.

ورغم تجنيدها المرتزقة من تشاد والسودان وروسيا لاستخدامهم في الحرب بعقود من شركات أمنية إماراتية وروسية بهدف تعزيز مختلف نقاط الارتكاز التابعة لقوات حفتر في الوسط والغرب.

ورغم كل ذلك لم تكسب قوات الكرامة المعركة وظل قائدها أمير الحرب مذبذبا، لا مع وقف إطلاق النار على الأرض، ولا مع رفض وقف إطلاق النار في تصريحاته الرسمية، فبقيت الجبهات مفتوحة على المجهول، وفتح وباء كورونا جبهة جديدة دفعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى المطالبة بوقف الحرب والإشارة في سابقة لمسؤول أممي، إلى أن حفتر هو من بدأ الصراع.

أولا: المعارك الدبلوماسية

أ تذبذب مواقف حفتر

فشلت كل المساعي الدولية والمؤتمرات في وضع حل لأزمة ليبيا، كما فشلت الصراعات الداخلية بين جنرال الحرب خليفة حفتر ورئيس قوات الوفاق في طرابلس فايز السراج في إجبارهما على إنهاء الحرب، وإبرام مبادرة سياسية لإنهاء الأزمة، فترواحت المعارك بين التصعيد والتهدئة دون هدنة واضحة زمنيا ومكانيا، نظرا لعدم التزام حفتر بها رغم تعهداته.

ففي 11 من يناير الماضي أعلن حفتر القبول بوقف لإطلاق النار، لكن الأمر اللافت أنّه رفض قبلها بثلاثة أيام فقط التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أقرّه كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في تركيا في الثامن من نفس الشهر، بينما وافق رئيس حكومة الوفاق على المبادرة.
ثم في الرابع عشر من الشهر المذكور، ومن العاصمة الروسية موسكو رفض حفتر توقيع اتفاق لوقف إطلاق طالبا مزيدا من الوقت، بينما وقع غريمه فايز السراج، للمرة الثانية، وذلك قبيل مؤتمر برلين للحوار الذي أكد فيه أردوغان وبوتين على ضرورة تنفيذ الطرفين للهدنة.

وفي التاسع عشر من فبراير وتزامنا مع زيارة حفتر لموسكو ولقائه بوزير دفاعها، أعلن الناطق باسم حفتر، أحمد المسماري تعليق الهدنة وأنه لا حل إلا عسكريا، بينما قال حفتر لوسائل الإعلام الروسية إن وقف إطلاق النار مشترط بوقف إمدادات السلاح التركي لطرابلس.

وتظهر هذه المواقف المتذبذبة لحفتر أنه كلما صعّدت قوات الوفاق وتيرة عملياتها كلّما أعرب حفتر عن إمكانية إيجاد حل سياسي للأزمة وهو الذي قال ناطقه الرسمي صراحة بأنه لا حل إلا من خلال صندوق الذخيرة وفوهات المدافع.

ويمكن فهم تلاعب حفتر بالهدنة، بالنظر إلى غياب طريقة إجرائية وفعلية لمحاسبته، لاسيما أنه في حِلّ من أية معاهدات تلزمه، فضلا عن غياب مراقبين محايدين لوقف إطلاق النار، وهي في النهاية مخترق لكل المواثيق ومعتمد على القوّة فقط.

ب ثورة البركان

مرّة أخرى وفي التاسع من مارس قام حفتر بزيارة للعاصمة الفرنسية باريس، وبعد اجتماعه برئيسها إيمانويل ماكرون أعلن استعداده لتوقيع وثيقة وقف إطلاق النار شرط موافقة السراج، دون تقديم أية رسالة حسن نية تعرب عن التزامه بالهدنة المقترحة.

وواصلت قواته قصف الأحياء الجنوبية للعاصمة بشكل جنوني وكان يوم ال17 من مارس يوم ملحمةكما وصفتها قوات الوفاق، حيث قُتل فيها عدد كبير من عناصرها، مقابل أسرها العشرات من المرتزقة السودانيين وقوات حفتر.

ثم صرّح الناطق باسمه أحمد المسماري في ال21 من مارس قبوله بهدنة إنسانية لمقاومة وباء كورونا، نزولا عند دعوة أممية، أمريكية وأوروبية، إلا أنّ تصريح المسماري تزامن مع تجديد خرقه للهدنة بقصفه مجددا أحياء عين زاره.

لكن هذه المرة أعلنت إثرها قوات بركان الغضب نفاذ صبرها مع خسارة عدد كبير من مقاتليها، وخشيتها من تدهور الأوضاع بشكل أكبر خاصة مع ظهور إصابات لوباء كورونا في أكبر المدن كثافة، مصراتة وطرابلس، مما بات يثير المخاوف من تضعضع مجهود الدولة أمام طول أمد المعارك وبالتالي التفكير في سرعة الحسم.

 كما لقي صمت حكومة السراج ومستشاريه مما يجري امتعاضا كبيرا من نشطاء المجتمع المدني الذين وجهوا انتقادات كبرى، لعدم دعم الرئاسي للجبهات أو إدانة الجاني وطالبوا بقطع العلاقات مع الدول الداعمة لحفتر كمصر والإمارات، لتعلن إثرها قوات بركان الغضب رسميا بداية عملية عسكرية شاملة تعتمد الهجوم بدل الدفاع.

***

مختار غميض ـ صحفي تونسي

___________

مواد ذات علاقة