بقلم مختار غميض

بعد نجاحها في تحييد سلاح الجوّ الأشهر الأخيرة، يبدو أن قوات الوفاق الوطني في الغرب الليبي بدأت عمليًّا في التمهيد لامتلاك سماء المنطقة الغربية من خلال اكتساب عوامل التفوّق، جوًّا وبرًّا مع حلول العام الأوّل لإعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس في عمليّة أطلق عليها اسم الفتح المبين“.

(2)

ثانيا: المعارك العسكرية

أ الهجمات الجويّة

بعد تحييد طيران حفتر عن سماء الغرب الليبي في ديسمبر الماضي بفضل امتلاك دفاعات جوية متطوّرة، بدأت قوات بركان الغضب، عمليا، التحضير لتغيير معادلة امتلاك السماء منذ بداية النصف الثاني لشهر يناير الماضي.

ظل موضوع الطائرات المسيرة الإماراتية والطائرات النفاثة الأجنبية (رافال الفرنسية) تؤرّق قوات الوفاق منذ بداية العدوان خاصة وأنها كانت في أمسّ الحاجة لدفاعات جوية لرد طيران حفتر الذي كان يملأ سماء العاصمة، إلا أن إبرام الاتفاقية الأمنية والبحرية مع تركيا قلب المعادلة.

وتحديدا، في ال25 من مارس المنقضي فجرا تم إعلان بدء عملية مرحلة الهجوم بدل الدفاع لمطاردة قوات حفتر حتى تمركزات ما قبل عدوانها، في إطار عملية متفرّعة عن عملية بركان الغضب، سمّتها عاصفة السلاموهي التي أعلنها الناطق باسم جيش الوفاق محمد قنونو بهدف ضرب أماكن ومنصات خروج القذائف المدفعية لقوات حفتر.

كذلك في نفس اليوم أكّد قائد المنطقة الغربية التابع لحكومة الوفاق أسامة الجويلي قصف قاعدة الوطية الجوية وأسر عناصر من قوات حفتر، وتميزت العملية بدقّة مُحكمة من حيث توقيتها ومكانها حاكت عملية استرجاع مدينة غريان الإستراتيجية لولا اختلاف طبيعة المكانين.

فالوطية (جنوب غرب العاصمة) محاطة بحاضنة شعبية موالية لحفتر، إضافة لعزلتها وطبيعتها الجغرافية المكشوفة بحيث لا يمكن المجازفة بأي عملية برية حاليا .
ومن أهم ميزات العملية أنها كانت مباغتة وخاطفة معا، وهو عامل جديد يضاف إلى قوات الوفاق جويّا لم تستوعبها القوات المقابلة، وتحوم التقارير حول عملية محكمة التنسيق والتوقيت أكدت منعرجا حاسما في سلاح الجو الوفاقي.

سلاج الجو لقوات الوفاق استفاد من عناصره من حيث التمارين والتدريبات الأخيرة التي جرت بالتزامن مع تدريبات على استخدام دفاعات جوية أثبتت جدارتها منذ أسر الطيار عامر الجغم بعد استهداف طائرته، بفضل الامتيازات التي لم تكن لتحصل لولا مذكرة التفاهم المبرمة مع تركيا.

وكشف خبراء أتراك عن نجاعة الطائرات المسيرة التركية خاصة بيرقداروالتي أثبتت نجاحها العالي في شمال سوريا قبل استعمالها في غرب ليبيا.

ومما يؤكد أن هجوم الوطية ليس بالعملية المعزولة وإنما في إطار استمرارية مرحلة الهجوم والبناء على فعاليتها، أنه بعد نحو أسبوعين قصفت طائرة تابعة للوفاق طائرة شحن إماراتية (انتينوف) قادمة من دولة الإمارات باتجاه الغرب الليبي وفق أطقم الترصد والتتبع لمسارها، وبمجرد نزولها بمدينة ترهونة، شرق طرابلس يوم الخامس من أبريل تم استهدافها بدقة، ونقل شهود عيان سماعهم لأصوات انفجارات الذخائر.

وأكدت قوات الوفاق أن تلك الذخائر والمعدات كانت بهدف دعم قوات حفتر  وعناصر اللواء التاسع (الكانيات) الموالية لقوات الكرامة في منطقة المشروع بين منطقتي ترهونة وسوق الخميس، حيث عمدت الإمارات في ديسمبر الماضي لإنشاء مهبط للطائرات في المنطقة يتم منه التزوّد بالذخيرة للإنطلاق منه لضرب القوات المعادية.

الكشف عن هذه المعلومات، إنّما يعكس تحوّلا نوعيّا في جهاز الاستخبارات الذي راقب توقيت خروج الطائرة وحدّد الزمن الكافي لنزولها ثم ترصدها واستهدافها قبل إفراغ الحمولة والمغادرة.

هذه التطورات لا تزال محاطة بالغموض، ربما هو تكتيك عسكري خاص وأن كان الناطق باسم الوفاق محمد قنونو سبق وأن نبّه إلى خطورة نشر أي أسرار عسكرية قد تضر بالجبهات وسير العمليات مما قد يفسر التكتم على عديد المسائل، لكن لا شك أن الاستخبارات التركية كانت شريكا في العمليات مع نظيرتها الليبية.

أما عن التعاون البحري وجديّة التدخل التركي عبر البوارج، فهو وارد ولا يتعارض مع إطلاق الاتحاد الأوروبي عملية ضد حظر توريد السلاح إلى ليبيا، فالعملية عبارة عن مجرد رصد أو مراقبة لحركة البحار ولا تستطيع التدخل عسكريا ضد أي طرف ليبي أو تركي لعدم وجود أي اتفاقيات تلزم الأوروبيين بالتدخل.

كما أن مجلس الأمن الدولي أصدر قراره بحظر التسليح ولم يكلف الاتحاد الأوروبي بالعمل على تنفيده، هذا دون الإشارة إلى قرار الاتحاد الأوروبي المتهافت بحيث لا يشمل الرقابة على البر والجو، والمتحيّز مما لا يضمن منع تدفق السلاح لمعسكر حفتر ليستمر في عمليته ضد مدن الغرب.

وعليه فان العملية الأوروبية عديمة الجدوى، وعكست موقفا أكثر من أن تكون لها فاعلية، باعتبار أن عملية صوفياالسابقة لم تنجح حتى في إيقاف قوارب المهاجرين الصغيرة، رغم تشدد أوروبا في منع الهجرة إليها أكثر من تشددها في أمور أخرى.

إلى ذلك، فقد تجاوزت تركيا مرحلة الإعلان عن تطبيق مذكرتها البحرية مع السرّاج إلى مرحلة التطبيق العملي وتأثيراته المباشرة، والدليل على ذلك ما أكدته وسائل إعلام فرنسية رسمية من أن حفتر استنجد بالجيش المصري لإبعاد بوارج تركية قبالة سواحل ليبيا.

بينما تحدث الناطق باسم حفتر عن قصف بوارج تركية لأهداف بمدينة العجيلات غرب طرابلس، وتضاربت الأنباء عن استهداف البوارج لقاعدة الوطية فاعترضتها الدفاعات الجوية لقوات حفتر في العجيلات، ومهما يكن من أمر فان خبر البوارج التركية وهي في مياه المتوسط أصبحت من التحصيل الحاصل بحكم الاتفاقية البحرية الأمنية.

ب الهجمات البرية

مثّل النصف الثاني من شهر مارس (يوم 17 تحديدا) أعنف هجوم نفذته قوات اللواء الليبي المتقاعد على عين زاره جنوب طرابلس، لتبدأ قوات الوفاق في اليوم الموالي عمليات صدّ الهجوم على المحور، ثم بعدها بأسبوع وكما أشرنا سابقا، تم إعلان الدخول في مرحلة الهجوم بدل الدفاع تحت اسم عاصفة السلام“.

هذه عملية داخل عملية بركان الغضبتدشّن بها مرحلة جديدة من الصراع في ذكرى العام الأول على العدوان، فجاء هجوم قوات البركان من ثلاثة محاور، عين زارة (جنوب العاصمة) ثم الوطية (جنوب غرب العاصمة) ثم محور أبوقرين الوشكة (شرق العاصمة).

ففي ردّ فعل على قصف قوات حفتر المتواصل لأحياء العاصمة طرابلس بعد منتصف شهر مارس، وعلى نقضهم المتكرر لوقف إطلاق النار، أعلنت قوات البركان حربا على المحاور الجنوبية بالعاصمة، عين زارة والمشروع والهضبة حيث حافظت على تمركزاتها وفرضت هدوءا فيها.

كما فرضت على قوات الكرامة التراجع في محاور المشروع، لتشن قوات الوفاق هجوما موسعا بالمحاور الغربية، الرملة والطويشة ومحيطهما وحققت تقدما فيهما كبيرا.
أما جبهة ترهونة، جنوب شرق العاصمة، فبقيت جامدة نسبيا ومعزولة، وفيها تتمركز عناصر اللواء التاسع التي أعلنت ولاءها لقوات حفتر إضافة إلى مرتزقة فاغنر الروس وآخرين من السودان ومصر وتشاد.

وتطالب حاليا أصوات داخل طرابلس بقطع طرق الإمداد العسكري عن ترهونة، كما يدور حديث عن حصار كامل للمنطقة، وبالتالي يرجح أن تكون مسرحا للعمليات قادم الأيام، وهو ما يبدو أن قوات الوفاق تحضر له من مدة وسط تكتم شديد، خاصة مع إشارتها منذ أشهر إلى عدم رغبتها في قصف المدينة خوفا من الضرر بالسكان.

لم يتوقف استهداف المواقع التي تزود مناطق شرق طرابلس وجنوبها بالذخيرة والوقود آخرها ضرب شاحنات الوقود جنوب مدينة بني وليد القاصدة جنوب طرابلس لتزويد قوات حفتر.

ومما يعزز ذهاب طيران الوفاق بعيدا في قصفه لمسالك التزويد والإمداد هو تداول خطط بين معسكر حفتر عن كيفية إيجاد حلول بديلة لطرق التزويد والإمداد.

أما جبهة أبوقرين/الوشكة بمحور سرت/الجفرة شرق مدينة مصراته فشهدت كذلك عمليات كبرى خاضتها قوات الوفاق كبدت فيها قوات حفتر خسائر فادحة في عناصرها بمقتل قادة كتائب، أحدهم مسؤول عن تجنيد المرتزقة الأفارقة بالإضافة لأكثر من 20 شخص ومائتي جريح في ضربة موجعة أربكت قوات حفتر هناك التي تمكنت قبل أشهر من استرجاع مدينة سرت من يد قوات الوفاق.

أما قاعدة الجفرة، جنوب شرق طرابلس، على أهميتها كقاعدة عسكرية متقدمة يأتيها الدعم من مصر والإمارات ثم تنقل جوا منها إلى الوطية وبني وليد، كذلك تنقل برا إلى الشويرف وصولا إلى ترهونة وقصر بن غشير وبقية محاور جنوب العاصمة، يبدو أنها ليست في بنك أهداف الوفاق حاليا رغم شائعات استهدافها مؤخرا، واقتصر قصف طيران قوات الوفاق على صهاريج الوقود والعتاد العسكري الخارجة من قاعدة الجفرة باتجاه جبهات القتال حول طرابلس.

***

مختار غميض ـ صحفي تونسي

___________

مواد ذات علاقة