Fighters loyal to the internationally recognised Libyan Government of National Accord (GNA) gather in an area south of the Libyan capital Tripoli on March 15, 2020. (Photo by - / AFP) (Photo by -/AFP via Getty Images)

بقلم محمد التومي

معركة فاصلة تدور رحاها منذ صباح السبت 18 أبريل في محيط مدينة ترهونة آخر معاقل قوات خليفة حفتر حول طرابلس، بعد استرجاع ثوار عاصفة السلام مدن مهمة صرمان وصبراتة والعجيلات وزلطن ورقدالين والعسّة.

.الجزء الأول

أحكمت قوات حكومة الوفاق الطوق على مليشيا حفتر، وعدّ ذلك تحوّلا كبيرا في معركة طرابلس وتغيّرا مهمّا في الصراع بإنهاء وجود حفتر بالغرب الليبي وانتقال المعارك باتّجاه الجفرة موطن الإمداد للغرب الليبي ثم سرت وخليجها النفطي.

لكن باب السياسة ظل مشرّعا على الممكن السياسي نظرا لتشابك الخارطة القبليّة والإثنية في ليبيا وتعقيداتها وتحولات تحالفاتها السريعة.

ظهر ذلك من خلال وفد بني وليد إلى مصراتة وإعلان الزنتان موالاتها للحكومة الشرعية مثلما فعلت غريان قبلها ويُرجح بعد سقوط ترهونة دخول كل قبائل الجنوب من التبو بيت الطاعة.

مقدمة:

سيطرت حكومة الوفاق الليبية على ستّ مناطق متاخمة لطرابلس كانت تحت إمرة ميليشيات خليفة حفترتنضاف إليها مدينة ترهونة التي تعدّ مفصلا استراتيجيا في الصراع الليبي الليبي.

هذا الصراع له ما بعده في هذه الحرب التي ظلت مفتوحة تستنزف القوى الوطنية وتنسف ما تبقى من روح التضامن الوطني والوحدة المجتمعية والمبادئ العامة التي تنصهر فيها المجموعة الوطنية أمام الملمات، والحال أن أمما تكالبت على ليبيا طمعا في ثرواتها المتكاثرة.

أولا: عاصفة السلام: التحولات الميدانية في الصراع الليبي

كانت عملية عاصفة السلامالتي شنّتها قوّات حكومة الوفاق الوطني الليبية، في إطار تحولات جيوسياسية لعبت فيها تركيا دورا مهما في الإمدادات العسكرية الفاعلة التي تمكنت من تحييد سلاح الجو الإماراتي والمصري المتهالك الذي روّع الليبيين الآمنين في بيوتهم.

وقد اتخذت العاصفة مسارات من محاور عدّة، على تمركزات كتائب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منطقة الساحل الغربي، تمكّنت في بضع ساعات من بسط نفوذها على مدن تعدّ إستراتيجية وهي صرمان، صبراتة، مليتة، العجيلات، راقدالين، زلطن، الجميل، العسّة، لتلحق بها أم المدائن التي يعتمدها حفتر وهي ترهونة.

والمؤكد أن قوات الوفاق سيطرت على مساحة إجمالية تقدّر ب3250 كم مربّعا. وهي منطقة ذات ثقل سكّاني كبير، تمتدّ من طرابلس إلى ممرّ راس الجدير، على الحدود مع تونس، وتكتسب أهمّيتها من انفتاحها على البحر، ومن قربها من العاصمة ووصلها بين غرب البلاد وعمقها الداخلي.

وهي إلى ذلك فضاء تجاري/ اقتصادي حيوي. ويعد ضمها إلى مناطق الحكومة الليبية، في نظر مراقبين، خسارة كبرى لكتائب عمليّة الكرامة، ولها دلالات عدّة وتداعيات في مستويات شتّى.

وقد ساهمت قرقعة السلاح في تخويف قبائل ظلت مترددة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، من ذلك تراجع مقاتلي الزنتان عن ولائها للجنرال العجوز ومن قبلها غريان، واستعداد قبائل أخرى عن السير في ذات المسار.

ولم يبق غير مدينة ترهونة، ومن ثمة تنظيف الطريق الرابطة بين تونس وطرابلس لتكون سالكة إلا من غباء بعض الساسة المتحكمين في الديبلوماسية العرجاء في تونس.

وقد أدت هذه الأحداث الفجائية إلى اندحار فلول المداخلة من صبراتة وهي التي تتلقى الأوامر مباشرة من السعودية والإمارات ومن ثمة زوال حلمهم في الوصول إلى تونس وإقامة إمارة مدخلية مغرقة في الولاء والطاعة للداعمين المتكاثرين على ليبيا الجريحة بفعل غباء بعض أبنائها من تركة عقود من التجهيل والتمييع والتسلط.

وتبقى الخطوة الثانية بعد ترهونة وسرت، طبعا، القضاء على الدواعش المتمركزين في الجفرة، وتحرير قاعدة الوطية وخليج سرت معقل القذاذفة و(الفرجان)، لتكون الطريق بعد ذلك سالكة إلى حقول النفط ومنها إلى تحرير بنغازي مهد الثورة وشرارة الانعتاق.

وبذلك يحقّ للشرفاء من التونسيين أن يطمئنوا في انتظار سقوط مليشياتهم الإعلامية الداعمة، ويحق للحفتريش أن يندبوا حظهم العاثر إلى الأبد.

لقد تمّ الهجوم بعد شهور من استقرار كتائب عملية الكرامة في المنطقة، واطمئنانها حتى دخلت في تراخ موهوم نتيجة تسليم مغلوط لأسباب القوة ووثوقية دوغمائية في سيطرتها المطلقة على الغرب الليبي تماما كما استتب لهم في الشرق واستكان.

والمعلوم أن الهجوم تم بعد عام من استنزاف قوّة الفتح المبينعلى تخوم طرابلس.

وفي وقت تنشغل القوى الإقليمية الداعمة لخليفة حفتر بمواجهة تحدّياتها الدّاخلية، وفي مقدّمتها معضلة فيروس كورونا المستجَد إذ ساعدت تلك المعطيات مجتمعة، ولو بشكل غير مباشر، قوّات بركان الغضبعلى كسب معركة الساحل الغربي.

والمعلوم أيضا أن الهجوم العسكري كان سريعا، دقيقا، خاطفا، مباغتا، اعتمد عنصر المفاجأة، والتنسيق بين الضربات الجوية والتقدّمات الميدانية البرّية، على نحوٍ أربك قوات عملية الكرامة التي لم تتوقع هجوما بتلك الكثافة، ولم تجد وقتا لترتيب صفوفها واستيعاب الصدمة، والرد بنجاعة على قوات عاصفة السلام، فبدت مشتّتة، ولم تصمد طويلا في المعارك، وتكبّدت خسائر جسيمة في العتاد والعدد.

فيما فرّ آخرون نحو قاعدة الوطية الجوية، ووقع الكثير من المرتزقة أسرى في يد الثوار.

ويبدو أنّ عوامل عدّة صنعت الفارق لصالح قوّة بركان الغضب، لعلّ أهمّها أنّ كتائب حفتر لم تكن على درجةٍ عاليةٍ من الجاهزية والحرفية، وذلك على خلاف ما يروّجه الإعلام الموالي لعمليّة الكرامة، ولم تكن لها عقيدة قتالية راسخة، ولا خطط إستراتيجية واضحة لإدارة المعارك على الميدان.

وبدا أنّها تعاني من تقطّع خطوط الإمداد، ومن بُعد عن مقرّ القيادة المركزية، وليس لها غطاء جوّي ناجع.

وعلى عكس ذلك، ظهرت قوّات بركان الغضبمتماسكة، متكوّنة من شباب تمرّس بالقتال، لا يخشى الموت، بل يطلبه حثيثا مقدمين في الوقت الذي يتراجع فيه مقاتلوا حفتر ويتقهقر جنده.

وقد أبانت قوات حكومة الوفاق على السير وفق خطة عسكرية محكمة، كما تبدوا الروح القتالية العالية لهؤلاء المقاتلين إذ هم يعتقدون أنهم يدافعون عن قضيّة الثورة وعن مدنية الدولة في مواجهة مشروع الثورة المضادة وعسكرة البلاد بالرجوع بها إلى زمن القذافي.

ومهّدت قوّات سلاح الجو الطريق لتقدّم كتائب بركان الغضب، واستعانت خصوصا بطائرات تركية مسيّرة ساعدت في الرصد والاستطلاع وتأمين الغطاء الجوّي.

كما أنّ معركة طرابلس استنزفت الخزّان البشري لكتائب حفتر، وجعلت حضورها في الساحل الغربي والجنوب باهتا. يضاف إلى ذلك أنّ انتقال قوّات حكومة الوفاق الوطني من الدفاع إلى الهجوم كان مفاجأة أربكت عناصر عمليّة الكرامة، وتمكنت من صنع الفارق لصالح قوات حكومة الوفاق.

وبنفس السرعة التي اعتمدتها قوات بركان الغضب في اجتياح المدن الست تدخل بها ترهونة أعتى المدن الخارجة عن الصفّ والموالية لحفتر.

وتُعدّ ترهونة من ضمن المدن الأكبر في ليبيا مثلها مثل الزاوية وطرابلس ومصراتة وبنغازي. وهي تحوي سدس سكان البلاد وقرابة ثلث سكان طرابلس هم من التراهنة.

وبذلك فإن إخضاع هذه المدينة سيمثل نقلة فعلية في طريق تحرير الوطية التي اكتفى ثوار بركان الغضب بمحاصرتها تمهيدا لاجتياحها ولكن بعد تحييد ترهونة التي يمكن أن تكون ملجأ للهاربين يصعب النفاذ إليهم دون خسائر في الأرواح .

إذ مازالت ترهونه حاضنة لميليشيات اللجان الثورية (وبقايا كتائب القذافي) ومرتزقة حفتر يحق عليها نكتة الليبيين أن التراهنة أنشأوا أول محمية للطيور في أرضهم واكتفوا بتسييجها بالأسلاك الشائكة دون أن يجعلوا لها غطاء ساترا.

ومن خلال إستراتيجية دخول الثوار إلى المدينة من اتجاه واحد هو طريق غريان، يبدوا أنهم راعوا فيها النفسية الاجتماعية لسكانها، وستكون الطريق سالكة بعد الانتصار مباشرة إلى الجفرة وسرت فالمرافئ النفطية.

ولعل الطريق حينها ستُمهّد إلى بنغازي شرارة ثورة فبراير التي دفعت الثمن من قبل فلول المرتزقة غاليا بقيادة العجوز حفتر.

إن انتهاء المرحلة الأولى من عاصفة السلام سيكون لها ما بعدها كما يصرح قادة الثوار من أمثال قنونو وكذلك القيادات السياسية مثل المشري وباشاغا والجويلي بأن المرحلة القادمة لن تقف عند حدود إقليم الجنوب بما في ذلك الجفرة بواحاتها التي تحوي جموع الدواعش.

والدواعش قد نُقلوا إلى ليبيا بتفاهمات بين بشار والسيسي وبوساطة قذاف الدمّ المقيم في مصر والذي طالما أثنى على الدواعش واصفا إياهم بـ أنهم إخوتنا وهم خيرة شباب الوطن.. الذين يُعتمد عليهم في المُلمّات“.

وقد أكد المشري بأن المرتزقة الذين يستعملهم حفتر من الجنجويد ومن عموم السودان ومن جند السيسي وشركة فاغنر الروسية وميليشيات القومجية بما في ذلك كتيبة الابراهمي ..الخ، سيلقون جزاءهم الذي يستحقون.

وأكّد السراج في رسالةإلى العواصم المتآمرة إن أبناءكم الذين بعثتم بهم ليموتوا في العدوان على أرضنا سنعيدهم إلكيم في توابيت رفقة وثائقهم الثبوتية.

مدرعاتكم التي بعثتم بها صارت رمادا، وما سلم منها صار في قبضتنا سنحفظها في متحف الحرب لتظل شاهدا على غدركم، ولتلعنكم الأجيال مدى الدهر.

إن ذخائركم التي قتلت أبناءنا، وطائراتكم التي دمرت مدننا بغطرسة، ستحاسبكم عليها شعوبكم قبل أن يحاسبكم التاريخ.

أما نحن، فحتى آخر جندي سنقاتلكم، ونبشركم بأن مخططاتكم ذهبت أدراج الرياح، وأن محاولتكم لتعطيل عاصفة السلام بالهجوم على أبو قرين فشلت، واليوم نستعيد السيطرة على مدننا المخطوفة في صرمان وصبراتة.

ونبشر كل الليبيين الشرفاء، أننا ماضون إلى مدننا المختطفة، لرفع الظلم عن أبنائها، وعودة مهجريها، ونبسط سلطان دولتنا على كامل ترابها وبحرها وسمائها، وستحفظ ذاكرة الوطن من مد لنا يد العون، ومن طعننا في ظهورنا ومن لا يعرف الليبيين فليقرأ التاريخ وعلى كل البغاة ، تدور الدوائر وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون“.

***

د. محمد التومي ـ باحث تونسي

_____________

مواد ذات علاقة