ألقت الخسائر الميدانية المتلاحقة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بظلالها على تماسك جبهته الداخلية، التي تتألف أساساً من مكونات قبلية عوّل عليها، بشكل كبير، في بناء معسكره طيلة السنوات الماضية، فيما ألقت أوساطٌ مقربة منه الضوء على العديد من العوامل التي ظلت مكتومة، وساهمت في حدوث زلزال يعيشه معسكره حالياً.

واتفقت معلومات تلك الأوساط، التي تحدثت لـالعربي الجديد، على أن الاستراتيجية التي عمل عليها حفتر لبناء حلفه كانت في الأساس تقوم على تغيير مستمر لشاغلي المناصب المهمة من حوله، لكن عاملين مهمين عجّلا في انهيار بنية حلفه القبلي.

العامل الأول يتمثل في كثرة الخسائر البشرية في صفوف القبائل التي شكلت خزاناً بشرياً لحروب حفتر منذ انطلاق ما يسميها عملية الكرامةمنتصف عام 2014، ما حذا بالكثير منها للتراجع عن إمداده بأبنائها للمشاركة في حروبه، وبالتالي فقد أبناؤها من شاغلي المراكز القيادية، سواء العسكرية أو الإدارية، مناصبهم،

حيث عمد إلى إنشاء مجالس قبلية تضم القبائل الصغرى في شكل تحالفات، كقبائل العرفة والحاسة التي جاءت بديلاً عن القبائل الكبرى، فغابت عن المشهد بسبب ذلك قبائل كالبراعصة والعواقير والمغاربة.

والعامل الثاني، وهو الأهم، يتمثل في تعيين قيادات جديدة من خارج إقليم برقة في المراكز الحساسة، مقابل إقصاء كل الكوادر التي اعتمد عليها حفتر في تأسيس معسكره، بل واعتقال وتغييب الكثير منهم، أو تهميشهم.

وإلى عهد قريب، تمكّن حفتر من اختراق مجلس النواب بعد أن منحه صفة القائد العامورتبة مشيروشرعن كل قراراته العسكرية، من خلال مجموعة من النواب الموالين له الذين عرقلوا انعقاد جلساته طيلة عامين، ورهنوا قراراته لصالحه، بما فيها المتعلقة بالمشاركة في العملية السياسية، حتى أصبح دوره منحصراً في قرارات خدمية في الأغلب يصدرها رئيسه عقيلة صالح بشكل منفرد.

تهميش قبائل وتقريب أخرى

وضمن العامل الأول لم يعد للشخصيات الفاعلة والمؤسسة لمعسكر حفتر أي دور، فبعد أن كانت قبيلة المغاربة، التي تمتد أراضيها في كامل منطقة الهلال النفطي وسط البلاد، تزهو باسم ابنها اللواء ونيس بوخمادة، ودوره في حروب بنغازي، اتهمت بدعمها لمحاولات إبراهيم الحضران، قائد حرس المنشآت النفطية السابق والمنحدر من القبيلة ذاتها، لاسترداد سيطرته على منطقة الهلال النفطي، قبل أن تنفذ أجهزة أمن حفتر اعتقالات واسعة لرؤوس ووجوه القبيلة.

وللأسباب والاتهامات ذاتها، هُمّشت قبيلة العواقير التي تمتد أراضيها في أغلب أجزاء بنغازي، وكان للضباط من أبنائها دور في سيطرته على المدينة، بعد اتهامها بدعم انقلاب النقيب فرج أقعيم العقوري، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقبلها قبيلة البراعصة، بعد عصيان وتمرد قاده العقيد فرج البرعصي مطلع 2017.

ويلاحظ بشكل واضح تراجع دور هذه القبائل بشكل كبير في الآونة الأخيرة، فقادة حرب اللواء الليبي المتقاعد على طرابلس كانوا من أبناء القبائل الأصغر، كقبيلة الحاسة التي ينتمي لها اللواء عبد السلام الحاسي، آمر غرفة العمليات الرئيسية للسيطرة على طرابلس.

اعتقالات وتغييرات

وتشرح الأوساط ذاتها، المطلعة على كواليس قرارات حفتر، أن سقوط مدينة غريان، في يونيو/حزيران من العام الماضي، كان فرصة مناسبة لإحداث سلسلة من التغييرات والتعيينات الجديدة التي ينتهجها اللواء المتقاعد بين الفينة والأخرى، فتم اعتقال الحاسي بتهمة التسبب في سقوط غريان، وتعيين اللواء المبروك الغزوي المنحدر من الجنوب الليبي خلفاً له.

وتكشف المصادر أن التعيينات الجديدة، التي تعمّد فيها حفتر إحاطة نفسه بشخصيات عسكرية وأمنية من غرب البلاد، هدفت إلى إقصاء رموز عسكرية تمثل وجاهات قبائل الشرق، ما كان سبباً مباشراً في الغضب الذي يسود أوساط برقة القبلية حالياً.

ومنذ منتصف 2018 وحتى نهاية 2019، اعتقلت أجهزة أمن حفتر عدداً من أبرز الضباط المؤسسين لـعملية الكرامة، وعلى رأسهم اللواء أحمد العريبي، والعميد فتحي الدرسي، والعقيد يوسف القهوجي، واللواء هاشم العقوري، وغيرهم، تزامناً مع إقصاء عدد آخر من قيادات العملية الأوائل، وعلى رأسهم اللواء صالح عبودة رئيس الهيئة العامة للقضاء العسكري، الذي تم تعيين اللواء خيري محمد الناجم من طرابلس بدلاً عنه.

وتكشف قرارات حفتر تعيين عسكريين جدد صحة معلومات الأوساط التي تحدثت لـالعربي الجديد، فاللواء خيري التميمي من طرابلس عينه حفتر منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مديراً لمكتبه الخاص بدلاً من ابن عمه وأقرب المقربين منه اللواء عون الفرجاني، كما عين اللواء عبد الغني كشبور من صبراته آمراً للعمليات العسكرية بالقيادة العامة، واللواء عبد الكريم هدية من ترهونة أميناً عاماً للقيادة العامة، وهو من أهم الشخصيات العسكرية الجديدة والذي أنابه حفتر عنه في زيارات للعديد من الدول.

كما عين اللواء رمضان أبوعائشة من بني وليد رئيساً لهيئة الاستثمار العسكري، بدلاً من اللواء محمد المدني الفاخري.

قبائل ليبيا وحفتر: ولاءات وخلافات

وتشير التركيبة القبلية للتعيينات في قيادات الصفوف القيادية في قوات حفتر ومناطق نفوذها إلى طبيعة أوضاع معسكره، خصوصاً وأنها تسيطر على مواقع عسكرية استراتيجية، وأيضاً مواقع لها ثقل سياسي، أبرزها:

ـ قبائل المرابطين، وهي مزيج من القبائل الصغيرة المتوزعة من امساعد الحدودية مع مصر، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمدينة درنة (300 كم شرق بنغازي)، لكن أبرزها قبيلتا المنفه والقطعان، وقاعدتهما الرئيسية مدينة طبرق، ورغم ولائهما الدائم لقبيلة العبيدات، إلا أن أهمية القبيلتين كونهما الحامي والمستضيف لمقر مجلس النواب في طبرق، وقاعدة جمال عبد الناصر بالمدينة، أكبر القواعد العسكرية أقصى الشرق الليبي.

ـ قبيلة العبيدات، وهي أكبر قبائل الشرق الليبي، وتتشعب أراضيها في أغلب برقة، ما يجعل قرارها الاجتماعي مؤثراً ونافذاً في تلك الأنحاء، ورغم دعم أبرز رجالها الحاليين عقيلة صالح لحفتر إبان توليه لمنصب رئيس مجلس النواب في أغسطس/آب 2014، إلا أن قطاعاً كبيراً من أبناء القبيلة على خلاف ذلك، فمن أبرز معارضي حفتر اللواء سليمان محمود العبيدي، أحد رموز نظام القذافي، والذي شكل معارضة كبيرة لحرب حفتر على مدينة درنة خلال عام 2018، تمكن عبرها من منع أبناء القبيلة في المشاركة فيها.

وبسبب اتساع مناطق نفوذ القبيلة الترابي، فإن أكثر المواقع الاستراتيجية تقع داخل أراضيها، كمطار وقاعدة الأبرق، ومعسكرات لملودة والبمبه ومرتوبة.

ـ قبيلة البراعصة التي تعتبر، باستثناء السنتين الأوليين لبدء عملية الكرامة، على خلاف كبير مع حفتر بسبب العداء الذي جاهر به أبرز ضباط القبيلة، وهو العقيد فرج البرعصي، للواء المتقاعد، ما دفع الأخير إلى شن حملة اعتقالات ومداهمات في أوساط القبيلة، الأمر الذي تسبب في توقف القبيلة عن دعمه.

وتتمثل أهمية القبيلة كونها الحامي للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب التي تتخذ من مدينة البيضاء (200 كم شرق بنغازي) عاصمة القبيلة مقراً لها.

ـ قبيلتا الحاسة والعرفة، من القبائل الصغيرة، وتمتد أراضيهما من شحات المحاذية لمدينة البيضاء إلى المرج (130 كم شرق بنغازي)، وبرز دورهما مؤخراً بفعل التحالفات التي ربطها حفتر بين القبائل الصغيرة، على شكل مجالس قبلية بهدف إبرازها، مقابل إقصاء القبائل الأخرى، لذلك فالقبيلتان لا تزالان على ولاء مطلق لحفتر، خصوصاً أن معقله الرئيس في الرجمة وقاعدة الخادم الإماراتية تقع داخل أراضيهما.

ـ قبيلة العواقير، من أولى القبائل التي قدمت الدعم لـعملية الكرامة، وشكل أبناؤها العسكريون والمدنيون نواة قوات حفتر أيام انطلاقتها الأولى، وساعدوها على إنجاح عملياتها لصالح حفتر كون نفوذها الترابي يبدأ من مدينة المرج شرقاً وحتى غرب بنغازي.

ولاحقاً، شن حفتر حملة اعتقالات في صفوفها، وأقصى أبرز قادتها، كالنقيب فرج قعيم، الذي اتهمه بتدبير انقلاب عسكري.

ـ قبيلة البراغثة ورغم عصيان وتمرد القبيلة إلى حد تولي أبرز ضباطها، وهو المهدي البرغثي، لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق، إلا أن حفتر دخل معها في عملية مساومة لرجوعها عن مواقفها المعادية له مقابل إطلاق سراح قعيم من سجونه.

ـ قبيلة المغاربة، وهي من أكبر القبائل في وسط البلاد، حيث تمتد أراضيها في كامل منطقة الهلال النفطي، وتعتبر مدينة أجدابيا (150 كم غرب بنغازي) قاعدتها الرئيسية التي تتقاسمها مع قبيلة الزوية.

ورغم اضطرارها لتسليم منطقة الهلال النفطي، في مارس/آذار 2017، لحفتر، إلا أنها تشهد عداء مكتوماً ضده بعد حربه التي شنها على إبراهيم الجضران المغربي، قائد حرس المنشآت النفطية الذي طالما وفر للقبيلة مركزاً هاماً في إدارة شؤون البلاد بسيطرته على مرافئ النفط وحقوله في حوض زلة ومراده.

ـ قبيلة الزويّة، وهي قبيلة على ولاء كامل لحفتر حيث وفرت له طريقاً سهلاً للنفاذ إلى الجنوب الليبي، إذ تمتد أراضيها من اجدابيا شمالاً وحتى الكفرة الحدودية مع السودان جنوباً، وهي من نفذت قراراته الأخيرة بشأن قفل صمامات النفط، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، حيث تقع أهم الحقول النفطية الليبية في أراضيها جنوباً.

ـ قبيلة الفرجان، التي لا تعتبر من القبائل ذات الأثر الكبير، فقاعدتها الرئيسية تقع في غرب البلاد، وتحديداً في منطقة الداوون، إحدى مناطق مدينة ترهونة، جنوب شرق طرابلس، لكن انتماء حفتر لها أعطاها ثقلاً اجتماعياً في مناطق توزعها في الشرق الليبي، وخصوصاً في اجدابيا.

كما استفاد حفتر بشكل كبير من فروع قبيلته في مدينة سرت لإخضاعها لسيطرته، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، بحيث يكون أبناء القبيلة أكبر مكونات الكتيبة 604 مشاة، التي لعبت دوراً أساسياً في سقوط المدينة في قبضته.

______________

مواد ذات علاقة