لقد أعلن خليفة حفتر، الذي يقود قوات تحاصر طرابلس، بأنه سيستبدل الوساطة المدعومة من الأمم المتحدة بخريطة طريق جديدة وحكومة جديدة. أحدث هذا المقترح انقساماً بين مؤيديه؛

أما خصومه فوصفوه بالانقلاب. من أجل وقف صراع على السلطة، ينبغي على الداعمين الإقليميين لحفتر الضغط عليه لإعادة النظر بمقترحه.

في خطاب متلفز قصير في وقت متأخر من 27 نيسان/أبريل، أعلن خليفة حفتر أنه قَبِل تفويضالشعب بإسقاط الاتفاق السياسي الليبي الذي توسطت في التوصل إليه الأمم المتحدة في العام 2015 وتمكين القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، أي القوة العسكرية التي يقودها، بالاضطلاع بالمسؤولية عن المؤسسات الحاكمة في البلاد.

الاتفاق السياسي الليبي يمنح الاعتراف الدولي لحكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس، والتي يشن عليها حفتر حرباً مهلكة منذ نيسان/أبريل 2019. وفي حين أن لا حفتر ولا مجلس النواب المتحالف معه والذي يتخذ من طبرق مقراً له ولا حكومته اعترفوا بالاتفاق السياسي الليبي، فإنهم قبلوا به كأساس للمفاوضات. وبرفض الاتفاق السياسي الليبي الآن، فإن حفتر يقول ضمناً إنه لم يعد ملتزماً بالجهود الدولية للتوسط لإنهاء الحرب – وسيسعى لتحقيق مشروع سياسي بديل.

لم يقدم حفتر في خطابه تفاصيل عما يعتزم فعله. وبدلاً من ذلك، أشار بشكل متكرر إلى إرادة الشعب الليبيو التفويضالذي يدعي أن الشعب منحه إياه.

وكانت هذه إشارات إلى خطاب ألقاه قبل أربعة أيام كان قد دعا فيه الشعب الليبي والمجالس المحلية إلى رفض الاتفاق السياسي الليبي واختيار أي مؤسسة ينبغي أن تحكمه.

وفي الأيام التي تلت ذلك، دعت حفنة من المجالس المحلية والتجمعات القبلية القوات التي يقودها حفتر إلى السيطرة على مؤسسات البلاد. ويبدو أن حفتر استعمل هذه الدعوات للادعاء بأن مقترحه السياسي يحظى بالدعم الشعبي.

بالنظر إلى غياب التفاصيل، من الصعب القول بالتحديد ما يأمل حفتر بتحقيقه من خلال هذا التحرك. قد يكون هدفه الرئيسي ترسيخ السلطة في أيدي القوات المسلحة العربية الليبية في المناطق الواقعة أصلاً تحت سيطرته.

وقد أشار بعض أنصاره إلى أن حفتر قد يكشف قريباً عن وثيقة دستوريةتشكل أساساً لخريطة طريق انتقالية وهيكليات حكم جديدة لهذه المناطق. ورغم أن محتوى مثل هذه الوثيقة ما يزال غير معروف، فإن مقترحاً سياسياً ناقشه السياسيون الموالون لحفتر في بنغازي على مدى الشهور القليلة الماضية قد يوفر تلميحاً إلى ذلك.

فهو يتضمن تعيين مجلس عسكري أو هيئة مدنية – عسكرية تحل محل مجلس النواب خلال هذه المرحلة الانتقالية وتكلف بمهمة تعيين حكومة جديدة في شرق ليبيا كبديل للحكومة الحالية التي يرأسها عبد الله الثني.

كما أن حفتر قد يكون مدفوعاً برغبته باستباق وإحباط أي مفاوضات سياسية محتملة بين مجلس النواب وطرابلس – وربما تهميش المجلس برمته. ورغم أن رئيس المجلس عقيلة صالح وحفتر حليفان، فإن الجيش وبرلمان طبرق لم يكونا متفقين دائماً.

يبدو أن القضية الأكثر إشكالية بينهما تتمثل في خطة اقترحها صالح في 23 نيسان/أبريل، وهو نفس اليوم الذي أطلق فيه حفتر دعوته للشعب الليبي للتعبيرعن نفسه. اقترح صالح تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي (بوجود ممثل عن كل من الأقاليم الليبية التاريخية الثلاثة) يعين حكومة وحدة وطنية جديدة تحل محل المجلس الرئاسي الذي يرأسه رئيس الوزراء فايز السراج ويتخذ من طرابلس مقراً له؛ ويستمر مجلس النواب في طبرق بصفته الهيئة التشريعية الوحيدة في ليبيا، ويكلف بتعيين لجنة تضع دستوراً جديداً.

حينذاك، فسر العديد من الليبيين تصريح صالح بأنه انفتاح على طرابلس وجهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة، وبالتالي يتعارض بشكل مباشر مع إعلان حفتر الذي تزامن مع تصريح صالح.

لكن في الأيام التي تلت، أبلغ صالح وسائل الإعلام الليبية أن مقترحه السياسي لم يكن يتعارض مع بيان حفتر بل يكمّله“. وشرح أن كلا الإعلانين يهدفان إلى تحقيق نفس النتيجة، أي إلغاء الاتفاق السياسي الليبي واستبدال الحكومة غير الدستورية، و غير المنتخبةالتي تتخذ من طرابلس مقراً لها بحكومة جديدة.

في الوقت الراهن، ليس من الواضح ما إذا كان حفتر ما يزال يأمل باللجوء إلى مجلس النواب ليوفر الأساس القانوني لمقترحه، على سبيل المثال، عبر إقناع أعضائه بفرض الأحكام العرفية أو المطالبة بأن يتبنوا رسمياً الإعلان الدستوري الجديد عندما يتم الكشف عنه.

أخيراً، ربما يحاول حفتر صرف الاهتمام الشعبي عن ميدان المعركة في طرابلس، حيث واجهت قواته انتكاسات في الأسابيع الأخيرة. فقد تمكنت القوات الموالية لطرابلس من استعادة السيطرة منذ مطلع نيسان/أبريل، بشكل أساسي بفضل الدعم العسكري التركي

أحدث تحرك حفتر انقساماً بين حلفائه؛ إذ لم يردّ مجلس النواب، الذي يمثل نحو ثلث البرلمانيين الذين انتُخبوا في العام 2014 ومعظمهم من أنصار حفتر، رسمياً على إعلانه، ويبدو أن هناك مشاورات مستمرة بين صالح والجيش.

لكن عدداً من أعضاء المجلس أكدوا دعمهم لمقترح حفتر، بينما عبر آخرون في مجالسهم الخاصة عن قلقهم الشديد من توجهاته الاستبدادية.

لقد شهد شرق ليبيا مظاهرات داعمة لمقترح حفتر في الأيام الأخيرة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه المظاهرات منظمة ومدبرة أو تعبيراً حقيقياً عن الدعم. مجموعات أخرى في شرق ليبيا تتخذ موقفاً حيادياً، بشكل رئيسي لأنها تخشى من أن يؤدي شكل جديد من الحكم إلى تهميش مجلس النواب وأن يفضي إلى حكم عسكري يعارضونه.

كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت مبادرة حفتر تحظى بدعم جميع أفراد القوات المسلحة العربية الليبية. إن احتمال افتراق القوات التي يقودها عن المسار الذي اختاره احتمال ضئيل، لكن إذا تنامت التعبئة الشعبية ضده، يمكن للتصدعات أن تظهر داخل القوات المسلحة العربية الليبية.

أشار عدد من المسؤولين الحكوميين إلى خطاب حفتر بوصفه دليلاً على أنه يعتزم القيام بانقلاب عسكري.

حكومة طرابلس وصفت ملاحظات حفتر بأنها مسرحية هزليةوأكدت عزمها على إلحاق الهزيمة بمشروعه وتبديد أوهامه بتولي السلطة“. وأشار عدد من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الداخلية، إلى خطاب حفتر بوصفه دليلاً على أنه يعتزم القيام بانقلاب عسكري.

والعديد من أنصار الحكومة يعتبرون حفتر أصلاً انقلابياً بعد أول ظهور له كقائد عسكري، ورفضه قبول الاتفاق السياسي الليبي وإعلانه الحرب على طرابلس.

لم يعبّر أي من داعمي حفتر الخارجيين عن تأييده لمقترحه. فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً غامضاً، جددت فيه امتداحها لمساهمة حفتر في محاربة الإرهابفي ليبيا، بينما أكدت على التزامها بإيجاد حل سياسي للأزمة. إلا أن الوزارة أكدت على أن دعمها لحل سياسي لا يعني ولا ينبغي أن يفضي إلى التراخي في مواجهة التيارات الإرهابية المتطرفة المدعومة من تركيا أو الدخول في مفاوضات معها حول مستقبل ليبيا، وهو ما يمكن قراءته بأنه إشارة إلى الإخوان المسلمين، الذين تعتبرهم القاهرة تنظيماً إرهابياً بينما تدعمهم أنقرة.

وعلى غرار مصر، أصدرت الإمارات العربية المتحدة بياناً ظل صامتاً عن دعوة حفتر للجيش لاستلام السلطة. وبدلاً من ذلك، كررت أبو ظبي التزامها بعملية سياسية بإشراف الأمم المتحدة وعبرت عن رفضها القاطع للتدخل العسكري التركيدعماً لحكومة طرابلس.

داعمة أخرى لحفتر، أي روسيا، كانت أكثر وضوحاً في النأي بنفسها؛ فوزير الخارجية سيرغي لافروف رفض تحرك حفتر للسيطرة على البلاد، وأكد على التزام بلاده بحل يتم التوصل إليه من خلال السياسة والدبلوماسية“.

فرنسا والولايات المتحدة، وهما دولتان كانتا في الماضي تدعمان حفتر لكنهما لا تؤيدان حصاره لطرابلس، أصدرتا بيانات مخففة نسبياً. حيث لجأت السفارة الأمريكية في طرابلس إلى تويتر للتعبير عن أسفهامن أن حفتر كان قد اقترح احتمال تغيير البنية السياسية لليبيا عبر إعلان أحادي.

وعلى نحو مماثل، قالت فرنسا إنه لا يمكن التوصل إلى حل عبر القرارات الأحادية، وأعادت التأكيد على دعمها للمحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة.

إيطاليا وبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في ليبيا نأتا بنفسيهما عن تعليقات حفتر وأوضحتا أيضاً دعمهما للاتفاق السياسي الليبي وللمؤسسات المنبثقة عنه، بما في ذلك المجلس الرئاسي الذي يرأسه السراج.

تركيا، حليف طرابلس العسكري، كانت الأكثر وضوحاً في إدانتها؛ حيث أعلن وزير خارجيتها أن حفتر كشف مرة أخرى عن أنه لا يريد أن تتم تسوية الأزمة الليبية عبر الحوار السياسي، وأنه لا يدعم الجهود الدولية في هذا الاتجاه، بما في ذلك نتيجة مؤتمر برلين، ويهدف إلى إقامة ديكتاتورية عسكرية“.

قطر – التي تدعم حكومة السراج أيضاً – حذت حذو أنقرة في إدانة إعلان حفتر.

لا يزال من المبكر معرفة كيفية تأثير إعلان حفتر على الأرض، سواء في شرق ليبيا أو على جبهات القتال المحيطة بطرابلس. إن قدرته على تنفيذ ما يقترحه أو الاستمرار في الحرب على طرابلس سيعتمد بشكل كبير على استمرار داعميه المحليين والخارجيين بالوقوف خلفه.

في تطور مفاجئ في 29 نيسان/أبريل، أعلن المتحدث باسم حفتر أن القوات المسلحة العربية الليبية ستوقف الأعمال القتالية حول طرابلس لما تبقى من شهر رمضان، مضيفاً أن هذا العرض المؤقت للهدنة يأتي بطلب من المجتمع الدولي.

حكومة طرابلس رفضت العرض، وفي بيان صحفي في 30 نيسان/أبريل أكدت على موقفها الثابتفي الاستمرار في دفاعها المشروععن المدينة، و ضرب بؤر التهديد أينما وجدتو إنهاء المجموعات الخارجة عن القانون المستهينة بأرواح الليبيين في كامل أنحاء البلاد“.

بالنسبة لمنتقدي حفتر الليبيين، فإن إعلانه السياسي في 27 نيسان/أبريل عزز فقط فكرة أنه لا يمكن أن يكون شريكاً في المفاوضات. وبإعطائهم مبرراً آخر للاستمرار في محاربته، فإن أحدث رهانات حفتر يخاطر بإدامة هذه الحرب المأساوية.

ينبغي على حلفائه أن يضغطوا عليه بسرعة وقوة كي يعيد النظر بمقترحه ويعبر عن التزامه بالعملية التي تقودها الأمم المتحدة

____________

مواد ذات علاقة