بقلم مختار غميض

مع تزايد الضربات على قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية، أصبح حلم قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الحفاظ على تمركزاتها في المنطقة الغربية الليبية، وبعد سنة من التحشيد والتهديد بساعات الصفر لاقتحام قلب العاصمة طرابلس.

.الجزء الأول

اليوم وضمن عملية عاصفة السلاموبشكل مباغت وجدت قوات حفتر نفسها أمام واقع جديد مع تلقيها مؤخرا ضربات قوية في ساعات فقط، وهروبها إلى قاعدة الوطية الجويّة، التي ستمثل تحديًّا لقوات الوفاق الوطني إضافة إلى مدينة ترهونة، ثاني أهم معقل بعد الوطية في رحلة استرجاعهما.

وممّا لا شك فيه أن الطيران التركي المُسيّر سيلعب دورا مهمًّا في توفير الغطاء الجوي، فضلا عن دور المقاتلات التركية التي دخلت المجال الجوي الليبي حديثا ودور منظومة الدفاع الجوي التي ستواصل تحييدها لسلاح الجو التابع لحفتر في مهمة إخضاع ترهونة وقاعدة الوطية الإستراتيجيتين.

وذلك في وقت انكفأت فيه الدول الداعمة لحفتر خاصة فرنسا على نفسها، بينما أيقنت روسيا أن حفتر لم يعد يقوى على دخول طرابلس، فيما واصلت الولايات المتحدة نفس التمشي في تهميش الملف الليبي رغم إعطائها حفتر ضوء أخضر مشروطا في بداية عدوانه.

هذه المواقف ستساعد قوات الوفاق في ترسيخ الشرعية ووضع إستراتيجية لتحركاتها وتثبت أهليتها أمام العالم وتعطي لتركيا الضوء الأخضر للاستفراد بالملف الليبي.

مقدّمة

من المتوقع سهولة السيطرة على آخر منطقتي نفوذ لأمير الحرب في ليبيا خليفة بلقاسم حفتر، ترهونة والوطية، نظرا لما تتلقيانه من ضربات سابقة ولاحقة وللعدد القليل من المقاتلين المتبقين داخلهما بعد انسحاب معظمهم، ثم بالنظر لعامل الطيران المُسير الذي يوفر عاملي المراقبة والاستهداف في آن، وتأمين محيط القاعدة المكشوفة جغرافيا.

سياسيا، من شأن هذا الاقتحام لهاتين البؤرتين، قلب طاولة المفاوضات رأسا على عقب، ويأتي إعلان حفتر مؤخرا انقلابه على مؤسساته الموازية بالشرق وعلى اتفاق الصخيرات برمته، في سياق لعب آخر أوراقه المكشوفة للحفاظ على ما تبقى من رصيده السياسي.

هذا الرصيد سينتهي تماما بخسارته الميدانية لكامل المنطقة الغربية، ومن هنا يمكن فهم ما تم تسريبه بخصوص زيارة غير معلنة أداها خليفة حفتر لمصر طالب فيها بوساطة أجنبية لدى حكومة طرابلس المعترف بها دوليا.

كما لا يمكن فهم كلمة الرئيس التركي مؤخرا عن أنباء قريبة وسارة في ليبيا، وهو الداعم الأكبر لحكومة الوفاق، خارج إطار استرجاع الشرعية الليبية لنفوذها ما قبل عدوان حفتر على العاصمة.

هذا النفوذ يرى المراقبون في ظل الزخم الحالي أن يمتدّ إلى المحور الشرقي في سرت والجفرة وربما أبعد من ذلك.

وفي سياق مرحلة الهجوم، فإن المنعرج الجديد في الملف الليبي بعد حالة الجمود السياسي، قد يدفع قوى منهاضة للوفاق إلى التحرك الدبلوماسي، فسارعت قوات الوفاق إلى توخي خيار حسم المعركة عسكريا اتقاء لتهديدات وباء كورونا مع استبعاد تدخل عسكري لمعسكر حفتر.

بالإضافة إلى إعادة زمام المبادرة للشرعية الدولية التي تآكلت بسبب ضعف الأداء أمام جنرال حرب لم يحترم كل التزاماته تجاه التفاهمات الأممية ومع سعي كل دولة وراء مصالحها الجيوسياسية.

فبرزت للعيان قناعة معظم القوى الغربية والشرقية، فرنسا وأمريكا وروسيا خاصة، بأن الرهان على فشل حفتر كان متوقّعًا رغم تعهّد رسمي من دول عربية بالترويج لنجاح حفتر.

لكن الدخول العسكري التركي المعلن على الخطّ والداعم بقوّة للحكومة الشرعية فضح الداعمين مما سيقلب المعادلة ويحتّم على حكومة الوفاق بلورة رؤية وطنية ( سياسية وعسكرية وأمنية) لما بعد الحسم، وكيفية التعامل مع أي دعوات دولية للعودة للحوار السياسي ومحاولات إنقاذ حفتر.

أولا: استرجاع المنطقة الغربية

ـ سرعة استرجاع مدن الشريط الساحلي

مَثّل التقدم الجوي والبري لقوات بركان الغضبالتابعة لحكومة الوفاق الوطني وخاصة السيطرة على أهم قاعدة عسكرية تحولا نوعيا في سير المعارك، وقد اتجهت هذا الأسبوع أرتال عسكرية للتقدم بريا نحو غرفة العمليات الإستراتيجية لحفتر بالوطية ومحاصرتها مدعومة بغطاء جوي لسلاح الطيران المُسير، بينما لا تزال مناطق جنوب طرابلس تشهد صراعا مفتوحا على أكثر من جبهة.

فضّلت قوات بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الوطني التوجه نحو حصر محاور الصراع الكبرى وتنقية المناطق الغربية من أي وجود لعناصر حفتر وخلاياه النائمة في مسعى للتخلص منها نهائيا.

وفعلا كان لقوات الوفاق ما أرادت حيث ضمّت ثمانية مناطق دفعة واحدة وهي صبراتة وصرمان والعجيلات ورقدالين والجميل وزلطن والعسة والمطرد، إلى نفوذها في ظرف ساعات معدودات وقبل أن تغرب شمس الـ13 من أبريل الحالي، وهي مدن وقرى كانت خاصرة رخوة سهلة التطويع استغلتها قوات حفتر كقواعد لها لتنفيذ هجماتها أو التزود بإمدادات للهجوم على العاصمة.

كما أنها موالية للنظام السابق وتحوي عددا كبيرا ممن اصطلح بتسميتهم بـ السلفية المدخلية، حتى أن إحدى إذاعاتهم في إحدى المدن المسترجعة كانت تبث خطاب الولاء لحفتر قبل ساعة من انقلابها إلى بث أغان لبركان الغضب، فضلا عن ضجر المواطن في تلك المدن والقرى وحتى في طرابلس و ليبيا كلها من أعمال الاستبداد وكتم الحريات ومشاركة مهجري الشرق في المعارك وامتلاء السجون بتلك المناطق خير دليل.

لذلك سهلت تلك العوامل السيطرة على مدن الشريط الساحلي الغربي التي تعد مسالمة مثلها مثل مدن الجنوب الليبي التي دخلتها قوات حفتر صيف العام المنقضي دون قتال، على خلاف مدن أخرى وازنة مثل الزاوية وزوارة التي عصت على قوات حفتر بل أوّل من كبّدته خسائر منذ هجومه على طرابلس.

أمّا زوارة فدفعت أخيرا بقوتها العسكرية نحو محاور صلاح الدين وعين زارة والسدرة والمشروع والطويشة، جنوب العاصمة، لتعزز قوة جنزور والقوة المتحركة في طرد القوات الغازية.

وبالسيطرة على الطريق الساحلي من أبوقرين شرق مصراته حتى رأس جدير مع تونس، لم تبق أمام قوات البركان إلا اقتحام قاعدة الوطية كأكبر تحدٍّ، لذلك ذهبت إلى محاصرتها براً و جواً إلى حين الحسم في أمرها.

***

مختار غميض ـ صحفي تونسي

______________

مواد ذات علاقة