إعداد وحدة الدراسات السياسية

أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في بيان متلفز بثته قنوات مقرّبة منه، في 27 أبريل/ نيسان 2020، إيقاف العمل بالاتفاق السياسي الليبي، والاستجابة للإرادة الشعبيةبتولّي المؤسسة العسكريةالسلطة.

.الجزء الأول

يأتي قرار حفتر بعد أيام قليلة من طلبه تفويضًا شعبيًّالإدارة شؤون البلاد وفق إعلان دستوري تصدره المؤسسة العسكرية. ويتزامن هذا التطور الجديد مع انقلاب في المشهد العسكري لصالح حكومة الوفاق الوطني، بعد مرور عامٍ على إطلاق حفتر هجومًا على العاصمة طرابلس.

انقلاب المشهد الميداني

أطلقت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، في 26 آذار/ مارس 2020، عمليةً عسكرية لصد هجوم قوات حفتر على غرب ليبيا، تحت مسمّى عاصفة السلام؛ بهدف حماية العاصمة طرابلس ومحيطها من القصف الصاروخي والمدفعي الذي تتعرض له، والذي ألحق أضرارًا بالغة بأحيائها السكنية ومنشآتها الخدمية وبُناها التحتية.

وتتزامن هذه العملية العسكرية مع الذكرى السنوية الأولى لإطلاق حفتر هجومه على العاصمة في 4 من أبريل/ نيسان 2019، وبعد أشهر من المبادرات الدولية التي انطلقت مع لقاء موسكو الذي جرى بتنسيق روسي تركي خلال كانون الثاني/ يناير الماضي.

ومنذ انطلاق الهجوم على العاصمة، في 4 نيسان/ أبريل 2019، وجدت قوات الوفاق نفسها مجبرةً على اتخاذ وضعية الدفاع؛ لافتقارها إلى التنسيق والتسليح الجيد، وإلى غطاء جوّي فاعل.

واقتصرت مبادراتها الهجومية على العملية العسكرية التي أدّت إلى استرجاع مدينة غريان، في أواخر حزيران/ يونيو من العام الماضي.

ولئن نجح هذا التكتيك العسكري في منع قوات حفتر من المزيد من التقدم، فإن تكلفته البشرية والمادية كانت عالية؛ إذ ظلت العاصمة في مرمى القصف، المدفعي والصاروخي والجوّي، وتفاقمت أزمة النزوح من الأحياء المحاذية لمحاور القتال أو الواقعة ضمنها.

ومنذ إطلاق عملية عاصفة السلام، شهدت المنطقة الغربية والمنطقة الوسطى، نشاطًا مكثفًا لسلاح الجو التابع لحكومة الوفاق الوطني، حيث شملت غاراته تجمعات قوات حفتر؛ مِن سرت شرقًا إلى الحدود التونسية غربًا.

ومقابل ذلك تراجعت طلعات الطيران (الحربي والمسيّر)، الداعمة لحفتر، بعد أن ظلّت الفاعل العسكري الأبرز على امتداد عامٍ كامل، وخلال فترة طويلة نسبيًّا من احتكار الأجواء.

وتركزت ضربات طيران الوفاق على محاور قتالية رئيسة، حتى الآن، هي: منطقة الوشكة، وأبو قرين بين مصراتة وسرت، وقاعدة الوطية جنوب غرب العاصمة، ومدينة ترهونة التي تُعد غرفة العمليات الرئيسة لقوات حفتر في المنطقة الغربية، ومدن الشريط الساحلي الغربي.

أدّى الاستخدام المكثف للطيران المسيّر من جانب قوات حكومة الوفاق الوطني إلى إحداث انقلاب في المشهد العسكري بالمنطقتين؛ الغربية والوسطى. ففي المنطقة الوسطى، ألحقت الغارات الجوية أضرارًا بشرية ومادية فادحة بقوات حفتر في محورَي الوشكة وأبو قرين، ومنعتها من التقدم في اتجاه الحدود الإدارية لمصراتة.

أما في المنطقة الساحلية الغربية وما جاورها، فقد حققت قوات الوفاق اختراقًا ميدانيًّا كبيرًا باستعادة السيطرة على كامل الشريط الساحلي الواقع بين العاصمة طرابلس والحدود التونسية، واسترجاع مدن عدة، هي: صرمان وصبراتة والجميل ورقدالين وزلطن والعسة والطويلة، في عملية عسكرية خاطفة تمَّ خلالها الحصول على كميات كبيرة من الغنائم المتمثلة بالأسلحة والعتاد والآليات.

إضافةً إلى تفكيك المجموعات المدخلية المسلحة، ولجوء مجموعات أخرى إلى قاعدة الوطية.

وفي الآن نفسه، أدّت الغارات المتتالية التي شنَّها الطيران المسيّر إلى تحييد قاعدة الوطية الاستراتيجية وإخراجها من الخدمة، بعد أن كانت منطلقًا للغارات الجوية على طرابلس والمنطقة الغربية، ومعسكرًا خلفيًّا لمرتزقة شركة فاغنر الروسية.

وما إن تمَّ بسطُ السيطرة على الشريط الساحلي الغربي وتحييد قاعدة الوطية، حتى توجهت قوات الوفاق إلى مدينة ترهونة التي تُعد غرفة العمليات الرئيسة في المنطقة الغربية، وتمكنت من التوغل في حدودها الإدارية، بالتوازي مع شنِّ ضربات جوية استهدفت معسكرات قوة الكانياتالتابعة لحفتر داخلها.

ورغم أن قوات الوفاق حققت تقدمًا ميدانيًّا مهمًّا خلال اليوم الأول من تحركها نحو ترهونة، فإنها اكتفت بتأمين ما حققته من مكاسب وفرضت حصارًا حول المدينة، ويبدو أن طبيعة المعركة هناك لا تسمح بتكرار سيناريو العملية الخاطفة التي شهدها الشريط الساحلي الغربي؛

فمدينة ترهونة تقع ضمن مجال جغرافي تحكمه التضاريس المرتفعة ويخترقه طريقان فقط يؤديان إلى وسط المدينة، إضافةً إلى النسيج الاجتماعي المعقد في المنطقة الذي يمتد إلى التخوم الجنوبية للعاصمة.

من جهة أخرى، لا توجد خيارات كثيرة أمام قوة الكانيات؛ وهي النواة الصلبة لقوات حفتر بالمدينة، ما يدعوها إلى الاستماتة في الدفاع عن مواقعها الأخيرة، مستغلةً صعوبة لجوء قوات الوفاق إلى سلاح الطيران، بكثافة؛ نظرًا إلى اكتظاظ المدينة بالسكان.

في الحصيلة، نجحت قوات الوفاق، خلال شهر من إطلاق عملية عاصفة السلامفي تأمين الشريط الساحلي الغربي، وإخراج قاعدة الوطية من الخدمة، وفرض حصار على مدينة ترهونة، وتضييق الخناق على قوافل الإمدادات القادمة من المنطقة الشرقية عبر قاعدة الجفرة.

وفي هذه الأثناء، يظل تأمين العاصمة من القصف الذي يمتدّ إليها يوميًّا مرتهنًا بتطور الوضع الميداني في ترهونة.

ففي حال تواصُل قطعِ خطوط الإمداد وتمكُّن قوات الوفاق من استعادة ترهونة، فإنّ مثل هذا التطور سيكون مؤذنًا بانتهاء المعركة في التخوم الجنوبية للعاصمة.

البقية في الجزء الثاني

***

وحدة الدراسات السياسية ـ هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها.

_______________

مواد ذات علاقة