بعد نحو شهرٍ ونصف من المعارك الضارية والمكثفة على قاعدة الوطية الجوية – جنوب غرب طرابلس – تمكنت قوات حكومة الوفاق من إسقاط المركز الرئيس لقيادة عمليات حفتر في غرب ليبيا.

الجزء الأول

ذلك هو آخر قلاع حفتر في الساحل الغربي بعد مدينة ترهونة – جنوب شرق طرابلس – وهنا ترسم الهزيمة أحدث الخسارات التي أفقدت اللواء المتقاعد آخر تمركز عسكري في المنطقة الممتدة من غرب طرابلس إلى الحدود التونسية، والتي شكلت دومًا تهديدًا مُباشرًا على مدن الساحل الغربي.

وفيما احتفت حكومة الوفاق بالتقدم الميداني الذي وصفه رئيس الحكومة فايز السراج بأنه يُقربهم من الانتصار الكبير، قللت قوات الشرق الليبي من التطورات الأخيرة التي وصفتها بأنها انسحاب تكتيكي بدون أي خسائر لنحو ألف آلية ومدرعة وكل الطائرات.

كما انسحب 1500 جندي لم تأسر الوفاق أيًا منهم، وهي المُعطيات التي دفعت المهزوم لاعتبار قاعدة الوطية ليست ذات أهمية عسكرية في الوقت الحالي، في إشارةٍ إلى مدينة ترهونة التي وصلتها بعد القوات الفارّة، حيث الفصل الأخير من معركة طرابلس التي أطلقها حفتر في أبريل (نيسان) العام الماضي.

ترهونة.. هل يمكن أن يتكرر سيناريو الوطية في المدينة الحصينة؟

قبل الخسارة الأخيرة، مُنيت قوات الجنرال الليبي بهزيمةٍ أخرى مدوية عبر خسارته ست مدن إستراتيجية على الشريط الساحلي الممتد من العاصمة حتى الحدود مع تونس، وهي البلدات التي تشهد ثقلًا قبليًا داعمًا لحفتر، خلال مسيرة بدأها الأخير منذ عام 2011، حين وصل لتفاهمات مع تلك المدن، ونسج تحالفات مع عدد من قبائلها الذين دعموا القذافي قبل سقوط النظام، وباتوا بعدها خارج المشهد السياسي لصالح قبائل أخرى لعبت أدوار مخالفة.

وبعيدًا عن الدعم القبلي، ففقدان الساحل الغربي لم يشكل أي تهديدٍ لحفتر حينها، طالما ظل محتفظًا بقاعدة الوطية، إلى جانب مدينة ترهونة، ومن خلفها قاعدة الجفرة الجوية، وهم مثلث القوى، ورؤوس الحربة التي سبق وعوَّل عليهم الجنرال الليبي في انتزاع ما فقده في جولاتٍ سابقة.

ولطالما فشلت حكومة الوفاق في انتزاع أوراق القوة لحفتر لأسباب عسكرية واجتماعية، لكن تفاصيل الهزيمة الأخيرة تكشف ثغرة جديدة قلبت موازين القوى، فبينما أرجعت الوفاق إسقاط الوطية بسبب انسحابات القوات بداخلها على خلفية تدمير منظومتي دفاع جوي روسيتين تابعتين لحفتر فور وصولها للقاعدة.

لكنّ مصادر أخرى كشفت وساطة قبلية نجحت الوفاق في تمريرها بين أبناء قبيلة الزنتان التي ينتمي لها أغلب عناصر حفتر داخل القاعدة، وهي ذات القبيلة التي ينحدر منها أسامة الجويلي، آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية بحكومة الوفاق.

وبحسب ما كشفه آمر اللواء الأول مشاة التابع لحكومة الوفاق الوطني.

فالصفقة اعتمدت على فتح محاور محددة لانسحاب القوات من داخل القاعدة دون التعرض لها أو الاشتباك معها، وهو ما أتاح للوفاق نصرًا سريعًا بأقل التكاليف.

واللافت أنّ القوات التي انسحبت عاد جزء منها إلى منطقتي الزنتان والرجبان، بينما توجه عددٌ آخر إلى ترهونة، وهو الوجه الآخر للبيان الذي أصدرته غرفة عمليات حفتر بشأن عدم أسر قواتها وانسحابها الكامل مُحمّلة بعتادها.

الوجهة الجديدة التي سيلتقي عندها طرفي الصراع ستحدد مصير المنتصر، ولم يتبق في جولات المعارك الدائرة في الغرب الليبي سوى مدينة ترهونة – 88 كم جنوب طرابلس – وتفشل حكومة الوفاق في السيطرة على ترهونة منذ أطلقت معارك استرداد مدن غلاف العاصمة طرابلس، بصفتها المدينة الحصينة التي تستعصي على السقوط، والتي تحوي بداخلها مركز عمليات حفتر.

إضافة إلى أنها معقل اللواء التاسع مشاة، أقوى الكتائب في غرب ليبيا، والتي سبق أن دخلت في اشتباكاتٍ مع ميليشيات العاصمة للسيطرة على طرابلس.

تتضح خطورة المدينة كونها تمثل جذور حفتر القبلية (قبيلة الفرجان)، وهو السبب الرئيس الذي ربما لن يجعل مصيرها مثل الوطية، كون المدينة في عداءٍ كامل مع طرابلس على المستوى القبلي والتاريخي، وتعترف حكومة الوفاق بأنّ بقاء ترهونة خارج السيطرة يهدد كافة انتصاراتها.

بعد أربعة أيامٍ فقط من اندلاع معركة طرابلس، وقيام حكومة الوفاق بهجوم مضاد ضد المدن التي خسرتها، أعلنت ترهونة انضمامها لصفوف حفتر، وهو الإعلان الذي أربك صفوف الوفاق؛ نظرًا إلى قوات اللواء التاسع، التي تعد أخطر قوة مسلحة تهدد العاصمة الليبية، وهو التحالف الذي وصفته مُبكرًا وكالة «الأناضول» التركية، بأنه قد يقلب موازين القوى في المعركة، وهو الافتراض الذي ثبت صحته فيما بعد.

وفي الوقت الذي يفشل فيه حفتر في إسقاط طرابلس، تفشل حكومة الوفاق أيضًا منذ التاريخ نفسه في الهجوم على مدينة «ترهونة» التي تضم أكبر القبائل الليبية، والتي يُنسب لها التفوق النوعي الذي أحرزته قوات الجنرال الليبي في محاور القتال، خلال معاركها الساخنة في كل من مدن غلاف العاصمة، ومعارك السيطرة على مطار طرابلس.

وبالرغم من اختلال التوزان العسكري لقوات حفتر داخل ترهونة التي تواجه هجومًا شرسًا من سبعة محاور، في ظل غياب الغطاء الجوي، إلا أنها ما زالت تمتلك دفاعات جوية قوية يُسيّرها مرتزقة شركة فاجنر الروسية، بحسب اتهامات الوفاق.

البقية في الجزء الثاني

______________

مواد ذات علاقة