سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني على قاعدة الوطية الجوية في 18 أيار/ مايو 2020. 

.الجزء الأول

مقدمة

جاءت السيطرة على هذه القاعدة الاستراتيجية في سياق تحوّلٍ تشهده المعارك الجارية في المنطقة الغربية من ليبيا منذ أطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس في 4 نيسان/ أبريل 2019، وتمثّل منطلقًا لاستعادة حكومة الوفاق جميع مدن الساحل الغربي والتقدم في اتجاه مدينة ترهونة، واستهداف خطوط الإمداد بين قاعدة الجفرة الجوية ومحاور القتال في المنطقة الغربية.

مغزى سقوط الوطية

تقع قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب طرابلس، وتبعد عنها مسافة 140 كيلومترًا، وتتبع إداريًا مدينة الجميل، ولا يفصلها عن الحدود التونسية سوى 27 كيلومترًا.

أنشأت القوات الأميركية القاعدة عام 1942، أثناء الوصاية الأميركية البريطانية الفرنسية على ليبيا، خلال الحرب العالمية الثانية، وتم تطوير بنيتها التحتية ومنشآتها أثناء حكم القذافي، وأصبحت قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الطائرات فضلًا عن 7000 عسكري.

تقع القاعدة في وسطٍ جغرافي خالٍ من السكان، ويتاخمها محيطٌ تضاريسي يوفر تحصيناتٍ طبيعيةً لها. تعرضت القاعدة لقصفٍ جوي من جانب قوات حلف شمال الأطلسي الناتوعام 2011 قبل أن تسيطر عليها تشكيلات عسكرية من الزنتان والمكونات القبلية المتحالفة معها.

وعادت القاعدة إلى واجهة الأحداث عام 2014 عقب الانقسام الذي صاحب إطلاق حفتر عملية الكرامةوتحالف قوات الزنتان معه. ومنذ ذلك التاريخ ظلت القاعدة أحد المواقع المتقدمة لـ عملية الكرامةفي المنطقة الغربية.

اضطلعت القاعدة بأدوار عسكرية مهمة، منذ إطلاق حفتر الهجوم على العاصمة طرابلس، العام الماضي، حيث تحولت إلى مركز تجمعٍ وإمداد لقوات حفتر وعناصر المرتزقة المتحالفة معها ونقطة إقلاع للطائرات التي استهدفت طرابلس والزاوية وسائر المدن الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق غرب العاصمة وجنوب غربها.

منذ إطلاق حكومة الوفاق الوطني عملية عاصفة السلام، تعرضت القاعدة لسلسلة ضربات جوية نفذتها طائرات مسيّرة، ألحقت أضرارًا بالغة بتجهيزاتها وبنيتها التحتية، وأدّت إلى مقتل عددٍ من الأفراد المتحصنين فيها؛ وهم، أساسًا، من الرجبان والزنتان والفارّين من مدن الساحل الغربي، بينهم آمرها أسامة مسيك.

وكانت قوات مشتركة تابعة لحكومة الوفاق حاولت اقتحام القاعدة والسيطرة عليها، في 5 أيار/ مايو 2020، غير أنها اضطرت إلى التراجع بعد أن تكبدت خسائرَ بشرية، لتعيد الكرة في 18 أيار/ مايو، وتبسط سيطرتها الكاملة على القاعدة إثر انسحاب المسلحين التابعين لحفتر منها.

ويبدو أنّ انقطاع الإمدادات عن المتحصنين بالقاعدة، والضغط العسكري والخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها الضربات الجوية المتواصلة بهم، على امتداد أسابيع، إضافة إلى ترتيبات أجرتها حكومة الوفاق مع مكونات اجتماعية في المنطقة ضمنت سيطرة قوات الوفاق عليها مقابل السماح بانسحاب مسلّحي الزنتان والرجبان نحو مناطقهم، ومغادرة الآخرين إلى مناطق واقعة ضمن نفوذ حفتر.

حسم محاور العاصمة

بعد أن استعادت قوات حكومة الوفاق السيطرة على جميع مدن الساحل الغربي وقاعدة الوطية، يظل أمامها ثلاث جبهات عسكرية مهمة لتأمين العاصمة والمنطقة الغربية بالكامل، وتعزيز مواقعها التفاوضية في أي تسوية سياسية قادمة.

وتتمثل هذه الجبهات في محاور جنوب طرابلس، وترهونة، وسرت الجفرة. ورغم أن السياق العام للمعركة يظهر على شكل حلقات مترابطة تؤدي الواحدة منها إلى الأخرى، فإنّ تفاصيلَ ميدانية واجتماعية كثيرة تجعل لكل جبهة وضعًا خاصًا بها.

وما إن تمت استعادة الوطية حتى بادرت القوات الداعمة لحكومة الوفاق إلى التحرك نحو مدينة الأصابعة التي كانت أحد المنافذ التي دخلت منها قوات حفتر إلى غريان ثم طرابلس في 4 نيسان/ أبريل 2019، وسيطرت عليها بعد اشتباكات دامت يومًا واحدًا.

ورغم الحجم السكاني المحدود لمدينة الأصابعة، فإن السيطرة عليها تضمن تأمين الخاصرة الجنوبية لمدينة غريان والطريق المؤدية إلى الزنتان والرجبان وباقي مدن جبل نفوسة، كما تفتح الطريق نحو بلدات مزدة والقريات والشويرف التي تعدّ محطات رئيسة لقوافل الإمداد القادمة من قاعدة الجفرة الجوية.

ورغم عدم وجود مؤشرات تدل على استعداد قوات الوفاق للتقدم نحو هذه البلدات، فإنّ استهداف القوافل المارّة عبرها بالطائرات المسيّرة طيلة الأسابيع الأخيرة حدّ بوضوح من قدرة قوات حفتر في المنطقة الغربية على الصمود في ظل شحّ إمدادات الوقود والذخائر.

ويبدو أنّ حكومة الوفاق تعوّل على سياسة الضغط المتواصل لإنضاج تفاهمات مع المكونات الاجتماعية بهذه المناطق على غرار ما جرى في قاعدة الوطية. وتذهب المؤشرات الأولية إلى إمكانية تحقيق اختراق في هذا الاتجاه، في ضوء البيان الذي أصدرته قبائل مدينة مزدة، وأعلنت فيه ولاءها لحكومة الوفاق ورغبتها في النأي بالمنطقة عن أيّ صراع مسلح.

مثّلت السيطرة على قاعدة الوطية الجوية نصرًا معنويًا كبيرًا لقوات الوفاق يتجاوز قيمة المكسب الميداني، رغم أنّ إخراجها من الخدمة جعل العاصمة ومدن المنطقة الغربية أكثر أمنًا، غير أن ذلك لا يعني انهيار محاور جنوب العاصمة ومدينة ترهونة؛ وهما الجبهتان الأشد أهمية في محيط طرابلس، كما جرى في مدن الشريط الغربي.

ويدرك حفتر وداعموه الإقليميون أنّ سقوط محاور ترهونة وجنوب العاصمة سيمثل الضربة الأكبر لمساعي السيطرة على غرب ليبيا، وأن تداعياته لن تقف عند حدود طرابلس والمنطقة الغربية.

لذلك عمدت قوات حفتر إلى عمليات تفخيخ واسعة للشوارع والمزارع والمساكن والمساجد والمدارس في محاور جنوب طرابلس لتعرقل تقدّم قوات الوفاق وتمنع تطبيع الحياة وعودة المهجرين؛ ما مثّل تحديًا حقيقيًا عرقل التقدم وأودى بحياة أعداد كبيرة من مقاتلي الوفاق في الأيام الأخيرة.

ورغم هذه الصعوبات الميدانية، ما زالت قوات الوفاق تتقدم ببطء وتسترجع مساحات ظلت تحت سيطرة قوات حفتر منذ نيسان/ أبريل 2019، وتقترب من ضرب طوقٍ حول مطار طرابلس وقصر بن غشير؛ وهما الموقعان الأكثر تحصينًا من بين محاور جنوب العاصمة.

وفي السياق ذاته، تدرك قوة الكانيات” (نسبة إلى عائلة الكاني) التي تشكّل النواة الصلبة لقوات حفتر في محاور ترهونة وجنوب طرابلس، أنّ سقوط محاور جنوب العاصمة سيؤدي إلى إحكام الطوق حول ترهونة.

وقد ضاعف الضغط على خطوط الإمداد وانسحاب مرتزقة فاغنرالروس من صعوبة المعركة التي تخوضها قوات حفتر في مواقعها الأخيرة في المنطقة، بعد أن ظل المرتزقة المدربون تدريبًا عاليًا، يؤمّنون، طوال الأشهر الأخيرة، العمليات المتقدمة على امتداد المحاور الجنوبية للعاصمة.

وبالنظر إلى هذه المعطيات مجتمعةً، يبدو أنّ ما بقي من مواقع قوات حفتر في المنطقة آيلٌ للسقوط في نهاية المطاف، وإلى انتقال المعارك إلى تخوم مدينة ترهونة.

***

وحدة الدراسات السياسية ـ هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

_____________

مواد ذات علاقة