يسعى اللواء المتقاعد خليفة حفتر والدول الداعمة له إلى العودة لطاولة الحوار مجددًا، بدعوى المشاركة بمساعي الوصول إلى حل سلمي لأزمة البلاد المتواصلة منذ سنوات،

إلا أن المتأمل لما يجري في البلاد والتطورات الحاصلة هناك، يرى أن رضوخ حفتر وعودته إلى طاولة المفاوضات مرغمًا لا يعدو أن يكون إلا مناورة جديدة ومحاولة لكسب الوقت.

حفتر يعود لطاولة الحوار؟

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعلنت أمس الثلاثاء، قبول حكومة الوفاق الوطني ومليشيات حفتر استئناف مباحثات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها، وتأتي هذه المباحثات والترتيبات بناءً على مسودة الاتفاق التي عرضتها البعثة على الطرفين خلال محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في 23 من فبراير/شباط الماضي.

مصر والإمارات أكبر حليفين لحفتر، رحبا بإعلان الأمم المتحدة قبول أطراف القتال في ليبيا استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار، وأكد البلدان تمسكهما بالحل السياسي للأزمة الليبية لدعم السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.

قال بيان مشترك للبلدين إن القاهرة وأبو ظبي تقفان إلى جانب الشعب الليبي وكل الأطراف التي تطالب بالتهدئة حقنًا لدماء المدنيين الأبرياء وتحقيق الاستقرار في ليبيا، خاصة مع استمرار الجهود الإنسانية في مواجهة فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19).

من جهته، أجرى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، اتصالًا هاتفيًا مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، فائز السراج، لبحث تطورات ومستجدات الأوضاع في ليبيا، وأكد في اتصاله ضرورة العمل من أجل وقف الأعمال العدائية في ليبيا وإعادة إطلاق العملية السياسية في الإطار الذي وضعه مؤتمر برلين، ووضع حد لجميع التدخلات الأجنبية في ليبيا.

تغيير موازين القوى تدفع حفتر لتغيير موقفه

عودة حفتر المرتقبة إلى طاولة الحوار ودعم حلفائه لهذا التوجه، يأتي بالتوازي مع تغيير موازين القوى في ليبيا وتكبد مليشيات الكرامة والمرتزقة العاملين معهم خسائر عسكرية كبرى على يد قوات الوفاق الحكومية.

الهزائم الكبيرة التي مُني بها حفتر مؤخرًا وخسارته العديد من المدن الإستراتيجية في الغرب الليبي وخسارته سماء المعركة، أجبرت داعميه الدوليين على تغيير مواقفهم والعودة للحل السياسي، علهم يتداركون أمرهم قليلًا ويستوعبون ما حصل.

أثر تغيير ميزان القوى على الأرض لصالح حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج، على موقف داعمي حفتر، حيث تراجع الموقف الفرنسي والمصري والإماراتي من الدعم العسكري الكبير لصالح المطالبة بحل سياسي.

وتشهد جبهات القتال في ليبيا في الفترة الأخيرة تطورات كبرى، حيث تواصل القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني تحقيق الانتصار تلو الآخر على حساب ميليشيات حفتر، وتستعد الآن لتحرير كامل مطار طرابلس ومدينة طرهونة بعد تحييد سلاح الجو التابع لحفتر.

وأوضح الإعلامي الليبي أنس المسلاتي في حديث لنون بوست، أن تغير المعادلة وانقلاب الوضع رأسًا على عقب وخسارة حفتر المدن التي كان يسيطر عليها وعدم إحرازه أي نصر أو تقدم واحد، جعلت اللواء المتمرد أمام خيارين لا ثالث لهما.

مناورة للحفاظ على فرص الوجود في المشهد السياسي

خيار أول وهو الانسحاب والهروب، ما يعني ملاحقته حيث معقله في ظل إصرار حكومة الوفاق على تحرير كامل التراب الليبي وتحويل المعركة من الغرب إلى الشرق وفي معقله وعقر دار مركزه، وخيار ثاني يتمثل في محاولة إيجاد مخرج سياسي لخسارته عسكريًا وفقدان أكثر من نصف قواته على أسوار طرابلس للخروج بنصر سياسي يمكّنه من تثبيت وضعه سياسيًا في مرحلة أولى ثم ترتيب صفوفه من جديد.

بدوره يقول المحلل السياسي عصام الزبير لـنون بوست“: “لجوء حفتر لهذا الموقف للمناورة من أجل الحصول على مكان في المشهد السياسي، فهو يريد أن يحكم بأي طريقة، حفتر يعلم أن استمرار الحرب سيفقده أي فرصة للوجود في المشهد السياسي الليبي القادم وفي منظومة الحكم في البلاد“.

أضاف الزبير في حديث أوراق الحل العسكري ضاعت، حتى حلفائه والمرتزقة العاملين معه أصبحوا ينفضون عنه وينسحبون من الميدان، كما أن القبائل الداعمة له بصدد الانقراض بعد مقتل غالبية شبابها الذين يقاتلون معه في جبهات القتال“.

متابعًا حفتر في موقف صعب جدًا، فقد خسر كل أوراقه لذلك هو يناور الآن في مسعى منه لضمان مكان له في الخريطة المستقبلية للمشهد السياسي في بلاده، فهذه الفرصة الأخيرة التي بقيت أمامه وإذا خسرها لن يُسمع اسمه مجددًا في ليبيا“.

ويسعى حفتر إلى المحافظة على دور له في المشهد السياسي في ليبيا، مهما كلفه الأمر، بعد أن خسر أبرز معاقله في الغرب الليبي وبداية نهاية وجوده العسكري هناك وانحسار وجوده المسلح في كامل البلاد التي يعمل على فرض نظام عسكري فيها خدمة لأجنداته وأجندة حلفائه.

كسب مزيد من الوقت

في مقابل ذلك، يرى أنس المسلاتي أيضًا أن حفتر لم يتبن الحل السياسي، فهو لم يكن يومًا مقتنعًا بهذا الحل وقد أثبت ذلك في لقاءات موسكو وبرلين عندما خرج من كليهما دون التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار رافضًا بذلك وقف إطلاق النار واستمراره في عملياته العسكرية لاحتلال طرابلس.

وسبق أن رفض حفتر في العديد من المناسبات وقف إطلاق النار والذهاب إلى المفاوضات، وأصر على اقتحام العاصمة طرابلس التي تحتوي على مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا ومقر البعثات الدبلوماسية الأجنبية.

يذكر أن حفتر بدأ هجومه على طرابلس على حين غرة في وقت كانت فيه البعثة الأممية والمجلس الرئاسي ذاهبان لمؤتمر جامع بغدامس لإنهاء الخلافات والخروج بخريطة طريق تنهي الأزمة الليبية وتنهي معاناة الليبيين المتواصلة.

يحاول حفتر والدول الداعمة له التي تملك قوة دبلوماسية دولية كبيرة، كسب قليل من الوقت لالتقاط أنفاسهم وتدارك الخسائر التي وقعت مؤخرًا، فهم يريدون الخروج من المعركة الحاليّة بأقل الأضرار حتى يتم رص صفوف ميليشيات الكرامة، خاصة أن قوات الوفاق تستعد لاقتحام ترهونة وقاعدة الجفرة بعد تحريرها لقاعدة الوطية الجوية.

حفتر الذي كان يرفض مجرد الحديث عن وقف إطلاق النار مشروط، ظنًا منه أنه يستطيع حسم المعركة عسكريًا والسيطرة على كامل البلاد بمساعدة حلفائه العرب والأجانب على رأسهم مصر والإمارات وفرنسا، يسعى الآن إلى المفاوضات حتى يستبق الهزيمة الكبرى.

الانتصارات المتتالية للقوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتهمة بارتكاب جرائم حرب، من شأنها أن تفتح مرحلة سياسية جديدة في ليبيا، فموازين القوى تغيرت وتيقنت الدول الداعمة لحفتر أن السلاح وحده لا يستطيع السيطرة على البلاد.

_____________

 

مواد ذات علاقة