تقرير عماد المدولي

لم يعد خافياً على أحد الدور الكبير والمحوري الذي يشكله السلفيون “المداخلة” في تكوين مليشيات حفتر التي هاجمت العاصمة طرابلس، إلا أن وجودهم على الساحة الليبية وخصوصا في الشرق سبق هذا العدوان بكثير.

.الجزء الثالث

المداخلة “حصان طروادة”!

النفوذ الواقعي لهذا هذا التيار المدخلي المدعوم من السعودية بدأ حين أفتى “ربيع المدخلي” بضرورة القتال في صفوف حفتر باعتباره قائد قوات مجلس النواب “الشرعي”، كما إن زعيم المداخلة السعودي يرى أن حفتر حاكم متغلب وولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه، وهو ما يعتبر تدخلا سافراً تسبب في إشعال حرب في دولة أخرى نتج عنها قتل وتشريد المئات.

وأثار إعلان المداخلة البدء في جمع تبرعات لإنشاء مسجد لتسميته ربيع بين هادي المدخلي في منطقة الهواري في بنغازي تساؤلات حول مدى النفوذ الأمني والسياسي الذي يحظى بيه هذا التيار المدعوم سعودياً، إذ عبر البعض من مخاوفهم من ان بناء هذا المسجد يأتي للتغطية على تحركات المداخلة في إطار خطة سعودية لدعم سيطرة هذا التيار على المنابر والعسكر في ليبيا.

ويلاحظ المتابعون أن الشيخ السعودي يركز كثيراً في الشأن الليبي وهو ما يتماهى مع موقف الرياض، حيث تعمل السعودية على استخدام المداخلة في تحقيق دور فاعل لها في ليبيا أسوة باستراتيجيتها في بسط نفوذها عبر تجذر التيار السلفي الوهابي في مناطق شمال أفريقيا وغرب آسيا، حيث انتقل التمويل والتوجيه للشباب الليبي عن طريق فتاوى ربيع المدخلي.

اللافت للنظر أنه في الوقت الذي تشن فيه الرياض حملة على شيوخ التيار الديني في بلادهم من أجل تحييدهم عن المشهد السياسي والثقافي في الداخل السعودي، تواصل استغلال نفوذ هذا التيار في الخارج من أجل استخدامه كورقة للتأثير في محيطها العربي والإسلامي.

ولا يخف على أحد زيارة عديد من أبرز شيوخ هذا التيار إلى ليبيا وعلى رأسهم السعودي “أسامة العتيبي” الذي زار غالبية المدن التي يسيطر عليها حفتر بغرض زيادة التأييد والحشد في صفوف الشباب المنتمية للمليشيات بإشراف ومتابعة من المدخلي “أشرف الميار” أحد أكبر داعمي حفتر، كما أن العتيبي مازال ينشط بالفتاوى في الداخل الليبي عبر دروسه ومحاضراته التي تُبث عبر الإنترنت.

وبالتزامن مع هذه الزيارات؛ قام مداخلة ليبيا بالعديد من الانتهاكات للسيطرة على الساحة الدينية، مثل هدم أضرحة الصوفيين والتضييق علي الأنشطة الصوفية في الشرق معقل الصوفية التاريخي في برقة، وسط حالة من غض الطرف من جانب البرلمان وحفتر.

هذا التيار يرتبط بولاءات ضمنية تتصل بالسعودية، وهو ما جعل البعض يعتبر المداخلة في مليشيات “الكرامة” امتداد لفكر ديني خارجي، وسعودي بالأساس، فقد تم تشكيل منظومته الفكرية والفقهية خارج ليبيا، وتأتيه الفتاوى بصورة يومية على هيئة تسجيلات تُبث على صفحات التواصل الاجتماعي من قادة المداخلة حول العالم، مثل ربيع المدخلي و”سعيد رسلان” وغيرهم.

ومن هنا، يُمثّل التوجه الديني السعودي في صورته المدخلية حضورا كبيرا في الساحة الليبية، فالصراع في ليبيا تغذّيه أطراف دولية بدعم مخابراتي وعسكري، من قواعد وقوات إماراتية ومصرية وفرنسية، بالإضافة إلى مليشيات روسيّة.

فقد ﺍﻧﺘﺸﺮ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻧﺤﺎء ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﻔﻀﻞ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﻮﻟﺔ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎً ﻭﺇﺗﺎﺣﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ.

ويحث المداخلة ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍطي، لذا يُتهم التيار المدخلي السعودي – وكذلك مداخلة مصربالتسبب في إشعال القتال وعمليات التصفية عبر الفتاوي والمواعظ التي أثرت بشكل سلبي على الأزمة في ليبيا.

ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ، ﻓﺈﻥ ﻣﻨﺘﻘﺪﻱ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ المدخلي ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ يتخوفون من ﻭﺟﻮﺩ ﺻﻼﺕ ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﺟﻬﺰﺗﻬﺎ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ “ﺣﺼﺎﻥ ﻁﺮﻭﺍﺩﺓ” ﻟﻠﻨﻔﻮﺫ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ.

اﻟﺸﻜﻮﻙ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ تحوم حول أن ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ دائماً ﺃﻓﻀﻞ ﺗﻤﻮﻳﻼً ﻭﺗﺠﻬﻴﺰﺍً ﻣﻦ ﺍﻟفصائل المسلحة الأخرى، ولا يتوقف الأمر عند الداخل الليبي فقط، هناك ﻣﺆﺷﺮﺍﺕ تفيد بأن ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﺘﺨﻮﻓﺔ بدورها ﻣﻦ قوة ونفوذ المداخلة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﻣﻊ ﺷﺮﻕ ﻟﻴﺒﻴﺎ، والذي يمكن ﺃﻥ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺍﺧﻠﺔ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺮﻛﺰ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ.

سابقاً كان يعاب على تنظيم “الإخوان المسلمين” بأنهم تيار له أجندة من خارج الوطن، ولا يختلف المداخلة عنهم من حيث المبدأ، والفرق أن صوت المواجهة كان عاليا في السابق عكس ما يدور الآن حيث الصمت المطبق الناتج عن الخوف والرعب.

ورغم كل ذلك تلمس بعضا من الرفض الشعبي لهذا الواقع، حيث سجلت مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة عزوف المصلين عن ارتياد المساجد في الشرق بسبب الخطاب الخشبي المتعنت، الذي يعتبره كثيرون ذو دلالات وارتباطات سياسية لاستكمال خطة سيطرة المداخلة ونشر أفكارهم.

ماذا يريدون؟

في الوقت الحالي ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﺃﻛﺜﺮ اهتماما ﺑﻌﻘﺪ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ، ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺮﺩ ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﺃﻱ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺭﻏﻢ ﻓﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺚ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺣﺪ ﺧﻠﻒ ﺣﻔﺘﺮ إلا أن الفصائل ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻴﺔ ﺗﺘﺤﺎﻟﻒ أيضاً ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺳﻠﻄﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎطق ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، وهو ما يعتبره البعض تماشيا مع الموقف السعودي التي ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺭﺳﻤﻴﺎً ﺑﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻮﻓﺎﻕ ﻓﻲ طرﺍﺑﻠﺲ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺪﻋﻢ ﺣﻔﺘﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎً.

عدد ﻣﻦ ﺃﺗﺒﺎﻉ هذا ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ليبيا ﺑﻮﺻﻔﻪا ﻓﻀﺎءً ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺎً ﻣﺤﺘﻤﻼً ﻟﻄﻤﻮﺣﺎﺕ ﺃﻛﺒﺮ، ﺭﻏﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩﺓ ﻟطموحاتهم ﺗﺒﻘﻰ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺟﺰﺋﻴﺎً ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻣﺒﻬﻤﻮﻥ ﻓﻲ طرﻳﻘﺔ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، حيث يثير ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﺣﻮﻝ ﺃهدﺍﻓﻬﻢ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺪﻯ القلق.

ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺜﻞ هذﺍ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﺸﺪﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻟﻠﺒﻼﺩ سيثير ﺗﻮﺗﺮﺍﺕ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻭيتسبب ﻓﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ عنف، حيث يضاعف العداء ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﻴﻦ من ﺍﻟﺘﻮﺗﺮﺍﺕ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺗﺴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﺃﻣﺮﺍً ﺻﻌﺒﺎً، كما إن ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭﻳﺔ ﻟﻠﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻁ ﻟﻠﺤﻜﺎﻡ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺰﺯ من بروز ﺃﻱ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﺼﻴﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﻔﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻁﻴﺔ مع ادعاء ﺍﻣﺘﻼﻛﻪ ﻟﻠﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻌﻬﻢ.

يذهب آخرون إلى اعتبار أن ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻳُﺮﺳﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻟﺰﻋﺰﻋﺔ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺇﻓﺸﺎﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، فهم اليوم باتوا ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﻗﺒﻀتهم ﻋﻠﻰ المجال ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ بعد ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮة، فنجاحهم ﻓﻲ ﺍﻛﺘﺴﺎﺏ ﻣﺜﻞ هذﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻧﺴﺒﻴﺎً ﻳُﻈﻬﺮ ﺃﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺸﺒﻬﻮﻥ ﺃﻱ ﺗﻴﺎﺭ ﺁﺧﺮ ظهر ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2011.

علاقة شخصية وليست مؤسسية!

علاقة حفتر غير الواضحة مع المجموعات السلفية قد تساعده تكتيكياً على الأرض على المدى القريب، لكن ستضر به على المدى المتوسط والبعيد، فهذه العلاقة قد تزيد من قلق القبائل أكبر حلفائه في الداخل ، فهي تخشى التطرف، وأي تحدي لسلطة واستقلال القبيلة الذي زاد مع تراجع دور الدولة.

أما على مستوى التحالفات الخارجية، قد تضر علاقة حفتر بالسلفيين بعلاقاته بأهم داعميه، مصر والإمارات، وكذلك علاقته بالدول الغربية، فتلك الدول تهاب أن يتحول شرق ليبيا إلى ساحة للجماعات السلفية الجهادية، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار ليبيا والمنطقة، خاصة دول الجوار مثل مصر التي تخشى على أمن حدودها الغربية الطويلة والهشة مع ليبيا.

الدعم المطلق لحفتر في ظل علاقته الملتبسة مع الجماعات السلفية ستكون له له نتائج عكسية أشد خطورة خاصة على دول الجوار إذا فشل في السيطرة عليهم، خصوصا إذا ما تم اختراقهم أو الدخول في أي خلاف معهم.

وذلك راجع إلى أن ارتباط حفتر بالسلفيين قائم على علاقته الشخصية، أي أنها ليست علاقة مؤسسية، وإذا ماحدث واختفى حفتر من المشهد قد تسود الفوضى في الشرق الليبي مرة أخرى، بسبب تلك الجماعات التي قد تتحول إلى تهديد مستقبلي يهدد أمن المنطقة، خصوصا أن هذا التيار في ليبيا اعتاد القتال وحمل السلاح.

كيفية مجابهة هذا التيار؟

ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻭﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻧﺤﺎء ﺍﻟﺒﻼﺩ مكنهم ﻣﻦ تحقيق ﺃﺟﻨﺪﺓ ﻣﺘﺸﺪﺩﺓ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، في الوقت الذي ﻳﻤﺘﺪﺣﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ لاعتقادهم بنزاهتم وقدرتهم على التصدي للجرائم والجماعات المتطرفة، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺒﻌﺜﻮﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﺰﺍﻳﺪ ﻓﻲ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﺮﺿﺔ ﻻﺳﺘﻬﺪﺍﻓﻬﻢ، ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻬﻢ ﻧﺸﻄﺎء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻭﺍﻟﺼﻮﻓﻴﻴﻦ، ﻭﺍﻷﻗﻠﻴﺔ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ والتيارات الإسلامية الأخرى.

ﺇﻥ هذﺍ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻳﺜﻴﺮ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺑﺪﺃﺕ ﺃﺻﻼً ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺣﺴﺐ، ﺑﻞ حتى ﻋﺴﻜﺮﻳﺎً، رغم أن هناك من يدفع بضرورة أن يتم ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺻﻌﻮﺩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻲ ﺑﻌﻘﻼﻧﻴﺔ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺫ ﻟﺪﻯ بعض الجهات الأﻣﻨﻴﺔ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺟﺢ ﺃﻥ ﻳﻠﻌﺐ ﺩﻭﺭﺍً ﻓﻲ ﺃﻱ ﺣﻞ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺼﺮﺍﻉ.

وحتى تحل الكثير من القضايا العالقة ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﻊ ﺍﻟﻄﻴﻒ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻋﺒﻴﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺫ، هو ﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻠﺘﺰﻣﻮﻥ بالأعراف السلوكية في ليبيا، ﻭﻫﺬﺍ ﺳﻴﺘﻄﻠﺐ ﺇﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﺑﻀﺒﻂ ﺃﺟﻨﺪﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ والإيديولوجية بما يتماشى مع المجتمع المحلي، وهو معيار لا يتماشى مع فكر وأيديولوجية التيار المدخلي بكل تأكيد.

يجب على ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺎﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺣﻴﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، إضافة إلى أهمية تحرك السلطة في ليبيا لحث السعودية على تقييد سلطاتها الدينية والأشخاص المقيمين على أراضيها ومنعهم من التحريض أو المشاركة في العنف في ليبيا.

وفي غضون ذلك ينبغي على اللاعبين السياسيين أن يسعوا إلى بناء جهاز أمني احترافي معزول عن أي نفوذ أيديولوجي من أي نوع كان، فهي تعد خطوة البداية الرئيسية للوصول إلى حل للصراع في البلاد.

الخاتمة

فجأة.. وفي ساعات قليلة، سقطت مدينة سرت تحت سيطرة مليشيات حفتر، تفاصيل سقوطها كان في انشقاق كتيبة سلفية مدخلية عن حكومة الوفاق عقب أعوام من التحالف معها.

الانقلاب وتحول الولاءات ليس غريبا على المداخلة، فقد تكرر الحال ذاته لأعوام عدة وفي مناسبات مختلفة، وبحسب رؤى متابعين فإن التيار المدخلي سينقسم بعضه على بعض بعد فترة من الزمان كما هي عادتهم إذ أن منهجهم لا يسمح بالاستمرار والتماسك مدة طويلة.

ويشير استقراء وتحليل السلوك السياسي لهذا التيار في السنوات القليلة الماضية عن تنبؤات باحتمالية تبدل ولاءات عدد من الكتائب المدخلية في أي لحظة، وما حدث في سرت يثبت هذه التقلبات السريعة التي تجعل من التيار المدخلي أحد أكبر التهديدات التي تواجه تأسيس الدولة المدنية في ليبيا.

إن استخدام الجماعات السلفية في الصراع السياسي والعسكري يعد سلاحا ذو حدين يحمل الكثير من المخاطر، خصوصا في مجتمع يسيطر عليه الخط الديني المالكي الصوفي، هذا التداخل سيشكل اضطرابات مجتمعية وعقائدية أكثر مع تغلغل السلفية في البلاد بنسختها الوهابية.

كما إن احتمالية حدوث اختراق أكبر من جانب السلفية الجهادية خاصة داعش والقاعدةلهذه المجموعات السلفية، أمر يسير في بلد ممزق ومجتمع مسلح لا يوجد به حضور حقيقي للدولة، فمثل هذا التوظيف قد يؤدي لظهور جماعات مسلحة أكثر تطرفاً، وهو ما تخشاه دول الجوار.

هذه بعض المأسي والأزمات إضافة إلى الدماء التي تسبب فيها المداخلة في ليبيا، فلا أحد يدري على وجه الدقة ما الذي ستشهده البلاد في الأيام القادمة في ظل وجود هذا التيار، الذي تحول إلى نموذج عابر للقارات والبلدان، بعد أن أصبحوا بما مثلوه في ليبيا – واليمن أيضاًحالة يمكن استغلالها ودعمها في بلدان أخرى لها ظروف مشابهة.

***

عماد المدولي ـ كاتب ليبي

_________

مواد ذات علاقة