بقلم صلاح أنور

من قلب العاصمة المصرية القاهرة، ومن وسط جموع المسؤولين الأجانب، وقنوات التلفزيون الغربية والعربية، يقف المشير المتقاعد خليفة حفتر إلى جوار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يناشده في مؤتمر عام، بالتدخل لوقف التدخلاتالأجنبية، في شؤون ليبيا.

وعلى الفور يلبي الرئيس السيسي النداء، ويعلن رفضه الدعم التركي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، ويندد بمساندتها عسكريا، ويدعو إلى حل سلمي للأزمة، ويقترح هدنة عسكرية ووقف القتال بين الطرفين.

وفيما يبدو أن الرئيس المصري غفل أو تغافل أن المهزوم لا يملي شروطه، فقبل ساعات من استقباله حفتر ورجاله، كانت قد أعلنت قوات شرق ليبيا، انسحابها من عديد من مناطق سيطرتها، بعد خساراتها مواقع استراتيجية لصالح قوات الشرعية، وتعرضت لانتكاسات، أسفرت عن هزيمة عسكرية مخزية.

وكعادة كثير من العسكريين الذين لا يغادرون المكاتب المكيفة، رفض حفتر الإقرار بالهزيمة، وهرع إلى حليفه السيسي ليجد له مخرجا، خاصة بعد توالي الخسائر العسكرية لقواته، وتقدم قوات الوفاق منذ سيطرتها على قاعدة الوطية الجوية غربي طرابلس، وحتى تواجدها على مشارف سرت، وفرار قوات حفتر تحت القصف.

إعلان السيسي الهدنة قابله رفض ليبي، وتأكيدات من حكومة السراج على أن حفتر ومعاونيه لن يكون لهم مكان في أي مفاوضات مستقبلية، لا تدعو إليها مصر أو الإمارات، وذلك نظرا لوضوح الخطة المصرية التي تهدف إلى وقف تقدم قوات حكومة الوفاق، بحسب مسؤولين غربيين.

لم تكن إدارة ترامب بعيدة عن الأحداث إذ أكدت واشنطن، التي تعارض هجمات حفتر على مناطق واسعة من ليبيا، رفضها هي الأخرى، للهدنة المصرية التي تستهدف – كما وصفها ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى – إلى إنقاذ المشير المتقاعد بعد فشل هجومه وخساراته، مؤكدة أن الطريق الأممي هو الأنسب للمفاوضات.

الخطة المصرية واضحة المعالم، دعوة إلى هدنة عسكرية، يتم على إثرها سحب القوات التركية التي تساند القوات الشرعية في ليبيا، وبعد ذلك ينقض حفتر بعتاده الإماراتي ومقاتليه الروس، على العاصمة طرابلس وينهي الحكم الديموقراطي، ويدخل البلاد في مرحلة مكافحة الإرهاب المحتملالتي تعيشها مصر حتى الآن.

العالم لم ينس تلك الهدنة التي دعت إليها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وممثل الاتحاد الأوروبي بمناسبة شهر رمضان، والتي اخترقها المشير المتقاعد أكثر من 180 مرة، عقب إعلانه القبول بها، وكان آنذاك في موقف المنتصر، حيث عززت الدول الداعمة والمقاتلين الروس، من قدراته العسكرية التي أكسبته نقاط جديدة على أرض المعركة، لتتدخل بعد ذلك تركيا وفقا للاتفاقية المشتركة مع الحكومة الليبية، وتفقده مكاسبه وتسيطر على مواتقع جديدة ومعدات عسكرية قدرت بالملايين.

ومنذ الإعلان الشهير لخليفة حفتر بقبوله تفويض الشعب لحكم البلاد، وإسقاطه الاتفاق السياسي الليبي، الذي وقع بإشراف أممي في مدينة الصخيرات المغربية في 2015، فشل هو وقواته وداعميه وعتادهم الضخم الذي كلفهم مليارات، من الإطاحة بالحكومة الشرعية المعترف والمتحالفة مع تركيا، ذلك الحليف الوفي.

حفتر لم يزد ليبيا وأهلها إلا وبالا، ولم ينالهم منه إلا الدمار، حيث قصف المدن والأحياء السكنية، بإجرام وعداء، وسخر قوته لإبادتهم، وهذا ما كشفته المقابر الجماعية التي عثرت عليها حكومة الوفاق في مناطق نفوذه قبل أن يفر وقواته منها.

تركيا واستعراض القوة

كان لتركيا دور كبيرا في إجهاض مخطط إسقاط طرابلس، وإجهاض تجربة وليدة نظر إليها الشعب الليبي على أنها المخلص من النزاعات التي استمرت عقب رحيل القذافي.

حافظ أردوغان باتفاقية ترسم الحدود التي وقعت في 27 نوفمبر 2019، وتضمنت كافة الجوانب الأمنية من إنقاذ ليبيا وعزز من قدرات حكومة الوفاق لصد عدوان حفتر وقواته، وهو ما كانت نتيجته انتصار قوات الشرعية ودحر المرتزقة المأجورين.

لم تبال أنقرة بصرخات المشير المتقاعد المتعالية من وسط القاهرة، حيث أعلنت رفضها للهدنة المصرية، واستمرار دعم حكومة الوفاق، الأمر الذي أكدته المناورات البحرية الواسعة التي نفذتها السفن الحربية والمقاتلات التركية في شرقي المتوسط مؤخرا، ضمن تدريبات استمرت ثماني ساعات عبر ألفي كلم ذهابا وإيابا من الشرق إلى الغرب، ووصفت بأنها نوع من استعراض القوة“.

وبينما يحقق أردوغان وحليفه السراج مكاسب واقعية على أرض المعركة، يحتفل الإعلام المصري الإماراتي بتوقيع اليونان وإيطاليا، اتفاقية ترسيم للحدود البحرية بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط، معتبرين أنها ضربة جديدة للرئيس التركي، ستقوض من نفوذه في المنطقة.

وفي خضم أزمة المياه مع إثيوبيا نشرت القوات المسلحة المصرية دبابات على الحدود مع ليبيا، حيث أظهرت بعض المقاطع المصورة قافلة عسكرية مصرية مع 18 دبابة، بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين، فهل يجر الرئيس السيسي الجيش المصري إلى حرب في ليبيا لإثبات نفوذه وإرضاء للحلفاء.

لماذا ليبيا

تمثل ليبيا أهمية عظمى لحلفاء حفتر، الساعين لتخريبها، لا سيما وأن موقعها الاستراتيجي والجغرافي، جعلها مطمع للأنظمة المعادية، التي تهدف إلى عدم تمكين الشعب من الحكم، حتى لا يأتي بحاكم مستقل يرفض الانصياع لأوامرهم، ولا يسير على خطاهم، ويؤسس لدولة ذات سيادة، الأمر الذي يزعجهم كثيرا.

ليبيا الرابعة إفريقيا من حيث المساحة والتي تقدر بنحو 1.8 مليون ألف كيلو متر مربع، وهي دولة نفطية بامتياز، حقولها غنية بالثروات الطبيعية، وتعد التاسعة عالميا من حيث احتياطات النفط، ناهيك عن التكلفة المنخفضة لاستخراج البراميل النفطية من حقولها.

الدولة صاحبة الحدود مترامية الأطراف، والتي تشترك بريا مع 6 دول، وتمتلك سواحل كبيرة أمام أوروبا، ستكون رقما مؤثرا في خارطة المنطقة وسياستها المستقبلية إذا استقر نظامها الداخلي، وعادت الأمور إلى نصابها، وبدأت الانشغال بالبناء عوضا عن صد عدوان المخربين.

الدول المعادية للشعوب تنزعج من أن يتسيد المواطن حكم بلاده، العداء في ليبيا ليس لحكومة السراج فحسب، بل العداء لاختيارات الشعوب بشكل عام.

السراج لم يكن يحكم مصر التي خربها المخربون وأجهضوا تجربتها الديموقراطية الفريدة، وكذلك لا يحكم السراج تونسالتي يحاك ضدها المؤامرات لجرها إلى نفق التبعية المظلم – الحكومة التي تتمكن من بناء ليبيا المستقلة ستعاديها دول في المنطقة لإثبات أن ثورات الربيع العربي لم تأتي بخير، والحقيقة أنهم هم كل الشر وأساسه.

***

صلاح الأنور ـ صحفي مصري ومدون سياسي مقيم

____________

مواد ذات علاقة