لم ينحصر الدمار الذي سبّبته الحرب في العاصمة الليبية طرابلس على مدى أكثر من عام، وانتهت أوائل يونيو/ حزيران الماضي، بالمنازل والمقار الحكومية وبعض الأملاك الخاصة، بل كان له تأثير كبير على عدد من المدارس، الأمر الذي يهدد مستقبل العملية التعليمية.

وعلى الرغم من تأكيد وزارة التعليم في حكومة الوفاق الوطني الأسبوع الماضي على ضرورة إجراء امتحانات الشهادة الثانوية، إلا أنها لم تحسم أمرها بشأن عودة بقية التلاميذ إلى صفوفهم، ويرجح أن تختار إما ترفيع التلاميذ من دون إجراء الامتحانات، أو العودة لإجراء الامتحانات فقط. وما يؤخرها عن اتخاذ قراراتها هو تضرر غالبية مدارس العاصمة. ومن بين المدارس المتضررة أربع ثانويات على الأقل، بحسب خليفة الفيصلي، المقيم في حي خلة الفرجان (جنوب طرابلس).

عمل الفيصلي مدرساً في مدارس عدة، على مدى 28 عاماً، في أحياء جنوب طرابلس. يشير في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن بعضها كان يفتقد إلى الكثير من الإمكانيات “أما اليوم، فلم تعد تصلح لشيء”. ويسأل: “إلى أين يعود التلاميذ ومدارسهم مدمرة؟ بيان الوزارة لم يوضح أي شيء. وهل يمكن لبقية مدارس العاصمة استيعاب تلاميذ هذه المدارس؟”.

وسعياً إلى حلّ مشكلة تأخّر العام الدراسي الذي توقف على مدى أشهر بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا، رجحت رفع تلاميذ المراحل الأساسية ومضاعفة معدلاتهم استناداً إلى الفترة الدراسية السابقة، مع إمكانية أن يجري تلاميذ الشهادة الإعدادية امتحانات المرحلة النهائية فقط. لكن الفيصلي يؤكد أن القرار جاء أيضاً لمواجهة نقص المدارس بسبب دمار بعضها، ما يعني أنها لن تكون قادرة على استقبال التلاميذ.

أقامت ربيعة سليمان، برفقة ثلاث من جاراتها وعائلاتهن، في مقر لإيواء النازحين في حي الفرناج في طرابلس، وقررن جمع التلاميذ وبدء حصص دراسية لهم لتعويضهم ما فاتهم من المنهاج. تقول ربيعة لـ”العربي الجديد”: “الآن، عاد بعض النازحين إلى منازلهم التي لم تتضرر بفعل الحرب والألغام، وتشتت التلاميذ الذين قطعنا معهم شوطاً جيداً. لكن تكمن المشكلة في عدم قدرة غالبيتهم على العودة إلى المدارس بسبب تضررها”. تؤكد أن الأضرار طاولت أيضاً مقار المدارس الخاصة وتلك التابعة للقطاع الحكومي، قائلة: “أنا مدرّسة في إحدى المدارس الحكومية التي لم تعد صالحة للتدريس بسبب تضرر غالبية أجزائها نتيجة القصف العشوائي ومخلفات الحرب”.

عاد بعض النازحين إلى منازلهم التي لم تتضرر بفعل الحرب والألغام

من جهته، يُشير رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد عبد الحكيم حمزة، إلى إغلاق 210 مدارس وروضة أطفال في بلديات عدة في جنوب طرابلس، منها بلدية العزيزية وقصر بن غشير والسواني وصلاح الدين وأبو سليم وتاجوراء. وطاول القصف العشوائي مدارس في بلدية سوق الجمعة البعيدة عن محاور القتال. يقول حمزة لـ”العربي الجديد”، إنه رصد تدميراً كلياً وجزئياً لـ17 مدرسة، بينما تم تسريح 200 ألف تلميذ منذ بدء الحرب في طرابلس. وعن الأضرار، يؤكد أن خمس مدارس دمرت كلياً، بينما طاولت الأضرار الجزئية 11 مدرسة أخرى. ويوضح أن أسباب تدمير بعض المدارس كلياً ترتبط بتمترس طرفي الصراع داخلها وتحويلها إلى معسكرات أثناء القتال.

ولم تعلن حكومة الوفاق عن حجم الأضرار التي شملت المدارس، كما لم تصدر تقريراً أولياً حول حجم الدمار. إلا أن الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الوطني، نشرت صوراً أظهرت تعرض مدارس في جنوب طرابلس إلى دمار كبير من جراء الحرب.

إلى ذلك، يتحدث مدير مدرسة البيان في بن غشير، عبد النور بوشعالة، عن جانب آخر من آثار الدمار التي لحقت بالمدارس. ويشير إلى أن الألغام زُرعت في مدرسته بعدما تمركزت فيها مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لأشهر عدة وحولتها إلى موقع عسكري لتخزين الأسلحة، مؤكداً أن المدرسة لن تعود لاستقبال التلاميذ قريباً.

أغلقت 210 مدارس ورياض أطفال في بلديات عدة في جنوب طرابلس

ويؤكد لـ”العربي الجديد”، أنه على الرغم من خلو المدرسة من أي أضرار في مبناها، إلا أن العثور على ألغام زرعتها مليشيات حفتر بهدف منع قوات الوفاق الوطني من الاستفادة من الذخائر التي تركتها زاد من مخاوف أولياء الأمور، وأعلن معظمهم عن نقل أبنائهم إلى مدارس أخرى.
يضيف: “أعتقد أن كمية الخوف التي تركتها مخلفات الحرب والألغام لن تقتصر على التلاميذ بل على المدرسين أيضاً، إذ إن أحد أهم عوامل نجاح العملية التعليمية هو الشعور بالأمان في المدرسة، وشعور التلميذ والمدرس بانتمائه إلى مؤسسته ومدرسته”.
______________

مواد ذات علاقة