عربي بوست ظهرت على السطح أزمة الانقسام السياسي والمشاكل الأمنية التي تعاني منها المنطقة الشرقية في ليبيا –مناطق سيطرة حفتر– ناهيك عن توقف تصدير النفط وهبوط أسعاره في السوق العالمية إضافة إلى انعدام الثقة بين المصارف التجارية والعملاء الذين سحبوا إيداعاتهم، عوامل أدت سوء الأحوال الاقتصادية في شرق ليبيا بشكل متسارع، فما الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مناطق سيطرة حفتر في الشرق الليبي؟ 

غياب السيولة والمرتبات عن المصارف التجارية

بعد أن استطلعت “عربي بوست” رأي عدد من المواطنين في مدينة بنغازي حول الأوضاع الاقتصادية وتوفر المرتبات والسيولة في المصارف التجارية بالمدينة، تبين أنها بدأت تعاني نقصاً في السيولة إضافة الى تأخر المرتبات وغلاء الأسعار.

(ص. ب) مواطن ليبي فضل عدم ذكر اسمه هو أب لخمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات وحتى 18عاماً يعمل مدرساً في قطاع التعليم، يتقاضى مرتباً شهرياً بمقدار (1100) دينار، وما يعادل (175/$) بسعر صرف السوق الموازي والمتاح حالياً للصرف.

يقول الرجل إنه لم يتقاضَ راتبه منذ شهر مارس/آذار الماضي دون معرفة أسباب تأخر صرف المرتبات، مضيفاً أن باب السلف بالمصارف التجارية مغلق بسبب عدم توفر السيولة وإن توفرت فإنها محددة بسقف لا يتجاوز 1000 دينار إذا كان هناك رصيد احتياطي في البنك.

ارتفاع الأسعار بقرب عيد الأضحى المبارك وخاصة الأضاحي جعل العيد مناسبة مثقلة بالهموم، وحتى في حال اللجوء للتعامل بالبطاقة المصرفية نواجه بزيادات غير مبررة في الأسعار. 

مضيفاً أن الارتفاع الجنوني للأسعار طال كافة مستلزمات العيد بما فيها حلويات العيد، وهذا بطبيعة الحال دون وجود أي رقابة من قبل الجهات المعنية، وهو ما جعلنا نعيش في هذه الظروف والركود التجاري.

أحد تجار المواشي في بنغازي –فضل عدم ذكر اسمه– قال لـ عربي بوست إنه رغم وفرة المعروض من الأضاحي إلا أن هناك ضعفاً في الشراء مقارنة مع العام الماضي وعزا ذلك إلى ضعف القوة الشرائية، مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار يعود إلى ارتفاع سعر الدولار الذي تستورد به “العلفة” ومستلزمات تربية المواشي، مضيفاً “ما باليد حيلة”، فنحن نستورد مستلزمات تربية المواشي بالعملة الصعبة وإذا أضفنا تكاليف الشحن من الطبيعي أن يشعر المواطن بارتفاع سعرها والذي يجد نفسه أمام خيار العزوف عن الشراء الذي نراه الآن.

وفي ذات السياق، حذر الصحفي بلقاسم من أزمة اقتصادية طاحنة تتمثل بنقص العملة الأجنبية قد تواجهها ليبيا بعد ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، لذلك رأى أنه من المنطقي البحث عن بدائل لتوفير هذه العملة بعد أن أقفلت كل مصادر تمويل خليفة حفتر من بيع الخردة وتهريب البشر والنفط.

ديون قيادة حفتر وحكومته تجاوزت 50 مليار دينار ليبي

عمر التهامي الناشط السياسي قال لعربي بوست إن أبعاد ما قام به خليفة حفتر من إغلاق للنفط بعد يوم من إعلان المؤسسة الوطنية للنفط رفع القوة القاهرة عن كافة الحقول والموانئ النفطية الليبية هي أبعاد اقتصادية بالدرجة الأولى قبل أن تكون سياسية.

واعتبر التهامي أن ما قام به خليفة حفتر هو خطوة وصفها بالجريئة، وقد تكون عواقبها ومآلاتها خطيرة بشكل كبير على المنطقة الشرقية خاصة وليبيا عامة.

وتابع التهامي أن المنطقة الشرقية تشهد مشكلة حقيقة في توفير السيولة بالمصارف التجارية إضافة إلى بوادر أزمة اقتصادية ستحل بمدن شرق ليبيا خلال الفترة القليلة القادمة، والتي لا تتعدى الأشهر ما لم تتم معالجة توفير السيولة في المنطقة الشرقية.

مشيراً إلى أن الديون المتراكمة أنهكت البنوك التجارية في الشرق الليبي إذ منحت هذه البنوك الحكومة المؤقتة “غير معترف بها دولياً” والقيادة العامة التابعة لحفتر مبالغ تجاوزت 50 مليار دينار ليبي، وهي السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية التي تعيشها مدن الشرق.

مصادر تمويل حفتر التي جففتها حكومة الوفاق..

اعتمد حفتر في تمويل حملته للانقلاب على السلطة على عدة مصادر غير شرعية مكنته من الاستمرار حتى هذه اللحظة، حيث مثل تصدير الخردة 45% من إيرادات حفتر، بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، عن طريق تجميع الخردة الحديدية وغير الحديدية في شرق البلاد وجنوبها وبيعها لتجار الجملة، وتصديرها.

كما كانت تجارة البشر إحدى ركائز تمويل حفتر باعتبار ليبيا البوابة الجنوبية للمهاجرين الإفريقيين غير النظاميين نحو أوروبا، وتعمل مجموعات حفتر على تهريبهم نحو اليونان أو إيطاليا مقابل مداخيل غير معروف حجمها، بحسب صحيفة “اللوموند” الفرنسية.

وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق (فتحي باشا أغا) قال لعربي بوست إن الوزارة اتخذت جملة من الإجراءات لمكافحة تهريب الخردة وبيعها، وذلك بما ينص عليه القانون الليبي وأيضاً مكافحة بيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط المعترف بها في طرابلس ومكافحة تهريب الهجرة غير الشرعية مضيفاً أن هذه الإجراءات تحد من تمويل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي تشكل أكثر من 60% من مصادر تمويله.

تهريب النفط عبر بيعه إلى كل من مصر والإمارات بسعر أقل من السعر الرسمي في السوق العالمية للبرميل، وفق صحيفة “التايمز”، مثل أحد أهم مصادر تمويل حفتر.

فالناطق باسم وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني محمد القبلاوي قال لـ عربي بوست “إن وزارة الخارجية خاطبت مجلس الأمن لوقف الخروقات التي يقوم بها حفتر وأولها بيع النفط بطريقة غير مشروعة ما أعاق عملية البيع، كما كان للوزارة دور بالتعاون مع الداخلية للحد من بيع الخردة والتي تعتبر ثاني أهم المصادر لتمويل قوات حفتر”.

وآخر مصادر تمويل حفتر كان طباعة النقود في روسيا حيث لجأ البنك المركزي التابع لحفتر إلى طبع النقود في روسيا، وتحدثت “رويترز” عن حصول 10.8 مليار دينار ليبي على موافقة جمركية روسية خلال السنوات الماضية.

رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق فائز السراج حذر المصارف التجارية من تداول العملة التي يقوم المصرف الموازي في مدينة البيضاء بطباعتها في روسيا أو قبولها أو التعامل بها على أي وجه، مطالباً بتوعية المواطنين بخطورة حيازتها كونها جريمة يعاقب عليه القانون.

واعتبر رئيس المجلس الرئاسي أن عملية طباعة النقود التي يقوم بها مصرف ليبيا المركزي الموازي بمدينة البيضاء شرق ليبيا خارج الإطار الذي رسمه القانون تعد تقليداً للنقود الوطنية المتداولة في البلاد وتعاقب عليها القوانين المنصوص عليها في الدولة الليبية.

في السياق لم تغب ورقة النفط عن حسابات خليفة حفتر وحلفائه الإقليميين والدوليين، حيث سعى حفتر مدعوماً من كل حلفائه على بسط نفوذه على كافة الحقول والموانئ النفطية في كل مراحل معاركه في ليبيا، معرضاً قوت الليبيين لخطر الدمار والتخريب أو هيمنة دول خارجية عليه ضارباً عرض الحائط مصلحة المواطن والسيادة الليبية على هذه المقدرات، ولكن ما لم يكن يتوقعه المواطن الليبي هو وصول الحالة لدرجة من التعقيد تتلخص في عدم توفر السيولة في المصارف الليبية.

******

حفتر.. الذهب مقابل المال

بقلم علي حسن باكير

في حزيران (يونيو) الماضي، تحدّثت تقارير دولية عن دور محتمل لأمير الحرب الليبي خليفة حفتر في نسج علاقات مع نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا. وكالة رويترز نشرت تقريراً آنذاك قالت فيه إنّ الولايات المتّحدة شرعت في إجراء تحقيقات معمّقة حول التقارير التي تحدّثت عن تواجد طائرة حفتر الخاصة في العاصمة الفنزويلية كاراكاس في ذلك الوقت، في مهمّة للاتفاق على صفقات نفط.

الدور الأسود لحفتر

أحد المسؤولين الأمريكيين أشار إلى أنّ المعلومات تتعلّق بالنفط الذي يخضع لعقوبات أمريكية وأمميّة أيضاً. ويُعتَقَد أنّ حفتر كان يحاول بيع النفط الليبي بطريقة غير مشروعة لعدد من اللاعبين الدوليين مقابل الحصول على المال بطريقة مباشرة لتمويل عملياته العسكرية لاحتلال العاصمة طرابلس.

قبل أيام فقط، عاد الحديث مجدداً عن العلاقات التي تربط حفتر بمادورو. صحيفة الوول ستريت جورنال نقلت على لسان مسؤولين أمنيين أمريكيين وأوروبيين قولهم إنّ التحقيقات جارية بخصوص دور محتمل لحفتر في علاقات الذهب مقابل المال مع النظام الفنزويلي. ويشير التقرير إلى أنّ الحكومة الليبية كانت تتبّعت طائرة حفتر الخاصة بمساعدة الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة وأنّه من المحتمل أن تكون قد نقلت الذهب من فنزويلا إلى مناطق أخرى في غرب أفريقيا ومنها إلى أوروبا والشرق الأوسط.

المثير للاهتمام في هذا الصدد أنّ الإمارات لم تُغيّر من عاداتها، فقد صنّفت كارنيجي في تقرير مُطوّل لها صدر قبل أيام دبي على أنّها بؤرة عالمية للأموال القذرة وتهريب الذهب.

من الملاحظ أنّ مثل هذه التقارير عن الدور الأسود لحفتر باتت تظهر بشكل مكثّف بعد الهزائم التي مُني بها في وسط وغرب البلاد على يد القوات الحكومية الليبية المدعومة من قبل تركيا، وهو ما يُعدّ مؤشّراً إضافياً على أنّ ورقة حفتر قد تكون انتهت تماماً نظراً لكم الاتهامات التي تنتظره على مستوى جرائم الحرب التي ارتكبها والمجازر الجماعية التي تتكشّف مؤخراً في عدد من المناطق الليبية التي كان يسيطر عليها، وصفقات السلاح الفاسدة، والتجارة غير المشروعة التي قادها مع عدد من الجهات مقابل تمويل حملته العسكرية ضد الشعب الليبي.

صحيفة الإندبندنت على سبيل المثال كانت قد نشرت الشهر الماضي تقريراً يتحدث عن خسارة حفتر ما يزيد على 55 مليون دولار في صفقات سلاح فاسدة. وبحسب ما أوردته الصحيفة، فقد تعاقد حفتر مع عدد من سماسرة السلاح الغربيين لشراء معدات حربية منها مروحيات هجومية وطائرات استطلاع وسفينة بَحرية، لكنه لم يحصل على شيء منها بعد أن كان قد دفع لهم مبالغ طائلة.

المثير للاهتمام في التقارير المرتبطة بعلاقة حفتر بمادورو أنّه إذا كان قد تورّط فعلاً في تجارة للنفط أو الذهب فلا بد أنّ ذلك قد تمّ بمساعدة من أحد اللاعبين الإقليميين أو الدوليين. ما أوردته صحيفة إندبندنت مؤشر إضافي على ذلك، فالرجل يفتقد على ما يبدو إلى أدنى الكفاءة المطلوبة في أي من الأعمال التي يقوم بها، ومن غير الوارد أن تتم المخاطرة بهذا النوع من التجارة من خلال ترك إدارتها له.

ثلاث جهات

نظرياً، هناك ثلاث جهات من الممكن أن يثبت تورّطها لاحقاً بمساعدة حفتر وهي على الأرجح الإمارات وفرنسا وروسيا. روسيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع مادورو وهي أبرز لاعب في صف حفتر ولا تزال الوحيدة التي تدافع بشكل شرس عنه في الوقت الذي يتحاشى فيه الآخرون الإشارة إليه وبعضهم تنصّل منه مؤخراً بشكل علني كفرنسا على سبيل المثال.

أمّا الإمارات فهي متخصّصة في مجال التجارة غير الشرعية على مستوى العالم ومن بينها تجارة الذهب وتبييض الأموال. لقد سبق لها أن تورطت في تهريب أطنان من الذهب الليبي أو ما يعادل أكثر من 3 مليارات دولار ونقله إليها بحسب البيانات الرسمية الليبية. كما كشف تحقيق مفصّل لرويترز في العام 2019 أنّ الإمارات متورطة في سرقة أطنان من ذهب أفريقيا.

المثير للاهتمام في هذا الصدد أنّ الإمارات لم تُغيّر من عاداتها، فقد صنّفت كارنيغي في تقرير مُطوّل لها صدر قبل أيام دبي على أنّها بؤرة عالمية للأموال القذرة وتهريب الذهب. إذ يعمل في دبي وعبرها فاسدون من جميع أنحاء العالم يجدون فيها مكانا ملائما لأنشطتهم في غسل الأموال، بينهم أمراء الحرب الأفغان والعصابات الروسية واللصوص النيجيريون وغاسلو الأموال الأوروبيون ومهربو الذهب من أفريقيا.

أمّا الاحتمال الآخر فهو أن تكون فرنسا قد لعبت دوراً في تسويق نفط حفتر غير الشرعي سيما أنّ هناك العديد من التقارير التي تشير إلى أنّ باريس هي في حقيقة الأمر أحد زبائن النفط الليبي غير الشرعي، كما أنّ تجربتها في سوريا تقول بأنّها لا تمانع التعامل مع أطراف شرعية أو جماعات إرهابية في سبيل تأمين مصالحها. ولعل قصّة حماية معامل الإسمنت الفرنسية في سوريا من قبل “داعش” مقابل الحصول على أتوات هي أشهر من نار على علم كما يقال.

وفي ما يتعلّق بروسيا، فهي تبقى اللاعب الأقوى والأكثر قدرة على دعمه وحمايته، حيث يتغطّى جميع اللاعبين الموالين لحفتر الآن بموسكو وموقفها لا سيما بعد انتقادها العلني لحكومة الوفاق الوطني وامتناعها عن انتقاد حفتر. لقد لعبت روسيا دوراً في إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية والمرتزقة إلى ليبيا لدعم حفتر خلال المرحلة الماضية. كما أنها قامت كذلك بطباعة مبالغ ضخمة من العملات المزوّرة وضخّها في السوق الليبية لصالح أمير الحرب، آخرها شحنة من العملات المزوّرة تمّت مُصادرتها في مالطا.

أيّاً تكن الجهة التي ساعدت حفتر، فإنّ توالي الأخبار من العواصم الغربية عن علاقاته المشبوهة وفساده وانخراطه بشكل عميق في التجارة غير المشروعة وفي جرائم الحرب، تعني أنّ الرجل قد انتهى، سياسياً وعسكرياً.

____________

مواد ذات علاقة