بقلم عائد عميرة

قبل فترة قليلة، تجاهلت السلطات الجزائرية ما سمّي بالمبادرة المصرية في ليبيا، واكتفت بالقول إنها أخذت علمًا بالأمر، دون أن تزيد شيئًا. هذا التجاهل لم يتوقف هنا، حيث استثنت الجزائر هذه المرة مصر من مشاوراتها حول مبادرتها المرتقبة تجاه ليبيا واكتفت بالتنسيق مع تونس، ما يؤكد تغيير الموقف الجزائري من مصر فيما يتعلق بالملف الليبي، فماهي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟

مبادرة جزائرية واستثناء لمصر

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مؤخرًا، نية بلاده عرض مبادرة تهدف إلى إيجاد حل للأزمة الليبية، تزامنًا مع حشد غير مسبوق لقوات حكومة الوفاق في غربي سرت قصد تحريرها وإعلان مصر نيتها توجيه جيشها إلى هناك لحماية اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

الرئيس الجزائري، لم يعلن عن مضمون مبادرة بلاده الجديدة لكنه أكد، خلال مقابلة بثها التلفزيون الرسمي، أن اقتراحه يحظى بقبول من الأمم المتحدة، وسيتم تقديمه بالتنسيق مع تونس، دون أن يذكر مصر التي سبق أن تشاور معها في مرات سابقة حول ليبيا.

وقال تبون في نفس المقابلة إن المبادرة ستكون تحت “مظلة الأمم المتحدة، وأعتقد أن هناك نظرة إيجابية للحل الجزائري ويمكن أن يكون حلًا جزائريًا- تونسيًا بالتنسيق مع الأمم المتحدة وأنا متفائل بذلك”، وقبل ذلك أكد وزير الخارجية التونسي نور الدين الري وجود مشاورات بين تونس والجزائر في خصوص مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية.

سبق وأن قدم تبون عرضًا لاستضافة جولات حوار بين الفرقاء الليبيين تفضي إلى وقف إطلاق النار والذهاب إلى مسار سياسي من خلال انتخاب مؤسسات جديدة ووضع دستور للبلاد، مستبعدًا نجاح أي قرار منفرد، في إشارة إلى مصر التي أكد رئيسها نيته تسليح القبائل.

وتصر الجزائر، عكس مصر، على ضرورة الحوار بين الأشقاء الليبيين من أجل التوصل إلى حل سياسي، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان سيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية بعيدًا عن التدخلات العسكرية الأجنبية.

رغم دعمها الشرعية الدولية في ليبيا، استطاعت الجزائر الوقوف بنفس المسافة من جميع الفرقاء الليبيين مما يؤهلها للقيام بدور الوسيط بجدارة، على عكس مصر التي أثبتت مرارا وقوفها ضد اختيارات الشعب الليبي والسلط الشرعية هناك.

لم يستثن الرئيس الجزائري مصر من مبادرته فقط، بل أدان توجهاتها أيضًا، وهي المرة الأولى التي يتم فيها هذا الأمر، حيث انتقد تبون بشدة الخطوة المصرية لتسليح القبائل في ليبيا ودفعها للصراع العسكري، محذرًا مما وصفها بالمبادرات الفردية التي ستحول ليبيا إلى “صومال جديد”.

أكد تبون، في حوار تلفزيوني بث على التلفزيون الرسمي، رفضه انخراط الجزائر في هذا النوع من المبادرات الفردية التي يقوم بها قادة دول على صلة بالأزمة، في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

استثناء الجزائر لمصر يتبين أيضًا وفق الصحفي رياض المعزوزي، من خلال تأجيل زيارة عقيلة صالح الى الجزائر فجأة، وتحليق وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم نحو موسكو قبل يومين، مع استقبال الممثلة بالنيابة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، وتأكيد اتصالات مكثفة بين وزيري الخارجية التركي والجزائري.

ودشنت الجزائر مؤخرًا، جولة من المفاوضات والمحادثات مع تركيا، وهو ما يؤكد حجم التقارب بين الطرفين وهو تقارب أكبر بكثير من التقارب بين مصر والجزائر، ويرجع ذلك إلى الدور المصري المشبوه في ليبيا.

مساعي جزائرية لوقف مغامرة السيسي

هذه المؤشرات تلخص، وفق رياض المعزوزي، مسعى الجزائر الواضح لوقف مغامرة السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا، خاصة وأن هذا التحرك جاء بعد تجاهل واضح من قبل الحكومة الجزائرية للمبادرة المصرية، وعدم التطرق إليها قط وكأنها لم تحدث، بل وكثفت من تحركاتها من أجل إقناع المجتمع الدولي برفض هذا التدخل بحثَا عن حل سياسي بين الليبيين للملف.

يضيف المعزوزي، إن حركنا في دواليب ذكريات الأيام السابقة فإننا سنلاحظ اكتفاء الجزائر برفض أي تدخل أجنبي في ليبيا، ما يؤكد بأن الجزائر ما زالت في موقفها الثابت في دعم الحكومة الشرعية في ليبيا معتبرة حكومة الوفاق الحاكم الرسمي لهذا البلد الشقيق.

هناك نقطة لابد من التوقف عندها، وفق المعزوزي، وهي كون الجزائر ومصر بينهما شرارة سياسية وحرب زعامة شمال إفريقيا منذ القدم، لذا يسعى كل طرف لفرض منطقه وإستراتيجيته في الصراع، والملف الليبي سيكون حلقة لتبيان ذلك مع مر الأيام.

يرجع الصحفي الجزائري تحرك بلاده في هذا الوقت إلى سعيها لمنع خطوة مصر في ليبيا عسكريًا، وبعدها التوجه إلى فرض حلها السياسي الذي سيكون بإشراك جميع الأطراف الليبية بحسب ما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

ولا ينظر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعين الرضا لما يقوم به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما جعله يسعى لسحب للبساط من تحت أقدام القاهرة التي برهنت أنها وسيط غير محايد، فسياسة مصر تجاه ليبيا مدفوعة بمصالح متعددة لا تخدم الليبيين.

وتعتبر القاهرة المتمرد خليفة حفتر الشخصية الأقدر لتولي زمام الأمور في ليبيا، وذلك لتحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية هناك، وهو ما يفسر دعمها المتواصل له، حيث قدمت له دعمًا عسكريًا مستمرًا فضلًا عن الدعم الدبلوماسي.

وقبل أيام وافق البرلمان المصري في جلسة سرية على إرسال “عناصر من القوات المسلحة في مهام قتالية خارج حدود الدولة، للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الإستراتيجي الغربي”، في إشارة إلى دعم الانقلابي حفتر في حربه ضد حكومة الوفاق الشرعية.

في مقابل ذلك، ترى الجزائر ضرورة جلوس مختلف الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار للوصول إلى إجراء انتخابات يختار الليبيين فيها قيادتهم، حتى تنتهي مظاهر العنف هناك والانفلات الأمني وانقسام السلطة بين أطراف عدة.

ويحظى ملف الأزمة الليبية باهتمام كبير لدى الحكومة الجزائرية، فالسلطات الجزائرية في تواصل مستمر مع الدول الأوروبية وتونس وقطر وتركيا والأمم المتحدة فضلًا عن الأطراف الليبية لإنجاح مبادرتها الجديدة.

يمثل إعلان الجزائر عن المبادرة جديدة تعبيرًا صريحًا عن عدم نجاح المبادرة المصرية، فلو رأت الجزائر أن بإمكان مصر لعب دور الوسيط لما قدمت المبادرة، فمصر وفق الرؤية الجزائرية لا تمتلك مقومات الوساطة.

تعتقد الجزائر أن التحركات المصرية في ليبيا ودعمها ميليشيات خليفة حفتر، ستكون نتائجها وخيمة على ليبيا وعلى المنطقة ككل، فهذه التحركات من شأنها أن تطيل زمن الصراع هناك وتهدد كل جهود السلام في ليبيا.

******

كيف ستواجه تركيا التدخل المصري في ليبيا؟

بقلم إسماعيل ياشا

وافق البرلمان المصري، الاثنين، على تفويض الرئيس الانقلابي عبد الفتاح السيسي، بإرسال قوات من الجيش المصري في مهام قتالية بالخارج، “للدفاع عن الأمن القومي المصري”، في الوقت الذي يقترب فيه موعد العملية العسكرية التي من المتوقع أن تطلقها حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، لتحرير مدينتي سرت والجفرة من قبضة قوات حفتر ومرتزقته.

هذه الخطوة المصرية، في نظر محللين، عززت احتمال الاصطدام بين الجيشين التركي والمصري في ليبيا، وكثرت الأسئلة والتكهنات حول السيناريوهات المحتملة، في حال قام الجيش المصري بالتدخل في ليبيا، وبدأ كثير من المتابعين لتطورات المنطقة يتساءلون: ماذا سيكون رد تركيا على هذا التدخل الذي يستهدف تواجدها العسكري في ليبيا كما يستهدف حليفها في طرابلس؟

الجيش المصري إن دخل الأراضي الليبية لدعم قوات حفتر فلن تكون الأزمة بين مصر وتركيا، بل بين مصر وليبيا. وبعبارة أخرى، لن تكون المواجهة عربية- تركية، بل عربية- عربية، بين قوات دخلت لدعم الانقلابيين والمرتزقة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، وأخرى شرعية تابعة لحكومة تمثل الشعب الليبي ومعترف بها دوليا، ولن يجد الجنود المصريون أمامهم جنود الجيش التركي، بل سيواجههم أبناء ليبيا من أحفاد عمر المختار.

تركيا لا ترغب في المواجهة المباشرة مع مصر، ولا مع أي من الدول الإسلامية، مهما كانت الخلافات بينها وبين تلك الدولة، وترى أن هذا النوع من المواجهة يستنزف الطرفين ويخدم القوى الخارجية. كما أن الجيش المصري، هو في النهاية جيش الشعب المصري، وإن كان اليوم قد تحوَّل أداة بيد الانقلابيين الذين لا يمثلون إرادة الشعب، إلا أن قدرات هذا الجيش قد تكون غدا تابعة لحكومة ديمقراطية منتخبة لتخدم مصالح مصر والأمة الإسلامية. إلا أن تركيا، في ذات الوقت، لن تتردد بالتأكيد في الرد على أي هجوم يستهدف قواتها في ليبيا مباشرة.

هناك ثوابت لدى أنقرة، لا يمكن أن تتخلى عنها، كضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية والتصدي لمشاريع التقسيم. ومن المؤكد أنها ستدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية بكل ما تملك من قوة عسكرية وتقنية، من خلال تزويدها بالأسلحة والمعدات وبرامج التدريب وإرسال الخبراء، في إطار الاتفاقيات الثنائية والمصالح المشتركة، بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها من أجل دعم طرابلس.

التدخل العسكري المصري في ليبيا سيكون غير شرعي، مهما ادَّعى السيسي وأعوانه خلاف ذلك، كما أنه ضد إرادة الشعب الليبي. وهذا أحد أسباب تخبط القاهرة التي قالت أولا إنها مستعدة لتسليح القبائل الليبية وتدريبها، ثم تراجعت عن لغة التهديد هذه، بعد الردود والانتقادات التي جاءت من المجتمع الدولي وجيران ليبيا؛ لأن صوملة ليبيا لن تهدد جميع الدول المجاورة لليبيا فحسب، بل ستشكل تهديدا كبيرا لأمن أوروبا، وأمن مصر نفسها.

لا ينتظر أحد من تركيا أن تنجر إلى مغامرة غير محسوبة، لأنها دولة يقودها رئيس مدني منتخب ديمقراطيا يتمتع بخبرة طويلة في حكم البلاد، بخلاف مصر التي يحكمها جنرال انقلابي يفتقر إلى أدنى مستوى من الخبرة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، بل وتحاصره مجموعة من السفهاء والأمراء المغامرين، ويقود بلاده من فشل إلى آخر. كما أن أردوغان يقرأ التوازنات الدولية والإقليمية بدقة، ويستغلها بنجاح لصالح تركيا. ومن المؤكد أنه لن يجد صعوبة في قلب الطاولة على السيسي إن تدخل الجيش المصري في ليبيا.

قد يذهب السيسي إلى ليبيا، أملا في مواجهة الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني، إلا أنه يمكن أن يتفاجأ بمحاصرة نظامه الانقلابي من قبل دول أوروبية وعربية وحتى أفريقية. ولعل القاهرة تراقب تحركات الدبلوماسية التركية، واللقاء الثلاثي الذي جمع قبل أيام وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ووزير الدفاع القطري خالد العطية، ووزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، واجتماع هذا الأخير في العاصمة التركية مع آكار ووزير داخلية مالطا بويرون كاميلاري، بالإضافة إلى زيارة مولاتو تيشومي فيرتو، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لأنقرة، والجولة الأفريقية التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو.

المقارنة بين أعداد السفن والطائرات والدبابات التي يملكها كل من الجيش التركي والجيش المصري لاستشراف نتائج التدخل المصري العسكري في ليبيا؛ قد تكون مضللة، إن لم تؤخذ القدرة على استخدام تلك القوة العسكرية والمناورات السياسية والدبلوماسية بالحسبان. وإن وضعت كل هذه المعطيات في الميزان، فإن كفة تركيا سترجح بفارق لا يخفى على أحد.

____________




مواد ذات علاقة