Libyans buy sheep ahead of the Eid al-Adha festival, in Tripoli November 3, 2011. Muslims around the world celebrate Eid-al-Adha, marking the end of the haj, by slaughtering sheep, goats, cows and camels to commemorate Prophet Abraham's willingness to sacrifice his son Ismail on God's command. REUTERS/Ismail Zitouny (LIBYA - Tags: SOCIETY ANIMALS RELIGION)

بقلم عبدالعزيز الغناي

يقضي الليبيون عيد الأضحى هذا العام مع مزيد من المعاناة والألم، تبدأ هذه المعاناة عند كيفية توفير ثمن الأضحية بسبب الظروف الاقتصادية التي خلّفتها الحرب، وتنتهي عند ألم التهجير وفقد الأحباب والأصحاب والبكاء على أطلال العمران، إلا أنه ورغم كل الظروف ما زالت عادات الليبيين وتقاليدهم محفوظة ومستمرة في هذه الأعياد والأيام المميزة.

فليبيا السُّنية المالكية في غالبية سكانها تقيم ليوم الوقوف بعرفة ويوم النحر واللذين يوافقان يومي التاسع والعاشر من ذي الحجة تقديساً واحتراماً كبيراً، تنتشر الأسواق وينصبُّ اهتمام المواطنين على شراء الأضحية ومعدات الذبح والسلخ وتقطيع الشياه، مصاحبات الأكل في أيام العيد الذي يكون غنياً باللحم دون أدنى شك.

العادات والطقوس الليبية مجملاً لا تخرج عن العادات الإسلامية العربية، فعادة ما يذبح الليبيون الشياه ويقومون بتقطيعها والتصدق من لحومها وإهداء جزء آخر للأقارب والأصحاب، ومن دون شكّ تحضيرهم للحمهم المفضل، وهو ما يسميه الليبيون بمختلف لهجاتهم بـ”القَدِّيد”، والقديد هو لحم الخروف المقدد باللغة العربية والمعرض للجفاف بواسطة الملح وأشعة الشمس، ولا يقتصر فقط على اللحم، بل الشحم وبعض من ضلوع القفص الصدري، وأجزاء من معدة الأضحية وأمعائها.

على مستوى الأكلات الشعبية في أقاليم ليبيا الثلاثة بعد الذبح، يتناول الليبيون شواءً من كبد الأضحية، ثم شواء من لحمها، ثم تأتي الوجبة الرئيسية وهي العصبان، والعصبان عبارة عن الأمعاء الغليطة للشاة، تُحشى بخلطة من الأرز والخضراوات بعد تنظيفها جيداً، وهو ما يُعرف باللهجة المصرية بالمومبار، كما عهد الليبيون على تناول وجبة أخرى رئيسية، ألا وهي لحم الرأس، وهي عبارة عن طبخ  لحم رأس الأضحية بعد إزالة الشعر والصوف الذي عليها بواسطة اللهب، أو ما يُعرف بـ”التشفشيف”، أو بواسطة سلخ جلد الرأس، وينطبق هذا أيضاً على أرجل الأضحية، ومن ثم طبخها معاً في مرقة خاصة.

لا يخلو الأمر أيضاً من الاستفادة من صوف الأضحية، وهو ما يُعرف بالمحلية بـ”النطع”، وذلك بعد سلخها وفرشها وتغطيتها من جانب الجلد بالملح، ثم دبخ الجلد ومحاولة تنعيمه بكشطه بواسطة الأحجار، ومشط الصوف بواسطة مشط مخصص مكون من أسنان معدنية يسمى محلياً بالقرداش.

أيضاً يصنع الليبيون “اللواوي”، وهي عبارة عن قطعة من الشحم المقدد، ملفوف عليها قطعة من معدة الخروف، مربوطة بواسطة الأمعاء الدقيقة للأضحية، وتستغرق اللواوي وقتاً أطول من وجبات العيد الأخرى في التحضير، لذلك يعكف الليبيون على تناولها في غرة شهر محرم، أي بعد حوالي عشرين يوماً من يوم النحر، والذي تتخذه الدولة الليبية عطلةً رسمية، وتجتمع فيه الأُسر الليبية فيما هو أشبه بعيد.

الأوضاع الحالية وتهاوي الاقتصاد واستمرار الحروب غيّرت قليلاً في عادات الليبيين، فأصبحوا بعد الانقطاعات المستمرة للكهرباء، والتي تتجاوز أحياناً 12 ساعة في اليوم في بعض المدن، يخشون فساد اللحم، لأن الثلاجات لا تعمل بكفاءة جيدة، لذا فإنهم لا يبالغون في حجم الأضحية من البداية، أيضاً على الأقل كان حوالي نصف الليبيين يذبحون الأضاحي فقط في اليوم الأول، ثم يقومون بتقطيعها وتقديد بعض لحومها في اليوم الثاني، إلا أنهم أيضاً أصبحوا يجمعون الذبح وتقطيع اللحوم في اليوم الأول، نظراً لانقطاع الكهرباء وارتفاع نسبة الرطوبة، خاصة في مدن الساحل، والتي يقطن فيها ما يفوق الـ75‎%‎ من إجمالي سكان ليبيا.  

أثر وضع الحرب والتشظي الحاصل حالياً على أوضاع عيد الأضحى في ليبيا عموماً، فإقليم برقة خزان ليبيا في الثروة الحيوانية يعاني من صعوبات في تسويق كميات هائلة من المواشي لإقليم طرابلس المتعطش لهذه الكميات، بسبب الحرب الدائرة والاستقطاب الشعبي بين شرق ليبيا وغربها، هذا إضافة إلى أن سعر النقل بين شرقي البلاد وغربيها أصبح مبالغاً فيه، نظراً لما يتعرض له سائقو الشاحنات من مضايقات ومن شح في الوقود، وسلوكهم طرقاً وعرة وغيرمؤمّنة تفادياً لخطوط الجبهة ومواقع الاشتباكات، وإذا كانت المسافة بين مدينتي سرت ومصراتة الساحليتين مباشرة هي 250 كيلومتراً، فإنه لتصل مصراتة من سرت الآن أنت مضطر لقطع أكثر من 1000 كيلومتر، مروراً بجنوب ووسط أقصى غربي البلاد>

كذلك أثرت الأزمة النقدية على أجواء العيد، فالازدحام الدائم طوال السنة أمام المصارف، والذي يتضخم في فترة الأعياد يُلقي بهمومه وأعبائه على المواطن، وكذلك على القدرة الشرائية التي انخفضت بطبيعة الحال، ما أثّر سلباً على المُربي والمزارع والمورّد.

أيضاً استمرار الحرب أدى لعدم استقرار عام في معيشة الأسرة الليبية، التي قد تشهد في أي لحظة احتمالية فقدها لأحد أفرادها، أو احتمالية التهجير أو اختفاء الخدمات الشحيحة في الأساس، وكمواطن ليبي أصبحت أفتقد البهجة بالمجمل، البهجة التي لا تأتي إلا عن طريق الاستقرار والأمن وتوفر الخدمات، أصبحت أفتقد التواصل وتبادل التهاني، أصبحت أفتقد شباباً ألقي بهم في أتون حروب طاحنة، قتل منهم من قُتل، وغاب منهم من غاب، ويرابط آخرون في الجبهات.

دائماً ما تمثل الأعياد والمناسبات الدينية لليبيين فرصة لإعادة السلام والمصالحة، لكن مع تشعب الوضع السياسي والعسكري في ليبيا والتداخلات الخارجية أصبح الأمر من الصعوبة بمكان، لذا ففرصة السلام قد تتحول لهدنة قصيرة يشتد بعدها الاستقطاب، وتعود المعارك مجدداً، تزداد فيها لليبيين همومهم، وتصبح بهجة العيد من الماضي.

***

عبدالعزيز الغناي ـ محلل سياسي ومهتم بالشأن العربي والإقليمي

________________

مواد ذات علاقة