تسيطر حالة اللاسلم واللاحرب على الموقف في خط المواجهة الحالي سرت-الجفرة في ليبيا، وذلك منذ نحو شهرين، وبينما يسود التفاؤل الحذر المشهد السياسي، تستمر حالة الاستنفار والتحشيد العسكري بين الجانبين، فهل تنجح الدبلوماسية أم أن الحرب المتوقفة مؤقتاً ستشتعل مرة أخرى؟

أين وصلت الأمور على الأرض؟

بعد أن تمكنت قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً من تحقيق انتصارات متتالية في مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين أجبرت ميليشيات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر على الانسحاب من محيط العاصمة طرابلس والتقهقر نحو الشرق، أصبح خط سرت-الجفرة هو الخط الحالي للمواجهة، حيث تقف قوات الحكومة الشرعية المدعومة من تركيا على مشارف سرت وقاعدة الجفرة الجوية، بينما تواصل ميليشيات حفتر المدعومة من روسيا ومصر والإمارات تكثيف مواقعها استعداداً لمعركة طويلة الأمد.

وفي هذا السياق، كشف رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري في 6 أغسطس/آب الجاري، عن رصد وصول أكثر من 110 طائرات تحمل معدات ومرتزقة لدعم حفتر خلال شهر واحد، وذكرت مصادر إعلامية ليبية نقلاً عن مواقع متخصصة في رصد حركة الطيران، وصول 4 طائرات شحن روسية إلى مطاري بنينة في مدينة بنغازي، والأبرق في مدينة البيضاء (شرق)، في 2 أغسطس، وفي اليوم ذاته هبطت 5 طائرات في قاعدة القرضابية الجوية.

وإلى جانب إرسال موسكو طائرات حربية من نوع ميغ 29 وسوخوي 24، التي سبق وأن كشفتها واشنطن عبر صور للأقمار الصناعية، تم التأكيد مؤخراً على إرسال سلاح نوعي جديد إلى منطقة الموانئ النفطية الواقعة خلف خط سرت الجفرة.

وتحدثت مصادر لشبكة “الجزيرة” القطرية عن تنصيب منظومة دفاع جوي من نوع “إس 300” الروسية المتطورة، في ميناء راس لانوف النفطي (وسط)، والتي يفوق مداها صواريخ منظومة بانتيسر متوسطة المدى، التي سبق نشرها في ليبيا بوقت سابق، ودمرت طائرات مسيرة من صنع تركي عدداً كبيراً منها في غرب البلاد خلال عدوان حفتر على العاصمة طرابلس (أبريل/نيسان 2019- يونيو/حزيران 2020).

ناهيك عن زراعة حقول من الألغام حول سرت راح ضحيتها عدد من المدنيين، وحفر خنادق غرب سرت، ما يعني استعداد ميليشيات حفتر ومرتزقة “فاغنر” لحرب طويلة الأمد، خاصة أن المنطقة صحراء مفتوحة، لا توجد بها تحصينات طبيعية مثل الجبال الشاهقة والوديان العميقة أو الغابات الكثيفة، لذلك يصعب الدفاع عنها في الظروف العادية، إلا إذا كان هناك تفوق جوي أو مدفعية ذات مدى أبعد من مدفعية الطرف الآخر، أو خنادق وأنفاق، بحسب تقرير للأناضول.

مرتزقة فاغنر يخططون للبقاء طويلاً

وهذا ما استنتجه الجيش الليبي من خلال المعطيات الميدانية، حيث قال مدير إدارة التوجيه المعنوي العميد ناصر القايد، لقناة “فبراير” المحلية، إن “ما يرصده الجيش الليبي من استعدادات تلك الميليشيات (مرتزقة فاغنر والجنجويد) وقيامها بتحصينات كبيرة، تدل على أنها تريد البقاء أكبر فترة ممكنة في ليبيا”.

فمرتزقة “فاغنر” يسعون في المرحلة الحالية لتثبيت جبهة سرت الجفرة، واستغلال وقف إطلاق النار لاستكمال عمليات التحشيد وإحكام الدفاعات البرية والجوية، وضمان استمرار غلق النفط الليبي بما يضمن خدمة المصالح الروسية، وتأكيد دور موسكو كلاعب رئيسي في الملف الليبي، لأطول مدة ممكنة.

وفي هذا الإطار، فإن سياسة “اللا حرب واللا سلم”، تخدم الاستراتيجية الروسية في تثبيت أرجل موسكو بجنوب المتوسط لفترة طويلة وبأقل الخسائر.

ما طبيعة الحل السياسي المطروح؟

تلك الاستعدادات العسكرية تبدو متناقضة تماماً مع التصريحات السياسية المتفائلة بشأن تسليم منطقتي سرت والجفرة إلى الحكومة الليبية الشرعية، فبينما لا يوحي الواقع العسكري على الأرض بأن هناك انسحاباً قريباً لميليشيا حفتر والمرتزقة الأجانب من مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وقاعدة الجفرة الجوية (300 كلم جنوب سرت)، تكثف الولايات المتحدة الأمريكية جهودها الدبلوماسية لإقناع حكومة الوفاق وميليشيات حفتر بقبول خطة لفرض منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة، وفتح قطاع النفط المغلق منذ 17 يناير/كانون الثاني 2020.

وفي 4 أغسطس الجاري، أصدر مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، بياناً حول ليبيا، دعا فيه لتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من “استئناف عملها الحيوي بشفافية كاملة، وتنفيذ حلّ منزوع السلاح في سرت والجفرة”.

كما أجرى وفد أمريكي برئاسة مدير مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اللواء ميغيل كوريا، والسفير ريتشارد نورلاند، في 7 أغسطس، مشاورات افتراضية عبر دوائر فيديو مغلقة ومنفصلة مع مستشار الأمن القومي الليبي تاج الدين الرزاقي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب (طبرق) يوسف العقوري، للدفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة لإيجاد حلّ منزوع السلاح في سرت والجفرة، وإعادة فتح قطاع النفط.

من سيتولى الجانب الأمني في المنطقة؟

ولم يتم الاتفاق بعد حول من سيشرف على الجانب الأمني في المنطقة منزوعة السلاح، هل هي قوات أممية أو أوروبية أو الشرطة التابعة للحكومة الليبية، لكن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، كشف بطرابلس في 6 أغسطس الجاري، عن عرض لتسليم سرت والجفرة إلى الحكومة الليبية، ولم يوضح من قدّم هذا العرض هل هي الولايات المتحدة الأمريكية أم روسيا؟

غير أنه في 22 يوليو/تموز الماضي، اتفقت تركيا وروسيا على أنه لا حل عسكري للأزمة في ليبيا، ولا يمكن حل المشكلة إلا عبر عملية سياسية بقيادة الليبيين ورعايتهم وتسهيل من الأمم المتحدة، وإعلان وقف إطلاق نار دائم، وتعزيز الحوار السياسي بين الليبيين، وإنشاء مجموعة عمل مشتركة خاصة بليبيا (بين روسيا وتركيا).

لكن تشاووش أوغلو حذر في وقت سابق من هجوم مفاجئ لحفتر على مصراتة وطرابلس في أية لحظة، ولهذا السبب فإن الحكومة الليبية تطالب بتسلم سرت والجفرة.

فقاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، كانت مركز تحشيد ميليشيات حفتر ومرتزقته ونقطة الانطلاق الرئيسية للسيطرة على العاصمة، بينما سقوط سرت في يناير/كانون الثاني الماضي بيد ميليشيات حفتر، جعل الطريق نحو مصراتة مفتوحاً، إذ لا توجد بين المدينتين سوى قرى وبلدات صغيرة.

وبالنظر إلى أن حفتر سبق له وأن نكث عدة تفاهمات وقام بهجمات مفاجئة حتى بدون استشارة أو موافقة جميع حلفائه، فليس مستبعداً أن يكرر هجوماً آخر ضد مصراتة أو طرابلس إن واتته الفرصة.

أما ميليشيات حفتر فتخشى أن يؤدي سقوط سرت والجفرة في يد الجيش الليبي إلى انطلاق هجمات على منطقة الهلال النفطي، كما حدث بين 2014 و2017، لذلك تتمسك بهما بشراسة.

وقد يمثل جعل سرت الجفرة منطقة منزوعة السلاح خياراً وسطاً للطرفين، لتهدئة مخاوفهما بشكل يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار، ويفتح المجال لحوار سياسي جديد، لإنهاء الأزمة وإعادة توحيد البلاد.

*********

سرت ـ الجفرة .. تفاؤل سياسي يقابله تحشيد عسكري

حالة تضارب واسعة بين التصريحات السياسية المتفائلة بشأن تسليم منطقتي سرت والجفرة إلى الحكومة الليبية الشرعية، وبين الجسر الجوي الروسي لتعزيز تحصينات مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر بالمنطقة الوسطى، استعدادا لأي تطورات عسكرية مفاجئة.
الواقع العسكري على الأرض لا يوحي بأن هناك انسحابا قريبا لمليشيا حفتر والمرتزقة الأجانب من مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وقاعدة الجفرة الجوية (300 كلم جنوب سرت).
فنوعية الأسلحة وعدد الطائرات الروسية التي حطت بمطارات شرق ليبيا وقاعدتي القرضابية بسرت والجفرة الجويتين، تعكس أن مليشيا حفتر والمرتزقة الروس يستعدون لمواجهة عسكرية أكبر من مجرد معارك تقليدية مع الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية.

جسر جوي لتزويد حفتر بأسلحة نوعية

رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري، كشف في 6 أغسطس/ آب الجاري، عن رصد وصول أكثر من 110 طائرات تحمل معدات ومرتزقة لدعم حفتر خلال شهر واحد.
وعلى سبيل المثال ذكرت مصادر إعلامية ليبية نقلا عن مواقع متخصصة في رصد حركة الطيران، وصول 4 طائرات شحن روسية إلى مطاري بنينة في مدينة بنغازي، والأبرق في مدينة البيضاء، في 2 أغسطس، وفي اليوم ذاته هبطت 5 طائرات في قاعدة القرضابية الجوية.

وإلى جانب إرسال موسكو طائرات حربية من نوع ميغ 29 وسوخوي 24، التي سبق وأن كشفتها واشنطن عبر صور للأقمار الصناعية، تم التأكيد مؤخرا على إرسال سلاح نوعي جديد إلى منطقة الموانئ النفطية الواقعة خلف خط سرت الجفرة.

وتحدثت مصادر لشبكة “الجزيرة” القطرية، عن تنصيب منظومة دفاع جوي من نوع “آس300” الروسية المتطورة، في ميناء راس لانوف النفطي، والتي يفوق مداها صواريخ منظومة بانتيسر متوسطة المدى، التي سبق نشرها في ليبيا في وقت سابق، ودمرت طائرات مسيرة من صنع تركي عددا كبيرا منها في غرب البلاد خلال عداون حفتر على العاصمة طرابلس.

ناهيك عن زراعة حقول من الألغام حول سرت راح ضحيتها عدد من المدنيين، وحفر خنادق غرب سرت، مما يعني استعداد مليشيات حفتر ومرتزقة “فاغنر” لحرب طويلة الأمد، خاصة أن المنطقة صحراء مفتوحة، لا توجد بها تحصينات طبيعية مثل الجبال الشاهقة والوديان العميقة أو الغابات الكثيفة، لذلك يصعب الدفاع عنها في الظروف العادية، إلا إذا كان فيه تفوق جوي أو مدفعية ذات مدى أبعد من مدفعية الطرف الآخر، أو خنادق وأنفاق.

وهذا ما استنتجه الجيش الليبي من خلال المعطيات الميدانية، حيث قال مدير إدارة التوجيه المعنوي العميد ناصر القايد، لقناة “فبراير” المحلية، إن “ما يرصده الجيش الليبي من استعدادات تلك المليشيات (مرتزقة فاغنر والجنجويد) وقيامها بتحصينات كبيرة، تدل على أنها تريد البقاء أكبر فترة ممكنة في ليبيا”.

فمرتزقة “فاغنر” يسعون في المرحلة الحالية لتثبيت جبهة سرت الجفرة، واستغلال وقف إطلاق النار لاستكمال عمليات التحشيد وإحكام الدفاعات البرية والجوية، وضمان استمرار غلق النفط الليبي بما يضمن خدمة المصالح الروسية، وتأكيد دور موسكو كلاعب رئيسي في الملف الليبي، لأطول مدة ممكنة.

وسياسة “لا حرب ولا سلم”، تخدم الاستراتيجية الروسية في تثبيت أرجل موسكو بجنوب المتوسط لفترة طويلة وبأقل الخسائر.

منطقة منزوعة السلاح

في مقابل هذه التحشيدات، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية جهودها الدبلوماسية لإقناع الحكومة الليبية ومليشيات حفتر بقبول خطة لفرض منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة، وفتح قطاع النفط المغلق منذ 17 يناير/ كانون الثاني 2020، والذي كلف خزينة الدولة الليبية أكثر من 7 مليارات دولار.

وفي 4 أغسطس الجاري، أصدر مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، بيانا حول ليبيا، دعا فيه لتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من “استئناف عملها الحيوي بشفافية كاملة، وتنفيذ حلّ منزوع السلاح في سرت والجفرة”.

كما أجرى وفد أمريكي برئاسة مدير مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اللواء ميغيل كوريا، والسفير ريتشارد نورلاند، في 7 أغسطس، مشاورات افتراضية عبر دوائر فيديو مغلقة ومنفصلة مع مستشار الأمن القومي الليبي تاج الدين الرزاقي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوسف العقوري، للدفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة لإيجاد حلّ منزوع السلاح في سرت والجفرة، وإعادة فتح قطاع النفط.

ولم يتم الاتفاق بعد حول من سيشرف على الجانب الأمني في المنطقة منزوعة السلاح، هل هي قوات أممية أو أوروبية أو الشرطة التابعة للحكومة الليبية.

لكن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، كشف بطرابلس في 6 أغسطس الجاري، عن عرض لتسليم سرت والجفرة إلى الحكومة الليبية، ولم يوضح من قدّم هذا العرض هل هي الولايات المتحدة الأمريكية أم روسيا؟
غير أنه في 22 يوليو/ تموز الماضي، اتفقت تركيا وروسيا على أنه لا حل عسكريا للأزمة في ليبيا، ولا يمكن حل المشكلة إلا عبر عملية سياسية بقيادة الليبيين ورعايتهم وتسهيل من الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق نار دائم، وتعزيز الحوار السياسي بين الليبيين، وإنشاء مجموعة عمل مشتركة خاصة بليبيا (بين روسيا وتركيا).

لكن تشاووش أوغلو، حذر في وقت سابق، من هجوم مفاجئ لحفتر على مصراتة وطرابلس في أية لحظة، ولهذا السبب فإن الحكومة الليبية تطالب بتسلم سرت والجفرة.
فقاعدة الجفرة الجوية كانت مركز تحشيد مليشيات حفتر ومرتزقته ونقطة الانطلاق الرئيسية للسيطرة على العاصمة، بينما سقوط سرت في يناير الماضي بيد مليشيات حفتر، جعل الطريق نحو مصراتة مفتوحا، إذ لا توجد بين المدينتين سوى قرى وبلدات صغيرة.
وبالنظر إلى أن حفتر سبق له وأن نكث عدة تفاهمات وقام بهجمات مفاجئة حتى بدون استشارة أو موافقة جميع حلفائه، فليس مستبعدا أن يكرر هجوما آخرا ضد مصراتة أو طرابلس إن واتته الفرصة.

أما مليشيات حفتر، فتخشى أن يؤدي سقوط سرت والجفرة في يد الجيش الليبي، إلى انطلاق هجمات على منطقة الهلال النفطي، كما حدث بين 2014 و2017، لذلك تتمسك بهما بشراسة.

وقد يمثل جعل سرت الجفرة منطقة منزوعة السلاح، خيارا وسطا للطرفين، لتهدئة مخاوفهما بشكل يحقق وقفا دائما لإطلاق النار، ويفتح المجال لحوار سياسي جديد، لإنهاء الأزمة وإعادة توحيد البلاد.

___________

مواد ذات علاقة