حاورته نسرين جعفر

ليبيا لا تحتاج إلا لرفع الدول الأجنبية أيديها عنها حتى تنتهي مشكلتها المصطنعة خارجيا.. والركود الحاصل في سرت والجفترة ناتج عن انتظار حكومة الوفاق لإمكانية تجسيد الحل السلمي.

نص الحوار:

بعد فشل كل مساعي المصالحة الوطنية، كيف يمكن إنهاء مشكلة الشرعية في ليبيا؟

من وجهة نظر، المصالحة الوطنية في ليبيا لم تبدأ بشكل حقيقي بعد، كل المحاولات السابقة كانت تصب في إطار الصراع من أجل تقاسم السلطة والمال وتحقيق مصالح أطراف معينة ومحاولة كسب تأييد جهة أو منطقة ما، مع الضوخ لإملاءات خارجية، وبالتالي لم تكن هناك نية حقيقية للمصالحة، فبعض الأطراف كانت تعتقد أنه بإمكانها حسم الأمر بالسلاح، والآن تبين أن ذلك غير ممكن، وربما تكون هناك نية أصدق للمصالحة في الوقت الحالي لكن التدخل الدولي الذي يهدف للسيطرة الكاملة على البلاد لن يرضى بتوافق سياسي داخلي، ويفضل حسم الملف بالقوة، وبالتالي يمكن القول إن ما سمي بالمصالحة لم يكن إلا جزءا من الصراع والمراوغة وكسب التأييد والوقت.

مع تمسك الدول الداعمة لحفتر بالحل العسكري وفشل الجهود الدولية في حل الملف الليبي، هل يمكن المراهنة على الحل السياسي اليوم؟

الدول الداعمة لحفتر خسرت الحرب ولم يعد بإمكانها حسم الموقف عسكريا، لذلك عادت إلى الحوار السياسي للحصول على فرصة لاستدامة النزاع بعدما كانت ترفض في الماضي أي حل سلمي، وهذه الدول ليست جادة في طرحها وستنتهز أي فرصة للإنقلاب مستقبلا، وهنا يكمن خطر التفاوض مع عقيلة صالح، فقد يقوم بدوره الآن بشكل عادي، لكنه قد ينقلب مستقبلا مثلما انقلب في الماضي عندما قدم البرلمان لخليفة حفتر.

ووجود مرتزقة روس في وسط ليبيا يؤخر سقوط حكم العسكر في الشرق ولكنه لن يصمد طويلا وحتى في بنغازي عندما تتضح الصورة سيهب الشعب الذي اعتقد أن ما يسمى “الجيش الوطني الليبي” هو جيش وطني، وتبين له الآن أن هدفه هو الإستيلاء على السلطة، بدليل أنه استعمل المرتزقة الروس وفخخ مساكن المواطنين وقتل الأسرى، كما أن القابر الجماعية التي خلفها في ترهونة لم يسبق لها مثيل في الفضاعة، وبالتالي الليبيون باتوا يعرفون الآن أن الجيش الذي يعد بالأمن والاستقرار يعمل في الحقيقة على أمن أسرة واحدة فقط تتسلط على باقي العائلات مثلما حدث في نظام القافي..

أما مأزق التدخل الخارجي فهو أخطر شيئ على ليبيا، لأن البلاد مستقرة في الداخل وشعبها من السهل عليه أن يصل إلى تفاهمات، لكن للأسف الدول المتدخلة في الملف وأذنابها في الداخل هم الذين يتصارعون، والتخلص من هذه التدخلات يكون بالوقوف في وجهها وبتوحيد الجبهة الداخلية وكسب ثقة الرأي العام الليبي، ما يستدعي وجود قيادة قوية ومشروع وطني كامل متكامل، وهذا مطلب قابل للتجسيد، فمثلما حصل في دول أخرى يمكن أن يحدث في ليبيا أيضا.

ومن المهم أن نعرف بأن ليبيا غنية بخبرائها وعلمائها وفيها عدد كبير من خريجي الجامعات الأمريكية والبريطانية، ولديها قدرات ضخمة لكنها للأسف كلها مبعدة، فحوارات الأمم المتحدة لا تأتي إلا بأقل الناس خبرة على القيادة، وهذا يوضح أن المجتمع الدولي لا يريد لليبيا أن تتقدم بدليل أنه لم يقدم أي خبير لتولي منصب قيادي، والخيارات الموجودة في المجلس الرئاسي سيئة جدا، فالأعضاء ليسوا من الشخصيات التي لديها خبرة سابقة في تسيير الدولة أو المتخصصة في مجالات مهمة، وهذه نقطة جديرة بالملاحظة وهي نتاج لخيارات الأمم المتحدة التي لا تخدم تطور الدولة.

في ظل حالة اللاحرب واللاسلم التي تشهدها البلاد، هل بات تقسيم ليبيا ضرورة لإنهاء الصراع على السلطة؟

تقسيم البلاد احتمال بعيد غير وارد، لأن الشعب الليبي في الشرق أو الغرب يرفض فكرة التقسيم، والصراع في الأساس ليس بين الشرق والغرب بل بين طرفين أحدهما يعمل على إعادة تنصيب حكم أسري بقوة السلاح وبدعم قوي من دول تزوده بالمرتزقة وأحدث الأسلحة، فهناك بعض الحكومات التي لديها مصالح في ليبيا ترى أن التعاون مع شخص واحد دكتاتوري يمكن أن يضاعف مصالحها، أما الطرف الثاني فيتعلق بجهة ترفض العودة إلى حكم الفرد، وتود بناء دولة مدنية ديمقراطية، تقودها حكومة معترف بها دوليا وهي حكومة الوفاق الوطني التي أضطرت إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، مكنتها من صد العدوان على العاصمة، ومؤيد وكلا الطرفين في مختلف أنحاء البلاد يرفضون خيار التقسيم.

وماذا عن الحكم الفيدرالي؟

إذا حصل حوار حقيقي بين أطراف الشعب الليبي كل شيئ ممكن، فيمكن أن يكون نوع نظام الحكم فيدراليا أو لا مركزيا، لكن الكثير من الليبيين يعتقدون أن الفيدرالية هي تقسيم لهذا يرفضونها، فإذا اقتنعوا بأنها عكس ذلك وكانت هناك نيات حسنة يمكن أن يصبح الحكم الفيدرالي بديلا للتقسيم، وأنا شخصيا من مؤيدي وجود حكم لا مركزي توزع فيه الموارد والحقوق بعدل، وتعطي الفرص بشكل متكافئ وتحقق فيه تنمية لكل أنحاء ليبيا ولا يحتاج إي شخص أن يتحرك من بنغازي مثلا ألف كيلومتر صوب العاصمة طرابلس للتوقيع على ورقة، وأفضل أن تكون اللامركزية من خلال الحكم المحلي على مستوى البلديات بصيغة متفق عليها مسبقا، ولكن إذا اتفق الليبيون على أي حكم مغاير فهو مقبول أيضا، كل ما نحتاجه الآن هو أن يمنحنا العالم فرصة برفع الدول المتدخلة إيديها عن البلاد، لينتهي النزاع الدائر ويبدأ الليبيون في بناء دولتهم.

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، كيف ترى موقفها من الصراع الدائر في ليبيا؟

الموقف الأمريكي لم يكن واضحا في الماضي وتأرجح بين مؤيد لحكومة الوفاق وداعم لقوات حفتر، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب التدخل الروسي وهزيمة الفاغنر على أسوار طرابلس بدأت تحركات الخارجية الأمريكية تنشط لفرض حل سياسي، وهناك ضغوط دولية كبيرة جدا للدفع بالحل السلمي الذي حاولت حكومة الوفاق دائما الدفع به، فالركوض الحاصل في سرت والجفرة الآن ناتج ان انتظار حكومة الوفاق إمكانية تجسيد الحل السلمي، لكن إذا لم يحدث ذلك فلابد أن تكون هناك حرب حقيقية لأن الحكومة المعترف بها دوليا مصرةعلى بسط سلطتها على كامل البلاد.

كيف يمكن للجزائر أن تساهم في الحل مستقبلا؟

نحن نعوّل دائما على مواقف الجزائر خاصة في مواجهة الدور المصري الذي يقوم اليوم بالتدخل العسكري في ليبيا نيابة عن دول أخرى، فمصر ليست لديها أي مصلحة في التدخل في ليبيا، لأن مئات الألاف من مواطنيها يعملون هنا ولم يتم التضييق عليهم أو طردهم حتى في أحلك الفترات التي مرت بها علاقة البلدين، ومصلحة مصر في استقرار ليبيا الذي سيوفر لها الكثير من الفرص لعمالتها، لكن للأسف الحكومة المصرية انزلقت في تحالف سيكلفها الكثير، ونتمنى أن تتمسك الجزائر بموقفها القوي في رفض أي تدخل عسكري في ليبيا.

أخيرا، ما الذي تحتاجه ليبيا اليوم للخروج من أزمتها وإعادة بناء مؤسستها؟

ليبيا لا تحتاج إلا لرفع الدول الأجنبية أيديها عنها، وسترون أنها ستستقر بعد ذلك خلال أيام وليس شهورا أو سنوات، لأن مشكلتها مصطنعة ومفتعلة خارجيا والهدف منها السيطرة الاقتصادية والسياسية ومنع السيطرة الاقتصادية والسياسية ومنع قيام دولة ديمقراطية مدنية في ليبيا التي لا تضم أيديولوجيات عدة ولا أعداد كبيرة من المتطرفين، شعبها معطاء ووسطي يريد دولة مدنية وليس لديه جيش يشكل خطرا على دولة مجاورة، وهناك مليارات الدولارات تدخل تونس ومصر من ليبيا ولا أعتقد أنه من مصلحة أي دولة مجاورة خراب ليبيا وعدم استقرارها.

_________

مواد ذات علاقة