بقلم د. علي باكير

اتهم ممثل إسرائيل الدائم بالأمم المتحدة، داني دانون، طهران في رسالته إلى مجلس الأمن الدولي في مايو (أيار) الماضي، بإرسالها أسلحة إيرانية متطورة إلى الجنرال الليبي خليفة حفتر بطريقة غير شرعية، مستشهدًا بـ(صاروخ دهلاويه) أنظمة صواريخ مضادة للدبابات التي تستخدمها الميليشيات المرتبطة بقوات حفتر في ليبيا.

الجزء الثاني

لم يكن من قبيل المصادفة – حسب الكاتب – أن تطل علاقة نظام الأسد وحفتر برأسها من جديد في شهر مارس بعد تقارير عن زيارة حفتر السرية إلى دمشق، ممهدة الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما ووضع أجندة مشتركة لمواجهة تركيا.

وبعد فترة وجيزة، نقلت شركة طيران أجنحة الشام السورية مرتزقة ومعدات عسكرية من المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد إلى بنغازي الخاضعة لسيطرة حفتر لدعمه ضد حكومة الوفاق، والتي ذكرت أن هذه الرحلات الجوية كانت تضم العديد من المرتزقة والخبراء العسكريين المرتبطين بروسيا، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله.

واستشهد الكاتب بتقرير قدمته لجنة الخبراء إلى مجلس الأمن في 24 أبريل (نيسان) لدحض مزاعم أحمد المسماري، المتحدث العسكري للجيش الوطني الليبي، حول عدم وجود مرتزقة من حزب الله أو نظام الأسد في ليبيا.

أشار التقرير إلى قدوم ألفين من مرتزقة نظام الأسد من دمشق إلى ليبيا منذ بداية 2020م عبر 33 رحلة طيران على الأقل لدعم حفتر، إلى جانب قرابة 1200 من مرتزقة مجموعة فاجنر الروسية، ومقاتلين من تشاد والسودان.

ويؤكد التقرير أنه «لا يمكن أن يُعقد تحالف بين الأسد وحفتر رغم أنف إيران أو ضد إرادتها؛ لأنه سيثقل كاهل طهران بمسؤوليات جديدة في سوريا مع إرسال الأسد، الذي يعاني من نقص الموارد البشرية لإعادة السيطرة على البلاد، المزيد من قواته إلى ليبيا؛ لذلك فإن هذا التحالف واقعيًّا كان مفيدًا لإيران من عدة نواحٍ».

أولًا: إن إرسال المزيد من رجال الأسد إلى ليبيا سيساعد طهران في إحكام قبضتها على نظام الأسد ورجاله. إذ لن يستطيع الأسد ولا روسيا أن ينجزا الكثير من الأمور، بدون وجود عدد كافٍ من الرجال لدعم نظام الأسد، إذا رفضت إيران إرسال القوات إلى ليبيا.

ويعد هذا أمرًا مهمًّا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن موسكو تحاول مؤخرًا تعزيز هيمنتها على نظام الأسد في مواجهة إيران واحتواء طهران في سوريا، من خلال إبرام صفقات جانبية مع إسرائيل وتركيا.

ثانيًا: أظهرت طهران، من خلال موافقتها الضمنية على تحالف الأسد وحفتر، تضامنها مع نظام الأسد وروسيا في ليبيا، وحققت بشكل غير مباشر هدفها الخاص لزيادة الضغط على تركيا على أمل أن يُضعف ذلك أنقرة في سوريا، ويُخفف الضغط عن نظام الأسد، ويرسخ موقف إيران في المقابل.

ثالثًا: تأمل إيران أن يؤدي عملها على أجندة مناهضة لتركيا ضمنيًّا إلى تقريب الإمارات والسعودية ومصر منها في سوريا، بطريقة تساعد على استعادة الأسد وتأمين مظلة شرعية عربية له، وتخفيف العبء المالي والعسكري عن طهران، وقد أدانت هذه الدول عملية تركيا العسكرية ضد نظام الأسد، ما يضعهم عمليًّا في المعسكر نفسه، إذا تعلق الأمر بمواجهة تركيا.

العلاقات الإيرانية الإماراتية

الأكثر من ذلك، عندما ننظر إلى ارتباط الإمارات مع الأسد وحفتر، فمن المرجح جدًّا أن تكون أبو ظبي شجعت على إقامة تحالف بينهما أدى إلى التقريب بين أبو ظبي وطهران، وهذا ما أبرزه حسين دهقان مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية في 22 يوليو (تموز) 2020 حينما قال: «إن علاقات إيران مع الإمارات شهدت تحسنًا مع تغير مواقف أبوظبي تجاه طهران».

ويؤكد التقرير أن قيادة الإمارات للدعم المقدم لحفتر، والجهود الرامية لاستعادة نظام الأسد داخل العالم العربي، وعودته إلى الجامعة العربية، يتماشى مع نمو العلاقات الإماراتية الإيرانية.

أفرجت أبو ظبي في العام الماضي عن 700 مليون دولار من الأموال المجمدة لطهران، وامتنعت عن اتهام إيران باستهداف ناقلات النفط في الخليج، بالإضافة إلى أنها ما تزال مركزًا لغسيل الأموال لصالح إيران.

وفي يناير (كانون الثاني) 2020، أشار محمود فايزي رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية إلى أن موقف الإمارات في اليمن بدأ يتغير تغيرًا إيجابيًّا، كما اتصل وزير الخارجية الإيراني بنظيره الإماراتي هاتفيًّا خلال تفشي جائحة كورونا، والذي عده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، سببًا في إضفاء مزيد من العقلانية والمنطق على العلاقات الإيرانية الإمارتية.

ويستطرد التقرير قائلًا: «ربما تقدم التصريحات الإيرانية تفسيرًا لاستمرار الحوثيين في اليمن في ضرب السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة بينما يتجنبون أبو ظبي، وهذه التطورات تعني أنه بات من السهل على إيران والإمارات التوفيق بين مصالحهما في قضايا معينة، سواء في سوريا، أو ليبيا، أو اليمن، أو غيرها».

التجارة المحظورة بين إيران والأسد وحفتر

وتناول الكاتب التجارة المحظورة بين إيران والأسد وحفتر قائلًا: «تعد ليبيا محطة مثالية لتجارة إيران المحظورة سواء المخدرات، أو الأسلحة، أو النفط، أو غسيل الأموال.

ولم يكن استثناءً ما كشفته إسرائيل مؤخرًا أن قوات حفتر تستخدم أسلحة إيرانية مضادة للدبابات؛ إذ أثيرت مزاعم في مايو 2020 أن ميليشيات حفتر استخدمت طائرات أبابيل .

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017، كشفت صور إحدى القواعد الجوية الليبية لقوات حفتر عن وجود طائرة (مهاجر 2) الإيرانية المسيرة، ما يعني أن الأسلحة الإيرانية يمكنها أن تجد طريقها إلى قوات حفتر مباشرة أو عبر وسطاء، ونظرًا إلى أن قوات حفتر في أمس الحاجة للأسلحة بغض النظر عن مصادرها، فيمكنها الحصول على أسلحة وذخيرة إيرانية عبر نظام الأسد أو حتى الشركات الإماراتية التي توفر هذه الخدمات.

ويشرح التقرير أنه مع تعميق مشاركة روسيا ونظام الأسد في ليبيا، وكلاهما حليفتان لطهران، سيكون من السهل على إيران والإمارات تعزيز تجارتها المحظورة في ليبيا، فيما اتهمت مجموعة العمل المالي (منظمة عالمية لرصد الأموال المشبوهة ومقرها باريس) في أبريل الماضي، الإمارات بأنها لا تفعل ما يكفي لوقف غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

كما نشرت «بلومبرج» تفاصيل تقرير سري للأمم المتحدة يكشف استخدام الإمارات لمرتزقة غربيين في ليبيا عبر شركتين في دبي «لانكستر 6 دي إم سي سي»، و«أوبس كابيتول أسيت ليمتد».

وأكد دبلوماسيون أن «الشركتين مولتا عملية تزويد حفتر بمروحيات وطائرات مسيرة، وقدرات سيبرانية عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية».

أما عن المخدرات، فاتهم فتحي باشاغا، وزير الداخلية الليبي في حكومة الوفاق، نظام الأسد بتهريب المخدرات عبر سوريا إلى العديد من الدول ومنهم ليبيا، منوهًا أن النظام السوري يستخدم عائدات هذه التجارة المحظورة لتمويل أنشطته.

كما نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية في 2017 تحقيقًا يُبرز دور حزب الله وإيران في التجارة غير المشروعة وأهمها المخدرات.

وأبرز التقرير أن عدة دول في المنطقة صادرت مؤخرًا كميات هائلة من المخدرات، وكان الرابط الوحيد في هذه العمليات أن مصدرها سوريا، وبالتحديد ميناء اللاذقية الخاضع لسيطرة الحرس الثوري الإيراني منذ 2019، وعلى فرض أن هذه الكميات الهائلة من المخدرات تُشحن إلى ليبيا وغيرها دون علم الحرس الثوري الإيراني يبرئ ساحة طهران في أفضل أحواله، لكنه يؤكد الصلة بين إيران والأسد وحفتر.

هل يمثل هذا التوجه تغييرًا تكتيكيًّا؟

ويسلط التقرير الضوء على التغيير التكتيكي الذي ربما تلجأ إليه إيران مع تحول الدفة في ليبيا، مشيرًا إلى تصريح وزير خارجية إيران، جواد ظريف، خلال زيارته لتركيا بأن إيران تشارك تركيا الرأي نفسه لحل الأزمة الليبية، وبعد ذلك بيوم واحد وأثناء وجوده في موسكو.

سُئل ظريف عن رأي إيران بشأن الأزمة الليبية فأجاب «ندعم الجهود المبذولة من روسيا وتركيا لإنهاء الصراع الليبي، ونأمل أن تتمكن الحكومة الشرعية في ليبيا من إرساء الهدوء للشعب الليبي».

كما صرح مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية لـ«قناة الجزيرة» بأن بلاده تعترف بحكومة الوفاق، قائلًا: «نحن لا نتدخل في القضايا الليبية، وأن ادعاءات دعمنا لقوات حفتر سخيفة ومضحكة».

وتُناقض هذه التصريحات موقف إيران المبدئي بعدم الاعتراف الكامل بحكومة الوفاق، لكنها على ما يبدو جاءت بعد تطورين مهمين:

أولهما: رسالة دانون إلى مجلس الأمن عن الأسلحة الإيرانية،

وثانيهما: الهزائم الكبرى التي مُنيت بها قوات حفتر على أيدي قوات حكومة الوفاق.

من هذا المنطلق – يُفسر التقرير – أن تكون هذه التصريحات مؤشرًا على محاولة إيران لتغيير موقفها لتقليل التأثير السلبي لهذه التطورات، أو أنها تصريحات تهدف لتوليد انطباع مزيف بأن هناك تغييرًا في سياسة طهران دون الحاجة إلى تغيير أي شيء فعليًّا.

ويختم الكاتب تقريره بالقول: «إذا كانت تصريحات إيران ليست سوى مناورة، يمكن النظر إليها على أنها محاولة لتقويض حكومة الوفاق من خلال تكوين تصور خاطئ في الغرب والولايات المتحدة تحديدًا أن حكومة الوفاق حليف لإيران، وهذا في حد ذاته يخدم إيران والمعسكر المناهض لحكومة الوفاق كثيرًا. لكن ستكشف الأيام عما إذا كان هذا هو الهدف الرئيس من التصريحات أم لا».

***

الدكتور علي باكير – محلل سياسي متخصص في الاتجاهات الجيوسياسية والأمنية في الشرق الأوسط مع التركيز بشكل خاص على تركيا وإيران ودول الخليج العربي. يتمتع الدكتور بكير بخبرة تزيد عن عشر سنوات كمستشار – حيث عمل مع كبار المسؤولين وصناع القرار وأصحاب المصلحة الآخرين في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص في جميع أنحاء المنطقة.

___________

معهد وارسو

مواد ذات علاقة