بقلم السنوسي بسيكري

نستطيع القول إن الأطراف الدولية والغربية تسعى إلى تحقيق اختراق في الأزمة الليبية وتريد للتسوية السياسية أن تتحقق، ولهذا نشهد هذه الأيام حمة لقاءات واجتماعات تعددت مناطقها ما بين المغرب ومصر وسويسرا، وتعددت أجنداتها.

وكما هو معلوم، فإن مساعي احتواء التوتر في سرت والجفرة والذي تبلور بالدعم الدولي لمبادرة رئيس المجلس الرئاسي ورئيس برلمان طبرق والتي تقضي بجعل المنطقتين منزوعتي السلاح، يتطلب إطلاق تفاوض سياسي يثبت المبادرة ويعطيها زخما عمليا، وهو ما يقع اليوم في الزنيقة والقاهرة وجنيف.

تطور مهم في بوزنيقة

الاختراق المهم وقع في مدينة بوزنيقة بالمغرب بعد إعلان أطراف الحوار من الجانبين، برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة، عن التوصل إلى اتفاق حول معايير الترشيح والتعيين للمناصب السيادية، في مقدمتها المصرف المركزي وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والمجلس الأعلى للقضاء…ألخ.
وبرغم أن تحديات كبيرة تواجه وفدي التفاوض، إلا أن ما وقع يعتبر تفاهما مهما تحقق في زمن قياسي، بالنظر إلى ماراثون التفاوض السابق منذ 2015م والذي لم نجنِ من خلاله شيئا يذكر. كما أن مقاربة البدء في الاتفاق من أسفل إلى أعلى يمكن أن يكون لها نتائجها الإيجابية على التسوية السياسية في قمة الهرم.

بصمات أمريكية بدعم أوروبي

يعزى التطور الذي وقع إلى اهتمام أمريكي ـ أوروبي متزايد وسعي منهم لتسوية الوضع لمنع وقوع ما يعتبرونه تهديدا مباشرا للمصالح والأمن الغربيين. فقد تضاعفت الجهود الأمريكية والأوروبية في الأزمة بعد تعزيز روسيا لوجودها في ليبيا عبر تدخلها غير المباشر لدعم حفتر في عدوانه على طرابلس.
وكان حجر الزاوية في ذلك الضغط على حفتر من خلال الضغط على داعميه الإقليميين والدوليين ممن يصنفون كحلفاء لواشنطن، والتغافل عن تزايد النفوذ التركي الداعم لحكومة الوفاق والذي كانت نتيجته دحر العدوان على طرابلس وإضعاف نفوذ حفتر داخل جبهته في الشرق والوسط والجنوب.

تفاهمات سيكون لها تداعيات

الجانب السلبي في أي توافق يقع إنما يعود إلى طبيعة الأزمة وكيف أنها تحولت إلى وضع شديد التعقيد سيكون من الصعب ترميمه بشكل يرضي أطراف النزاع. فالحرب على طرابلس كانت عبثا لم ينته أثره بتوقف الحرب، بل إن لعنتها ستلاحق كل جهود التسوية وتجعل من تقدمها، فضلا عن نجاحها، أمرا صعبا.

من أبرز التداعيات هو ما يتعلق بمواقف المكونات السياسية والعسكرية والاجتماعية ضمن الجبهتين، جبهة طبرق وجبهة طرابلس. فردود الفعل تظهر قلقا كبيرا تجاه التفاوض، كما تظهر انكشاف النخبة السياسية المعنية بشكل مباشر بالتفاوض والتسوية، وكيف أنها ممقوتة من شرائح واسعة من المجتمع.

النخبة السياسية على الضفتين فشلتا في تهيئة الرأي العام ضمن جبهتهما وإقناعه بجدوى التفاوض وأنه الوسيلة الوحيدة بعد انتهاء الحرب لترتيب الوضع وحلحلة الأزمات السياسية والأمنية الحادة والأوضاع الاقتصادية المتردية، وهناك موقف يمتد بين شريحة واسعة من الليبيين بأن المتفاوضين إنما يتفاوضون خدمة لمصالحهم وتثبيت أنفسهم في أي صيغة اتفاق قادمة، وهذا وضع خطير سيكون له وقعه السلبي مع أي منعطف حاد أو مأزق سيواجهه التفاوض.

هناك أيضا حفتر وبعض من يسنده من الروس والعرب، والذي يدرك أن اتجاه التفاوض بالصيغة القائمة الآن سيحطم أحلامه في تصدر أي منظومة جديدة معترف بها دوليا، وبالتالي فإنه لن يتردد في القيام بحماقة جديدة كحماقة 4 نيسان (أبريل) 2019م والتي أتت في أثناء الترتيب لتسوية شاملة.

حفتر سيلتزم بأي اتفاق يرضي حلفاءه من العرب والعجم، وهذا يعني أنه توافق هش وذلك لأن إرضاء القاهرة وأبوظبي وباريس وموسكو سيكون عل حساب المشروع السياسي الذي نجح في إفشال خطة السيطرة على العاصمة، وسيقصي المكونات المهمة التي قدمت كثيرا لرد العدوان، مما يعني تكرار تجربة اتفاق الصخيرات وربما بنموذج أكثر سوءا

***********

اتفاق بين طرفي النزاع في ليبيا على ضرورة التوصل لـتسوية سياسية شاملة

أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء أن المحادثات بين وفدي حكومة الوفاق الوطني الليبية والسلطة الموازية في شرق البلاد، والتي جرت في مدينة بوزنيقة المغربية على مدى يومين، قد أفضت إلى اتفاق على ضرورة إيجاد “تسوية سياسية شاملة“.

وجاء في بيان تلاه ممثل المجلس الأعلى للدولة الليبي محمد خليفة نجم أن الحوار السياسي الليبي يسير بشكل “إيجابي وبناء” وقد حقق “تفاهمات مهمة“.

وتابع أن “الجميع يأمل في تحقيق نتائج طيبة وملموسة من شأنها أن تمهد الطريق لإتمام عملية التسوية السياسية الشاملة في كامل ربوع الوطن”.

أفضت المحادثات التي جرت في مدينة بوزنيقة، الواقعة جنوب العاصمة المغربية الرباط، بين وفد من حكومة الوفاق الليبية ومقرها طرابلس ووفد من السلطة الموازية في شرق البلاد إلى اتفاق على ضرورة إيجاد “تسوية سياسية شاملة”، وفق ما أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء الثلاثاء.

ونقلت الوكالة عن بيان مشترك في ختام الاجتماعات، تلاه ممثل المجلس الأعلى للدولة الليبي محمد خليفة نجم، أن “النقاشات تمخضت عن تفاهمات مهمة تتضمن وضع معايير واضحة تهدف للقضاء على الفساد وإهدار المال العام وإنهاء حالة الانقسام المؤسساتي”.

وجاء في البيان أن الحوار السياسي الليبي يسير بشكل “إيجابي وبناء” وقد حقق “تفاهمات مهمة”. وتابع البيان أن “الجميع يأمل في تحقيق نتائج طيبة وملموسة من شأنها أن تمهد الطريق لإتمام عملية التسوية السياسية الشاملة في كامل ربوع الوطن”.

وكان رئيس وفد مجلس الدولة عبد السلام الصفراوي قد قال الاثنين إن جلسات الحوار بمدينة بوزنيقة تتمحور حول التعيينات في مناصب عليا في مؤسسات ليبية أساسية.

حسب وسائل إعلام ليبية يسود خلاف حول تعيين حاكم المصرف المركزي الليبي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط وقائد القوات المسلّحة.

وجمع “الحوار الليبي” وفدين يضم كل منهما خمسة نواب من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا وبرلمان طبرق المؤيد لرجل شرق ليبيا القوي المشير خليفة حفتر، بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

وجرت المحادثات بمبادرة من المملكة المغربية بعد إعلان الطرفين بشكل مفاجئ في أغسطس/آب الماضي وقفا لإطلاق النار. ففي 22 أغسطس/آب أعلنت السلطتان المتحاربتان في ليبيا في بيانين منفصلين وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات العام المقبل في أنحاء البلاد، وقد رحبت الأمم المتحدة بـ”التوافق الهام” بين الطرفين.

وكانت المملكة المغربية قد استضافت في الصخيرات في العام 2015 محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة توصل خلالها طرفا النزاع إلى اتفاق سياسي تشكلت بموجبه حكومة الوفاق الوطني.

وتشهد ليبيا فوضى وأعمال عنف منذ سقوط نظام القذافي في العام 2011 في انتفاضة دعمها عسكريا حلف شمال الأطلسي.

وتفاقمت الأزمة العام الماضي بعدما شن المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا والداعم لبرلمان طبرق، هجوما للسيطرة على طرابلس، مقرّ حكومة الوفاق.

ويحظى حفتر بدعم مصر والإمارات روسيا، في حين تحظى حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج باعتراف الأمم المتحدة وبدعم تركيا.

_____________

مواد ذات علاقة