بقلم مختار غميض

يرتهن الوضع الليبي حاليا، إلى أمرين اثنين: إما معركة كسر عظام قد تتوسع بحكم التحالفات أو حل سلمي يراعي مصلحة الطرفين المتنازعين.

الجزء الثاني

ب – اختلاف وائتلاف:

مثّل يوم الجمعة 21 أغسطس مفاجأة لكنها كانت متوقعة للمتابعين بعد الجهود الدبلوماسية المكثفة على مدى الأشهر الماضية كانت ثمرة إعلان عقيلة صالح (القائد الأعلى للقوات المسلحة المفترض الذي ينازعه حفتر على اللقب)، بيانا يقبل بوقف إطلاق النار، بالتزامن مع صدور بيان عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج (القائد الأعلى للجيش المعترف به دوليا) أعلن فيه كذلك وقفا كاملا لإطلاق النار في عموم ليبيا.

وبغض النظر عن مدى جدية الطرح الطرابلسي والطرح البرقاوي لحل الصراع في بلد بات فيه الخلاف الدولي ينذر بانقسام خطير ومؤثر ليس على ليبيا فحسب، بل على المنطقة والإقليم، فإن بيانيْ صالح والسراج يبدوان ومن خلال ديباجتهما نتاج “الوضع الحالي” وهي العبارة الموجودة في البيانين، نظرا للضغوط الكبيرة الداخلية، حيث يشيران إلى استفحال الأزمات ومنها وباء “كورونا” المتكررة كذلك في البيانين، ما يعني ضمنيّا أن الدعوتين جاءتا تفاديا للحرب المكلّفة وبالتالي قبولهما بالسلام كجسّ نبض على الأقل.

وبذلك يبدو البيانان ظاهريا وعموما منسجمين مع المبادرة الأمريكية التي تنص على وقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة واستئناف تصدير النفط وتحويل أمواله إلى جهة محايدة، وإجراء انتخابات، وفيما يبدو بيان السراج كان أكثر انسجاما مع المبادرة خاصة في نقطة نزع السلاح في منطقة سرت والجفرة.

ومن حيث التوقيت، لا يعد البيانان مفاجأة ولا صدفة، وربما كانت المفاجأة ستحصل لو كانا متطابقين تماما من حيث الصياغة، لكنهما اختلفا، فبيان صالح لم يدعُ صراحة إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سرت، وإنما لإخراج جميع المرتزقة وهو الذي لا يعتبر قوات حفتر مرتزقة أو حتى ميليشيات، ولا شك أنها ستكون نقطة خلافية كبيرة، فماذا يعني بإخراج جميع المرتزقة من سرت الجفرة.

في المقابل قالت قوات الوفاق إنّ الأوامر أتتها وستلتزم بها، فلماذا لم تقل قوات حفتر ذلك في الجبهات الغربية بسرت حيث تتمركز ؟!

لم تصدر أي بيان أو حتى مجرد تصريحات موافقة لرئيس برلمان طبرق الذي يفترض أنه القائد الأعلى للجيش، وهو ما قد يشير من زاوية ثانية إلى أن المتحكم الفعلي على الميدان العسكري هم قوات المرتزقة الروسية “فاغنر” التي تحتل الموانئ النفطية وكل منطقة الهلال بدءا من سرت.

لكن عقيلة صالح بدا واضحا في موالاته لحفتر رغم ما أشيع من خلافات، ومن معلومات تفيد بأنه تم استبعاد مصر والإمارات تماما من المحادثات المتعلقة بوقف إطلاق النار التي اقتصرت فقط على تركيا وروسيا أما أمريكا فهي صاحبة المبادرة، والحديث عن ضغط إماراتي مصري حاليا لإشراك حفتر الذي يشعر بالاحتقان.

ومن خلال أول تصريح لعقيلة صالح بعد بيانه، تساءل “من أين أتى مصطلح سرت والجفرة كمنطقة منزوعة السلاح”، وكأنّه يتنّكر للنقطة التي تشير لإخراج جميع الميليشيات والمرتزقة وتفكيكها وتأمين سرت من قوات من جميع جهات البلاد، أو هو ينكر أوامر نورلاند له بالترويج للمنطقة منزوعة السلاح.

وعليه يبدو عقيلة صالح، قد جمع بين ما لا يُجمع، بالتنصيص على المبادرة الأمريكية وإعلان القاهرة في آن، لذلك جاء بيانه الجديد بالموافقة على سرت كمقر للمجلس الرئاسي الجديد حيث يتم تأمين المدينة من قوات مشتركة.

وهو ما يعني أن قوات حفتر ستبقى بعدتها وعتادها الثقيل بمحيط منطقة سرت، ناهيك عن عدم إشارته إلى الجفرة التي لم يذكرها حتى بالاسم في بيانه، على خلاف السراج الذي وافق على سرت الجفرة منطقة منزوعة السلاح.

وهذا يعني نفس هدف حفتر الذي ظل متمسكا بالانقلاب حتى في عزّ هزيمته عندما طالب يوم 23 أبريل بإسقاط اتفاق الصخيرات برمته داعيا إلى تفويض شعبي على طريقة السيسي، ثم أعلن قبوله التفويض.

لكن عقيلة صالح عارضه وظهرت بوادر انشقاق بينهما، وأطلق مبادرة تقضي بتشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة نواب من ثلاثة أقاليم، يتم اختيارهم أو التوافق عليهم تحت إشراف أممي، ليتواصل الخلاف بينهما لولا أن جمعهما السيسي تحت عنوان إعلان القاهرة لوقف إطلاق النار في السادس من يونيو.

بيان صالح تضمن كل تلك النقاط من إعلان القاهرة وتكوين مجلس رئاسي جديد إلى حين تنظيم انتخابات متماهيا مع مقترحه القديم الذي قدمه بإملاء من الروس وباعترافه (لقطع الطريق عن تفويض حفتر )، لذلك يبدو بيانه مليئا بالألغام كالذي يحاول إرضاء الجميع، أو مناورة سياسية جديدة.

حفتر الذي ما يزال ضد إخراج سرت من المعادلة ولم يوافق عليها كمنطقة منزوعة السلاح، كما أن الناطق باسمه قال إن فتح النفط لإفراغ الخزانات وليس لمواصلة الإنتاج والتصدير وهذه النقطة مخالفة لما جاء في بيان صالح من مواصلة إنتاج النفط وتصديره.

وفي حال رفض حفتر ذلك، الذي يخرجه أنصاره حاليا في صورة المنتصر بينما الانتصار الحقيقي جاء من حكومة الوفاق التي أجبرت أمريكا على اجتماع سفيرها بالقاهرة مع عقيلة صالح والضغط عليه.

وبالتالي لو رفض حفتر فتح النفط أو لم يسمح بذلك، فإن حكومة الوفاق لن تقبل إلا بانسحاب كامل وشامل وغير مشروط من كل الموانئ والحقول النفطية، وهو ما قد يتحقق بضغوط الأطراف المعنية بتطبيق المبادرة وإلا فان ذلك لا يعد غير تأجيل للصدام.

لكن يكفي أن اسم حفتر لم يرد في المبادرتين، لا باسمه ولا بتوقيعه، بل إن مبادرة صالح وردت في ورقة بيضاء لا تحمل حتى اسم مجلس النواب، على عكس مبادرة السراج التي جاءت بشكل رسمي باسم المجلس الرئاسي.

يبقى مشكل القاعدة الصلبة للانتخابات وهي الدستور الذي ستقام عليه، وتشعبات المسألة، فهل ستقام باستفتاء على الدستور الجديد الجاهز منذ عامين للاستفتاء أم على الإعلان الدستوري أم بالدستور المعدل للستينيات؟

فالجميع مدرك أنه لا انتخابات موثوقة كما تطالب الإدارة الأمريكية، دون دستور دائم وضامن وهو ما يحاول حفتر منذ سنوات لمنع تأسيس دولة المؤسسات وأهمها الدستور.

وتنظيم انتخابات بدون دستور يعد انتصارا لحفتر فلا ضمانة من عدم التصويت له في المنطقة الغربية إذا سمح له الترشح كعسكري فضلا عن حيازته على الجنسية الأمريكية.

وفي كل الأحوال تجمع الأطراف على انتخابات بإشراف دولي كامل تمهيدا لإنهاء المراحل الانتقالية، وتفعيل العدالة الانتقالية ومقاضاة المجرمين.

البقية فيي الجزء التالي

***

مختار غميض ـ باحث في الشأن الليبي

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية ـ هي مؤسسة بحثية تغطي مجالا إقليميا واسع النطاق ، يشمل دول المغرب العربي والفضاء الإفريقي والمجال المتوسطي، مع الاهتمام بالشأن التونسي، وللمركز مقران رئيسيان بلندن وتونس… ويعمل المركز على تقديم مساهمات جادة في مجال البحوث الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.

____________

مواد ذات علاقة